في رواية زهير الجزائري (باب الفرج) :  تتشابك / تتقاطع خيوط السرد، تتمازج الأبعاد : التاريخي / الديني/ الغرائبي / الشعري/ اليقين المطلق والتمرد والتاريخ هنا لا يستعمل كوثيقة ، فالروائي زهير الجزائري بخبرته الروائية منذ (المغارة والسهل) في أوائل سبعينات القرن الماضي، ثم( مدن فاضلة) (الخائف والمخيف) (أوراق جبلية) (حافة القيامة) والآن (باب الفرج) أراه في تجاوز روائي دؤوب .

(*)

الزمن الروائي هي منتصف العقد الثاني من القرن العشرين وتحديدا (1916- 1918)..

المكان الروائي : مركزيتة بيت ٌ على مقربة ٍ من مرقد الإمام علي –عليه السلام –

رب العائلة : الشيخ مرتضى متزوج من ثلاث نساء

ويتسع المكان من خلال هذا الشيخ فالقارىء يذهب معه إلى المحمرة ويلتقي مع الشيخ خزعل. وحين الشيخ للحج نكون معه وهو يشتري العبد والجارية، ولا نجد الشيخ ولا نكون معه في الحج، لكن السرد لايترك عائلة الشيخ بل يعاودها من خلال التنقلات السردية / المونتاج.. ويتسع المكان  في حرب البصرة، ضد الانكليزي ونكون في البرجسية، ونشهد القتال واستشهاد الشاعر الحبوبي ونتجرع هزيمة العراقيين، الذي قاتلوا دفاعا عن الأستعمار التركي بوازع ديني .علما أن الأتراك لم يطبقوا العدل الإسلامي مع العراقيين خلال أربعة قرن من الأستبداد..

الزمن الروائي في (باب الفرج) محاصر بثلاثة طواعين

*طاعون هجومات الوهابيين على كربلاء والنجف وقرصنة القوافل

*طاعون الجرذان

*طاعون سقوط الأمبراطورية العثمانية وأجتياح بريطانيا للعراق

هذا التدمير المثلث للعراق أرى أستعارة ً لمايجري الآن ..

(*)

تبدأ الرواية من منظور عين الطائر وهكذا يهبط السرد شاقوليا  وشاقولية السرد متحركة وليست ثابتة، وتحركات هذه العين تتماوج في هبوط وإرتفاع ..وتنتهي الرواية من منظور عين الطائر وهناك ميزة أخرى وهي الأشتغال على ضمير المتكلم  بمساحة أوسع من غيرها فالسيادة في الرواية لمسردة العليم والتمييز لمسردة المتكلم الطائر:(من دون أن أحرّك جناحيّ، درتُ فوق الصحن دورتين / 5) في القراءة الثانية للرواية سأتوقف عميقا في قوله( مِن دون أن أحرّك جناحيّ) كيف يكون الدوران دون تحريك !! في الأسطر الأخيرة من الصفحة الأخيرة، يخبرنا الشخص الطائر:(سقطت ُ في الفراش محموما،ورأيتُ أمي منكبّة عليّ : كفّ عن أوهامك!أنت هنا في هذا البيت، وعلى هذه الأرض/ 217) وسؤال قراءة المنتجة : هل ينضد هذا النوع ضمن : توهيمات السرد؟ أوالسرد الموهوم؟ أو سرد المحموم؟ كل هذه التلفيقات النقدية في مجال الجواز. وحين نحك هذا النوع من السرد يمكننا أن نطلق عليه ربما : عروجات عصابية رؤيوية، فهذا الولد الذي يتوهم نفسه طائرا، ربما يحاول تحرير ذاته من أرضنة منغلقة، وهو في الوقت نفسه من خلال تعديد مسردته المتعالية يسعى لتوسيع قوس الفضاء النصي. والولد الطائر تتشابك الأزمنة لديه فيتقافز سرد بين الأزمنة(أهزّالمشهد،فأستحضر أحداثا قديمة،وأجرها إلى الحاضر أو أجلب للحاضر ما سيحدث في سنوات مقبلة، وكأن الذي سيحدث حدث../100). والولد الطائر يذكرني بالمستذأبين من خلال أفلامهم التي نشاهدها عبر الفضائيات، لكن البينة النصية التالية تؤكد أن الولد علي من المتحولين من البشري إلى الطيري (ذات ظهيرة قائضة،تسلّل الشيخ مرتضى من سرداب البيت متتبعا خطوات أبنه الهامسة إلى السطح،وفزع وهو يراه من وراء سيّاج السلّم واقفا تحت شمس تغشى النظر،واقفا بميلان غريب،وقد تدبّب أنفه مثل منقار،وتدبّبت شفتاه وهو يشرب الريح،وضاقت عيناه،ليتحاشا شعاعا  جارحا، وطارت خصلة أمامية من شعره مثل عرف طائر،وتدببت أذناه مثل جناحين،حتى خياله ألتمّ تحت قدميه وهو يشقّ الريح.فتصفر حوله.فزع مرتضى حتى نشف ريقه(سيطيرمنّا،ولن يعود)عرف مسبّقا هذا الفعل،ولايقدر على ردّه، فهزّ رأسه تاركا العاقبة للخالق. لكنه عرف بأن أبنه لم يكتف بالطيران فوق الأمكنة. إنما صار،بعد سقوطه على أكداس الحطب، يطير فوق الأزمنة. يرى أشياء حدثت قبل عقود،ويصف بالتفصيل وهو يشهق من الفزع أحداثاً،لم يرها،لذلك استدعاه إلى البرّانيّ كاتماً غضبه :قل لي مارأيت َ بالضبط؟

  • لم يكن حلماً ولا هلوسة،فقد رأيتهم كما أراك الآن..رأيتهم يحزّون رقاب الزّوّار،ويلقون الرؤوس من وراء السور للتحذير،ورأيت الشيخ كاشف الغطاء يحشد الناس للدفاع عن المدينة،رأيتُ آل أصيبع وآل كرماشة يسدّون ثغرات السور بأكتافهم.
  • الأموات وحدهم رأوا ذلك، هل أنت منهم؟)

إذن للولد علي رؤيا كشوفاتية / روحانية/ عروجية فهو يرى كيف تم تشيع الشاعر السيد الحبوبي ويرى أخويه ولايراه أحدا/ص270 وهو سرديا يمنح الفعل الروائي قوسا أوسع من خلال عين الطائر المتماهي ، إذا يزودنا كقراء بما يجري في تلك اللحظة:(مَضنّي العطش تحت الشمس المحرقة،فنزلتُ إلى الفرات على مبعدة من الموكب الطويل.غرفتُ بجناحيّ، وشربتُ الماء والطين،وبينما أنا أصعد لمحتُ شقيقي حسنا ومحسنا يترقبان وصول التابوت/ 271) ..اللامرئي هنا رؤية الولد الطائر من قبل الآخرين، وهناك لامرئي آخر هو سرد البنت المخبولة،فهي تتوهم نفسها حاملا وهي بنت بكر، وتخاف على جنين تتوهمه في رحمها، ويتماهي في عقلها السارد العليم ويتكلمها / أو تقوّله هي بأحاسيسها، وهنا جمالية الصنعة السردية لدى زهير الجزائري، يبدأ السارد العليم قائلا (سقط الضوء على المخبولة حين فتح باب غرفتها، فالتمت في زاوية الغرفة القصية،،سيأخذونه مني../ 235)هنا لدينا سردٌ جواني،أعني أن البنت المخبولة تسرد لنا ما يتشعرن لديها من إحساس غيبي متداول مجتمعيا آنذاك، هو أن تكون الصبية مسكونة بعشير من الجن وتحبل منه، البنت لم تبح بأكثر من جملة فعلية مختزلة (سيأخذونه مني) لكن السارد العليم سيتماهي  بأحاسيه مع مشاعر المخبولة، فتقوله المخبولة سرديتها(الضوء اخترقها تماماً،وكشف الجنين المسلوخ في بطنها،فأخفته بيديها الأثنتين،مع الضوء أتت طيور بمناقير طويلة،تخفق أجنحتها عند السماية،تدخل أمها وبيدها الفانوس،،هاتيه،، سنخبئه عن مفارز التجنيد! تصيح أمها،وتمد يدها،فتلتم ّ المخبولة،في صوتها صفير طويل،، أصصصصبري،، يلتم الجنين خائفا مثل إسفنجة، تُمسك المخبولة بالسّكين المختفي تحتها،تشدّ قبضتها بإحكام، تمزّق الهواء لأربع قطع متساوية،فينزف دما أسود.مرّة ثانية، ثالثة فتنفتح ثغرة.ويدخل تيّار من بخار محمّر.تدخل فيه هي ووليدها،وتسمع صوت العلوية يطاردها ،،الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن.../ 326) نحن هنا في مشهد مرّكب يتشابك المرئي باللامرئي، الوقائعي بالغيبي، النور بالظلام القاني، ونحن في لحظة علاجية روحانية تقوم فيها الضرة/ العلوية بمشافة أبنة ضرتها من المس .

(*)

سرد الولد الطائر، يبث صورا سردية دامية لما يجري وهي صورة أعمق دلالة من السرد الأفقية كوحدة قياس لما يجري من فواجع وكوارث وبلاءات (طرت ُ هذه المرة في الضحى العالي،لأرى المدينة من فوقها،طرتُ على أرتفاع منخفض،وأنا أخفق جناحّي بتواتر ضابطاً حركتهما مع تنفّسي.لم يأت ِ الزوار، بسبب الطاعون في المدينة.فوقي خيّمت غيمة كبريتية صفراء مغبرّة. تحتها غيمة من حِدإ تطير دائريا، وقد جذبتها رائحة الموت،وتكدست جثث الموتى في الصحن، وبينهم من سقطوا خلال الصلاة. الزّوّار وقفوا خارج السور في العراء حائرين تجذبهم لمعة الذهب الكابية وتُبعدهم رائحة الجثث الخانقة وأكداس الجرذان الميتة/ 124) ثم يخبرنا(مررتُ فوقهم خطفا، فأرتفعت إليّ الرؤوس في نظرة شفاعة،لكني تركتُهم لأتابع أخي وهو يركض حاملا جثتين في العربة.) ثم ينتقل السرد بصيغة حركية الكاميرا وما يعترض لقطاتها (أتابعه،فأفقده،ثم أستعيده. تقطع الشناشيلات والأزقة الضيّقة صورته عني،ثم أراه،حين يمر يلتصق العابرون بالحيطان،ويلموّن عباءاتهم تجنّبا للمرضى. طرتُ حول الصحن متحاشيا المنائر، من فوق أسمع صوت عمّي يقرأ دعاء الطاعون..درتُ بين اللواوين، درتُ دورتين حول المحلات والأسواق وكذلك الأزقة الضيقة، العابرون أرى ظلالهم من فوق أوضح منهم، أخطف فوقهم من دون أن يروني أو يسمعوا حفيف جناحي) ثم يصوّر لنا البيوت خلال سطوحها ومؤثرية الطاعون عليها (السطوح متفاوتة الأرتفاعات والمساحات.خالية من الناس في هذه اللحظة الحارّة. ما من امرأة تنشر الثياب المغسولة، وما من متطفل يسترق النظر إليها ما من أفرشة في السطوح. لا أرى الشيخ جالسا في أرسيه المطل على الباحة..نزلت ُ قريبا من الأرسي الذي يجلس فيه والدي، فرأيت بوضوح حسنا، لا أرى وجهه بوضوح،فقد أنحنى وهو يدقق في مواقع قدميه، كأنه يريد أن يعلو قليلا فوق الأرض.) ثم تجري محاولة سردية للتجاور بين سرد الطائر وسرد المخبولة :(قبل أن أخفق جناحي،وأنزل منزلقا نحو باحة البيت،سمعت صرخة المخبولة. لم تكن صرخة آدمية، إنما صوت مخنوق،كأنه يأتي من قاع بئر : ألحقوني... يخنقني /135)

(*)

سرد  الطائر يعقد ميثاق تعارف بين القارىء و بيت عائلة الشيخ مرتضى وزوجاته الثلاثة، وعين الطائر ستكون منيبة بل هي السارد العليم الجواني فالطائر هو علي من أولا د الشيخ مرتضى ومنه سنعرف أن السيادة على البيت أمومية / متريركية تجسدها الزوجة الأولى (أمّي،، هنّومة،، أولى زوجات والدي وصاحبة السلطة في البيت /7) وهذا الشيء سيتأكد عمليا، قبيل ذهاب شيخ مرتضى للحج فهو يستدعيها ويوصيها (أنت ِ ياهنّومة،سلطتي على النساء.. لا أريد عراكاً ولا صياحا ً ولا وشايات،لاتخرج النساء من عتبة الباب إلا بإذنك،ولا تدخل البيت غريبة إلا بمعرفتك. وزّعي الواجبات بعدل../106)..وهنومة بدورها(تُعوّل على سلطتها في البيت /68) والمزيد الذي ترغبه هو أن يكون ولدها خليفة زوجها شيخ مرتضى في العائلة الكبير(كون أبنها الأجدر بأن يأخذ مكان الوالد لو حدث، لاقدّر الله،له مكروه.أرادت أن تكون السلطة بعد الشيخ من حصته،وأن تُثبت هذا الأمر حقيقة مفروضة )..وخلال عين الطائر الولد الواقف على سياج البيت سنعرف الزوجة الثانية العلوية شريعة وهي تطبخ الطعام،وما أن يشم الولد الطائر رائحة البصل المقلي حتى يخبرنا(تهيّج جوعي، فأخفق جناحي وأقفز نحو سياج السطح التحتاني/ 7) فتمر الزوجة الثالثة (مناهل بكم)،ويخبرنا السارد العليم أن مرضها الأكبر هو التباهي بكل شيء إذا لديها الكثير مما تتباهى به( لكنها تجد الذهب،هذا المعدن البرّاق الساكن،يقول الكثير عن كل شيء، ترفع أكمام الهاشمي،لتكشف أنبوبا طويلا من سوارات الذهب في كل يد / 101)..والبيجوم مناهل طاقتها السردية ذات جهوية ثمينة جدا، إذ(لديها حين تُسأل قصّة عن كل سوار وكل شذرة فيه ).. ولاحياة ولا ذاكرة للبيجوم خارج بريق الذهب، فهي قد قام بتدويرسرد بعض أملاكها إلى ذهب

لأنها(لم تأمن أبدا إدارة الشيخ لأملاكها،ولذلك تحاسبه على ما يبيعه من أملاكها التي تحولت إلى ذهب، يجلّلها من فوق إلى تحت/70) لأنها تأتمن السرد القريب المرئي(الذهب أقرب إلى قلبي وعيني من التراب، أستطيع أن أراه وأعدّه كل يوم،بينما الأراضي بعيدة عني/71)..وحده الذهب من يشحنها ويزيد منسوب  الطاقة الأيجابية في ذاتها،كلما غمرتها عزلتها عن الناس، والذهب منصتها العالية التي تقف عليها،لتزداد مكانة وسموا، ولا تنام إلا بعد تجمع ذهبها في صرتين تحت وسادتها، لكن ذهبها يسيل من تحت مخدتها، يسيل على فراشها وأرضية غرفتها وقد تحول قطرات زئبقية عصية على الإمساك فتفز مذعورة وتحوقل وتبسمل

وحين يلجأ إليها ولدها حمادة لتعينه بذهبها من أجل مشروعه التجاري، تخاطبه (تريد أن تصهر ذهبي،وتصهر ذكرياتي كلها معه؟/ 159) وحمادة يعلم جيدا أن كل ذهب أمه من بقايا دكّان والده. وأمه لاتنسى ذلك فالذهب (يعيدها لزوجها المرحوم،وهو يهديها قطعة مع كل مولد جديد،وبعد عودته من كل رحلة،وكلّما تنعم الله عليه بصفقة كبيرة / 71)..لكن الذهب لايقدر أن يغطي عورتها المتجسدة في (أبنتها الصغيرة.تكبر عاما كل عشرة،ويدخل إبليس عقلها ويلقنّها ما تقوله /103).لكن لكل مكان مؤثرية جهوية  أحيانا تتقاطع مع سواها. فإذا كان التباهي منصته القبولات هي مضمار(تتسابق مع الآخريات من زوجات الوجهاء بالتباهي/ 101)..فأنها تخضع للتحليل النفسي أثناء عريها الجسدي في غيمات بخار ماء الحمامات النسائية أسوة ً بسواها، غيمات البخار تستر عريهن وتقنع وجوههن وتليّن السلوك النسوي المتخابث والقاسي، وتفرك التباهي بالليفة والصابون، فيشرق الضعف النسوي الناصع،وبسحرغيمات  يتصنع مفاتيح صناديق أسرارهن : تشكو العانس خريفها، والوفية تبوح بخيانة زوجها، فتتشجع البيجوم و(..بتردد وصوت خافت تنحني البيجوم على جارتها وسط رنين الطاسات : هذه الصغيرة عورتي.تكبر عاما كل عشر سنين ! تقولها وتغص بصوتها تاركة للبخار أن يُذيب دمعتها الشحيحة/ 108)

(*)

الشيخ مرتضى عقلية تجارية تقليدية، يعيش الحياة بروح خضراء في كل شيء

(حتى صلاته لم تكن خالصة النيّة لرّبه،إنما يؤديها كواجب،لابد منه،وبينما يسبح باسم ربّه خلال الصلاة تقتحمه أفكار دنيوية،تتعلق بأملاكه ونسائه، ويرى وهو يصليّ شيطاناً صغيرا ناعم الشعر فِكه النظرات،يصلي مثله بين قدميه../224)

ويمتلك ما يجعله متفارقا عن أنظمة الوعي الجمعي، بخصوص الجهاد ضد الكفار(جهاد مَن،ومع مَن ؟ الدولة العثمانية التي يريدون الدفاع عنها ذاهبة إلى الزوال.تخسر في الجبهات كلها.إنها ليست حليفتنا نحن العرب الذين بقينا تحتها أربعمائة عام. على العكس، تحتقرنا وتعاملنا كخونة للإسلام، وتُحمّلنا مسؤولية هزائمها. لاتتذكرنا شقيقة الدين،إلاّ حين تحتاج أولادنا ومالنا لحروبها الخاسرة. مسلمون؟ على خلاف تعاليم الله، ينهبون مزارعنا وخاناتنا، من دون أن يسألونا، ومن دون أن يدفعوا ثمن مانهبوه/ 228)أما شيخ جعفر شقيقه المصاب بفوبيا اللغة(لديه أعتقاد عميق بأن الأمبراطورتين المتحاربتين متفقتان على أن تنتزعا من الناس هذا الكيان الذي يجمعهم، وهو اللغة /48).. ولا يتوقف شيخ مرتضى عن انتاج الأسئلة حول الحرب الكونية الأولى(هل كان هذا المراهق الصربي يعرف أبعاد فعلته حين أطلق الرصاصتين على وليّ عهد النمسا؟ أم أن شيطاناً دفعه لأن يُشعل من دون أن يدري شرارة حرب كونية؟ أين الله من هذا الحدث،إذا كان بكل شيء عليما؟ وما حكمته من الدمار المقبل؟ وإذا كانت القيامة قريبة كما أعلن السيّد اليزدي، فلماذا لم ترتفع حتى الآن أسعار الحبوب المخزونة في خاناته في الكوفة؟/ 229) نلاحظ أن الشيخ تتنوعة حزمة أسئلة من الميداني المتجسد بجريمة المراهق، ثم ما تأثل من الجريمة حيث انتقلت من الحيز النمساوي إلى سعة الكرة الأرضة، وهنا ينتقل الشيخ من سعة البشري إلى قدرة الواسع المطلق، والغاية من هذه البشاعة الكونية وكيف تقترن القيامة بالنسبة لليزدي، وهنا ستكون تجارة الشيخ وحدة القياس : أسعار الحبوب هذه الأسئلة وسواها محض طواف حول النواة المقلقة للشيخ،أعني السؤال الحق: خوفه على أولاده من هذه الحرب يخذونهم للسفر برلك ولن يعودوا. خوفه من اقتصاد الحرب الذي سيصادر حبوب خاناته في الكوفة، خوفه من القنابل ومن الفرهود ومن الخاوة التي يدفعها للدرك التركي، ويعود إلى سؤال الذات سؤاله الوجودي (لِم َ يأته التحذير دائما بعد المعصية؟ لم لايسبقها../235)

(*)

على الصعيد الجمعي فالحرب تنتج جهوية توعوية جديدة هي بداية قطع معرفي مع ثوابت بنية المجتمع القارة، توقفت الأحاديث الفقهية المكرورة، لجموا مناظراتهم الشعرية تغييب المرح اسدلت الجهامة غيومها وبرز الجديد بِلا إستحياء(حفظ البعض علوما جديدة،تتعلق بالقارات والأوقيانات الكبرى والبحار ومعدّلات النهار والقطبين ومنطقة البروج ونقطتيّ الاعتدال والانقلاب ونجمة القطب الشمالي والجنوبي،العرض والطول / 230)

(*)

في الشاعر الحبوبي رقة حولها شعرية ًمرهفة ً، شاعرٌ مجبولٌ من غرين.. لا في القطيف حيث كان ولا في النجف حيث، تم التعارف بينه الحرب وهاهو الآن (حائر في هذا المكان الموحش،وقد تجرد من صحبته. كل ما في الطبيعة هنا يحاربه.جرذان بحجم القطط تنظر في عينيه بوقاحة،ثم تكشف الأغطية، وتأكل من مؤونته. كلاب مسعورة طوّقت المخيّم تنبح من دون توقف .مع ذلك،يكتب الرسائل وهو ينشّ البعوض المطنطن حوله لشيوخ القبائل في المنتفك مستدعيا نخوة وشهامة من يعرفهم../245) الحبوبي شاعرتحاصره غابة ٌ من اللاءات (لايعرف كيف ستندلع الحرب، لا يعرف شكل العدوّ الذي سيحاربه، ولا يعرف أين يختبىء هذا العدو ومتى يهاجم/ 246) وراح الحبوبي في هذا الضنك النفسي، يستذكر حياته التي لا تعرفا حربا ولا دخلت معركة ً..(ربما جاء إلى المكان الخطأ، وأختار الموقف الخطأ، طوال عمره كان وشِعره منذورين للفرح والحب../ 262)

(*) زهير الجزائري/ باب الفرج/ منشورات المتوسط /إيطاليا/ 2018

عرض مقالات: