بدايات المسرح العراقي في الخارج، قديمة نسبيا، تعود الى الفترة التي اوفدت الدولة فيها أول طالب للدراسة في أوروبا، أو من كان موجودا هناك للدراسة على حسابه الخاص.

بعض المصادر تعيد التاريخ الى زمن الطلاب الموفدين الى المدرسة الحربية في (الاستانة)،  في اواخر القرن التاسع عشر، الذين شاهدوا وتعرفوا مباشرة لأول مرة على اللعبة المسرحية. وقد شارك عدد غير قليل منهم في الاعمال المسرحية، وهي اولى محاولات المثقف العراقي في القرن الماضي للانفتاح المباشر والتفاعل مع ثقافات الشعوب الاخرى المغيبة عن ثقافة المجتمع العراقي في ذلك الوقت.

وعند تشكيل الجمعيات الطلابية بعد الخمسينات من القرن الماضي، كفروع لاتحاد طلبة العراق في الخارج ، لعبت دورا كبيرا في تأسيس المسرح الطلابي، وقدمت اعمالها داخل قاعات المؤسسة الدراسية نفسها او في احتفالات الاتحاد في الهواء الطلق على شكل مهرجان طلابي سنوي.

وكما قدمت وفود طلاب وشباب العراق المشاركة في حركة مهرجانات الطلبة والشبيبة العالمي  فعاليات مسرحية عراقية ، وهي في الواقع عبارة عن بعض (الاسكيجات) القصيرة والمشاهد الصامتة تؤدي في الشوارع .

و كانت مسرحيات يوسف العاني الأولى، ذات الفصل الواحد، هي الاكثر عرضا من قبل هذه الوفود بسبب ندرة النصوص المسرحية العراقية المتوفرة آنذاك ، وضمن ما قدم مسرحية ( فلوس الدوه) عام 1957 في موسكو وقدم في   فيينا في عام 1958 مسرحيتي ( ماكو شغل) وكذلك ( فلوس الدوه ).

بطبيعة الحال لم تكن هذه الاعمال الطلابية متميزة كثيرا أو كانت بمستوى فني رفيع ملفت للنظر.

ومنذ بداية الخمسينات ، بعد عودة حقي الشبلي من دراسته وتأسيس معهد الفنون الجميلة وتخرج وجبته الاولى ، أرسل تباعا عددا من خريجي هذه الدورة والدورات التي تلتها الى معاهد الولايات المتحدة والدول الغربية تحديدا ، لدراسة فن المسرح والسينما. ومن الرعيل الاول كان جاسم العبودي وابراهيم جلال و بهنام ميخائيل، وعبدالجبار ولي ومن بعدهم جعفر السعدي واسعد عبد الرزاق والحاج ناجي الراوي وجعفر علي وسامي عبد الحميد وبدري حسون فريد وآخرين. وقدم بعضهم هناك المسرحيات العراقية المحلية في نشاطاتهم الصفية التطبيقية .

وبعد ثورة 14 تموز 1958، انفتح العراق واسعا على بلدان ما كان يسمى بالمعسكر الاشتراكي ، وأرسلت أعداد كبيرة اليها لدراسة فن المسرح من خريجي المدارس الثانوية و معهد الفنون الجميلة على وجه الخصوص والذين استطاعوا خلق ملامح وشكل المسرح الطلابي العراقي كظاهرة في الخارج التي سبق وان بدأها طلاب البعثات الاوائل ووفود المهرجانات الشبابية العالمية.

ويحفظ تاريخ المسرح العراقي (لفرقة الزبانية) ريادتها عندما زارت الجنود المرابطين على الجبهة العسكرية في القدس عام 1948، حيث قدمت بعض المسرحيات الفكاهية الترفيهية ، ومعروف عن ( فرقة الزبانية) انها كانت تقدم اعمالا ارتجالية هزلية وتعتمد على ابتكار الممثل بالدرجة الاولى.

على مستوى الفرق المسرحية العراقية ايضا التي تحسب لها الريادة في تقديم المسرح العراقي رسميا في الخارج ، نرى ان ( فرقة المسرح الفني الحديث) قد سافرت في أوائل عام 1967 الى الكويت ، بدعوة من وزارة الثقافة الكويتية ، وقدمت هناك ثلاث مسرحيات هي ( عقدة حمار ) تأليف عادل كاظم واخراج ابراهيم جلال ، و( فوانيس ) تأليف طه سالم واخراج ابراهيم جلال ، و ( مسألة شرف ) تأليف عبد الجبار ولي، واخراج بدري حسون فريد ، وقد تم تسجيل جميع هذه المسرحيات ب(الفيديوتيب) ، وهي محفوظة لدى التلفزيون الكويتي الرسمي .

واليوم اصبح المسرح العراقي معروفا بمستواه النوعي الرفيع في كافة الدول العربية ، لكثافة مشاركاته وتراكم خبرته في المهرجانات المسرحية المختلفة المقامة دوريا في مختلف البلدان العربية وبعض البلدان العالمية ايضا منذ عام 1975، ومنها مهرجانات القاهرة ودمشق وتونس ولبنان والاردن وعواصم الخليج. وقد أعتاد  العراق أن يحصد بجدارة الحصص الاكبر من جوائزها الرفيعة والتقديرية.

وعلى صعيد آخر، فإن اضطرار المثقف العراقي إلى الهجرة الى الخارج بإعداد كبيرة ، ومن بينهم مسرحيون مرموقون،  والعيش في أجواء الديمقراطية والحرية  التي لم يسبق لهم ان تمتعوا بهذا الحق الانساني طوال حياتهم من قبل ، وفرت لهم هذه الشروط الجديدة الارضية التي افتقدوها للانطلاق بلا حدود في الابداع المسرحي ، وعادوا يطرقون من جديد ابواب التجريب الرحبة التي عرف به المسرح العراقي ، وتفاعلوا مع ما يقدم في المسرح العالمي من عروض جديدة .

وقد تشكلت مجموعات وفرق مسرحية عديدة ، عراقية الانتماء والجذور والروح ، متقدمة جدا بأشواط عن حال المسرح في الداخل آنذاك.

 وقد برزت في الخارج اسماء عديدة من الشباب المسرحيين المهمين ،  مثل سعدي يونس ، جواد الاسدي ، وفاضل السوداني ، وحازم كمال الدين ، وكاظم صالح ، وباسم النصار، وقاسم البياتي ، روناك شوقي ، وقدموا اعمالهم باللغة العربية ، او بلغة البلد الذي هم فيه، والعديد منهم عمل ايضا في الفرق المسرحية الاوروبية كمخرجين وممثلين لبعض اعمالها ، وقسم منهم اخرج اعمالا مشتركة لعدد من البلدان لتحقيق الطموح نحو العالمية والانتشار الواسع.

ورغم محاولات التجريب الواضحة فيها ، الا انه مازال امام المسرح العراقي في الخارج طريق طويل ليس سهلا في التميز  والانتشار، فهو لم يضيف حتى الان شيئا مهما على ما هو موجود في المسرح العالمي، وظلت العروض متواضعة جدا ، ولم تستطع حتى ان تبلور مسرحا فيه نكهة عراقية متميزة ومقنعة للآخرين بما يحقق له حضورا حقيقيا في العالم.

ــــــــــــــــــــــــــ

*هذا المقال معد عن مقال طويل جدا  للكاتب في العنوان نفسه ضمن كتابه عن تاريخ المسرحي العراقي