يُعد كاظم ناصر الرويعي الشاعر الشعبي والغنائي قمة شامخة من قمم الشعر والغناء وطاقة شعرية إبداعية مكنته من التعامل مع المفردة الشعرية بحس مرهف وشفافية جعلته يتربع على عرش الأغنية العراقية، فقد بذل الرويعي الكثير من الجهد المضني من أجل أن تقف الأغنية العراقية بين أغاني الامم واستطاع أن يضيف الى القصيدة صورة معبرة النابضة بالحب.وقد يغيب عن البعض أن الرويعي كاظم كان يغرف الكثير من مضامين كلماته الغنائية الأصيلة من الواقع الذي يعيشه الناس حيث ّمن خلالها عبق البيئة الفراتية في بابل(المدحتية) هذه المدينة التي نشأ وترعرع وأحب وعشق فيها وتغنى بها طوال حياته حتى مماته لأنها علمته حب الوطن وحب المبادئ وحب الناس بل انه تعلق بهذه لأم التي أنجبت قبله وبعده الكثير من المناضلين الشهداء والسياسيين والأدباء والشعراء والمثقفين تعلقاً تجاوز المألوف ليبلغ حد الهوس والعشق:

إلچ بگليبي بيدر شوگ…

وجروح او عتب وايمان

إحبچ من گلب والسان

أحب ارياضچ الخضره احب الغيد والخلان

أو لو هب هوه(ربيانه) يروي كل جيد عطشان

ايكحل كل جفن نعسان

أو من يتمايل الريحان..

من خمر العشگ نشوان

وجاءت لكاظم الرويعي الفرصة عند ذهابه الى العاصمة بغداد في أن يكون بمستوى الطموح الذي كان يطمح اليه التغير الجذري على القصيدة الكلاسيكية بالتجديد والحداثة الشعرية في مرحلة التسينيات من القرن الماضي، نتيجة الوعي الثقافي والسياسي لدى الإنسان العراقي أخذ الشاعر الشعبي العراقي يكتب برؤية جديدة استلهاماً لروح العصر الذي يعيشه وما المواكبة للتطور المتدفق للشعر الشعبي إلا دليل على حيوية ونزعة تجديد.حيث استطاع تطوير المنحى الغنائي بمفردات غنائية مكثفة وطليقة وجريئة في نفس الوقت مما جعله يجمع بين الرمز والموضوع ويجسدها بصورة شعرية رائعة وهادفة في الوقت نفسه، هذا ما نلاحظه في كتابته هذه والمحملة بغنائيته لرفاقه واصدقائه الشعراء والفنانين قصائده مجسداً فيها غربتهم التي امتد فيها حس الإضطهاد والتشرد. فأخذ يصرخ بوجه الطغاة وفي سطور هذه الغنائية التي رفضت من قبل لجنة فحص النصوص في دار إذاعة وتلفزيون النظام المباد اكثر من مرة…:

وشَّلنه كل ادموعنه

ودمعة الوصل.. دمهة الهجر

والعشگ حدر اضلوعنه

امخضر على مد العمر

أو لو طفت كل اشموعنه مرة

من يا كتر نشري صبر

ودّونه ابشارة فرح وي طيفكم

ما تنتهي شبگة جرحنه السيفكم

ردّوا الجواب اويه اليسافر لينه

إلكم حنين الطير للعش بينه

يحبايبنه البعيدين

والكل يعرف أن الرويعي من الذين وهبوا العمر من أجل الأغنية الهادفة.. بدأ كتابة الأغنية في الستينات واصبح له رصيد غنائي يقارب اكثر من اربعمائة أغنية منها.. (على شط الفرات.. صير اشموع ..گلايد.. عادوا الغياب.. ضوه خدك.. ليلة ويوم.. سلامات.. ايگولون.. تواعدنه) واغنيته الشهيرة والرائعة التي ما زالت تعيش في قلوب وأحاسيس الناس رغم التعتيم عليها التي تعبر بروعتها بصدقها ورونقها أنها طائر جميل يكره الأقفاص يعشق التنقل بين الخمائل فوق الأجواء ليبارك سواعد العمال ومطارقهم ومناجل الفلاحين الذين يبنون العراق الجديد التي أداها الفنان والمناضل فؤاد سالم الذي قارع الدكتاتورية البغيضة بأغانيه الوطنية الرائعة وهو في منفاه بعيداً عن الوطن الحبيب:

فرحة الطير اليرد لعشوشه عصاري يا عشگنه

ومن صوابيط العنب ونحوشه عصاري

وگاعنه فضه وذهب واحنه شذرهه

وشحلاة العمر لو ضاع بعمره

يا عشگنه… يا عشگنه

والقائمة تطول بالأغاني الجميلة ناهيك عن كتابته الأوبريت الغنائي فهو أول من كتب الأوبريت التلفزيوني فكانت له (لوحة الأرض) ملحمة تتحدث عن نضال فلاحينا وعمالنا والتصاقهم بترابهم ونضالهم ضد عهود التسلط والرجعية الى أن شع فجر ثورة 14 تموز الوطنية، وله كذلك ثلاث لوحات اذاعية تتغنى بحب الناس لثورة تموز وهذه الأوبريتات هي شع النهار- العيد الجديد- شوگ الديرة سجلت في حينها.

قال عنه شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري: (أشعر بغربتي حقاً حين أسمع اغنية (يم داركم) وخاصة في قول الشاعر: والتمت بروحي المحنة واشتهيت اخباركم. هذه الأغنية تجعلني في حزن وفرح فقد أجاد الرويعي وليس هذا بجديد عليه).

وبعد أن فقد الكثير من المثقفين والشعراء التقدميين الحاسة التي تشعرنا بطعم الحرية هجس الشاعر الرويعي بأن الدماء والخراب والحصار والاضطهاد والرقيب الذي كان يرافقنا طيلة 35 عاماً تحت ظل أقسى الانظمة الدكتاتورية في العالم على من يكتب من قصة ورواية وقصيدة واغنية وما يرسم وينحت حتى غيب الكثير من المفكرين والأدباء أمثال المناضل صفاء الحافظ والمفكر عزيز السيد جاسم والروائي حسن مطلگ والصحفي ضرغام هاشم وغيرهم الكثير الكثير فلم يبق أمام الرويعي سوى اللجوء التراجيدي الى المنافي ليتبع زملاءه من قبله امثال الشعراء: سعد الشريفي وزهير الدجيلي ورياض النعماني وكريم عبد دحام واسماعيل محمد اسماعيل وكريم القزويني والقائمة تطول.. حتى انتهى به الأمر أن يهجر المدحتية والوطن نهائياً ليستقر في عمان رغم كل هذا ولم يعش بتوهيمات فارغة فكان ملتصقاً كل الإلتصاق بهذه الأرض تربة هذا الوطن الذي عاش فيه معبراً عن حبه والتضحية من أجله لن ينسى الفرات ودجلة والعراق رغم وحشة الغربة القاتلة وجرحه الذي لا يندمل فأخذت قصائده تفيض بالعذوبة والعفوية والصدق. انه معنا رغم غيابه لكنه حاضراً بين الأحبة والرفاق والأصدقاء إنه مكتف بالعاطفة انها حقيقية لا يناجي شخصاً وهمياً او يحاور طيفاً لكنه كان متعبد في محراب كبير هو الوطن نعم هذا ما وجدته في الرويعي كل ما كتبته أنامله ليس خيالاً أو وهماً. ولد الشاعر كاظم ناصر حسين عام 1941 في محافظة بابل/ ناحية الحمزة الغربي مدينة (المدحــــــــــتية) وأكمل دراسته الإعدادية عام 1963 التحق بعدها بكلية الشريعة في بغداد وعمل في وظائف شتى ثم وافاه لأجل غريباً في الأردن عام 2002 بــــــعيداً عن الوطن والأهل والأحبة تاركاً إرثاً شعرياً وافراً وله مجموعتان هي (البيرغ) الصادر عام 1968 و(الفجر وعيون أهلنه) عام 1975 واغاني قاربت (480) أغنية. تغمده الله تعالى برحمته كان بيرقاً مرفرفاً في ســــماء الشعر والنضال والوفاء للوطن.