قدرة الإنسان على التطور والتجدد هي التي تحفظ للإنسان وجوده، بل وتدفعه قدمًا الى الأمام.. ألا يحبس الإنسان نفسه في صورة، أو إطار معين حتى إذا حقق من ورائه نجاحًا وشهرة؟ المعادلات دائمًا متغيرة، خاصة فيما يخص أذواق الجماهير، والفنان الذكي هو الذي يجدد جلده باستمرار ويغير شروط نجاحه.

هذا ما فعلته الممثلة الأمريكية "ميليسا مكارثي" في دورها الجديد في فيلم "هل يمكن أن تغفروا لي"، "?can you forgiveme"، المرشحة عنه لجائزة الأوسكار كأحسن ممثلة هذا العام.

بدأت الممثلة الأمريكية، البالغة من العمر ٤٧ عامًا، حياتها الفنية كوميديانة على المسرح فى مدينة نيويورك، قبل انتقالها للعيش في لوس أنجلوس في أواخر التسعينيات.. وعبر خطوات بطيئة، ومن خلال العديد من المسلسلات والأفلام التليفزيونية، وصلت "مكارثي" إلى المسلسل التليفزيونى، الذي وضعها على طريق الشهرة "Gilmore Girls" الذي بدأ عام ٢٠٠٠، وبدأت تلفت الانتباه إلى أدوارها مع فيلمي The Kid"، Charlie›s Angels"، وإن لم تحظَ بالشهرة والنجومية، حتى جاء عام ٢٠٠١١، وشاركت في فيلم " "Bridesmaids، حيث رُشحت لجائزة الأوسكار عن دورها لشخصية "ميجان" عن فئة أفضل ممثلة دور مساعد، وتوالى نجاحها باشتراكها مع النجمة "ساندرا بولوك" فى فيلم the heat ٢٠١٣.

تعرضت "ميليسيا مكارثى"، خلال مسيرتها الفنية الى انتقادات عديدة بسبب زيادة وزنها، حتى إن أحد النقاد وصفها، فى عام ٢٠١٣، بأنها "أنثى فرس النهر"، وكيف أنها نموذج غير جيد للفتيات الصغيرات، وأنها تتخذ من الكوميديا وسيلة للتحايل على المجتمع كى يتقبلها بصورتها البدينة.. وكان رد "مكارثي": إذا قرأت هذا المقال فى العشرينات من عمري لربما صُدمت، ولكن الآن تعلمت أن تشوه الجسد يأتى من الداخل وليس من الخارج.

ورغم الثقة التي أبدتها "مكارثي" تجاه شكلها وجسدها، إلا أنها بدأت باتباع حمية غذائية جعلتها تنقص أكثر من ٣٥ كيلوغراما خلال شهور قليلة، وما زال الطريق أمامها طويلًا للوصول الى الوزن المناسب، إن لم يكن من أجل الجمال فمن أجل المحافظة على صحتها، وهي الأهم.

تستند قصة فيلم "هل يمكن أن تغفروا لى؟" إلى واقعة حقيقية، بطلتها كاتبة السير الذاتية "لي إزرائيل"، التي تراجعت شهرتها وتأخرت مهنيًا ولم يعد هناك إقبال على ما تكتب، ولم يعد هناك ناشر يقبل بأن تعمل لديه، فلجأت إلى تزوير رسائل المشاهير وبيعها، وبعد ظهور الحقيقة ومحاكمتها، سجّلت "لي إزرائيل" ما حدث في كتاب حظي بشهرة كبيرة.

وقد ساعدت الملامح الجسدية، وزيادة الوزن لـ "مكارثي"، في التعبير عن جوانب الشخصية التى قدمتها بمهارة وإتقان، جعلتنا نتعاطف مع الشخصية ونتفهم دوافع جريمتها، لكننا لم نحبها بسبب الفوضى والاستهتار اللذين رافقا أفعالها، وعندما بحثت في سيرة الكاتبة "لى إزرائيل" وجدتها تطابق الصورة التى ظهرت عليها "مكارثي" فى الفيلم، من حيث الحجم وعدم الاهتمام بالمظهر، وإن كانت مكارثى أكثر جمالًا.

سبق لمكارثى أن لعبت دور السارقة في فيلم "Identity Thief"، وكان أداؤها كوميديًا مبهجًا، دون إحساس بالندم أو تقدير للعواقب، لكن "مكارثي" فى دورها الجديد استطاعت، من خلال تعبيرات وجهها فقط ودون كلمات، أن تجسد الصراع داخل الشخصية بين حاجتها للمال التىي وصلت إلى حد عجزها عن دفع إيجار شقتها لشهور، وتوفير الدواء لقطتها المريضة، وبين ما تقوم به من تزوير لرسائل نجوم سينما وكتاب مشهورين والادعاء أنها رسائل أصلية، وعندما بدأت الشكوك حول الرسائل التى تبيعها لجامعي الوثائق، لجأت إلى سرقة الرسائل الأصلية من أرشيف النجوم ووضع رسائل مزيفة بدلًا منها.

وقد أظهر الفيلم أن عدم قدرة الشخصية الرئيسة على التأقلم وحسن تقدير الأمور والاستماع لنصائح وتوجيهات الخبراء في مجال العمل، وتجديد طاقة الإنسان، قد يؤدى به إلى التجمد والتراجع والانزلاق الى هاوية لا يتخيل عواقبها.

وقد استفادت "مكارثي" بخروجها من ثوب الكوميديا إلى الأداء الدرامى الذي رشحها للأوسكار، ولفت الأنظار إلى إمكانياتها الفنية المتنوعة.