في سبعينيات القرن المنصرف كثرت الدراسات عن التراث الشعبي العراقي، ووصلت الى اصدار مجلة شهرية غنية بالمواد التي تعنى به حملت عنوان "التراث الشعبي" والتي راحت تنشر كل ما له علاقة بالتراث الشعبي العراقي والعربي والعالمي.

   واذكر انه في تلك الفترة صدر للدكتور رضا القريشي كتاب "الفنون الشعرية غير المعربة" بخمسة أجزاء منها الجزء الاول المخصص للمواليا.

   وقد اختلفت تسميات هذا الفن مما دفع دارسيه والمهتمين فيه الى الاختلاف بنشأته ، فمنهم من اطلق عليه إسم "مواليا" وهي التسمية القديمة التي تغيرت الى تسمية "موال" و منهم من أسماه "زهيري" الا انه يبقى واحداً في الشكل والمضمون.

   ويأتي كتاب الاستاذ محمد الخالدي المعنون "مباحث في فن الزهيري" ليكمل تلك الدراسات عن هذا الفن الشعري الذي تحول من اللغة العربية الفصحى الدارجة في زمن كتابته الاولى الى اللهجة العامية الدارجة في كل منطقة يقال فيها.      

   وقد اتبع المؤلف في مباحثه هذا منهج التحليل النقدي، فيقول في التوطئة:"المنهج الجديد الذي اتخذته في البحث فهو المنهج التحليلي النقدي وقد قسمت هذه الدراسة على عدة مباحث، تناولت في كل مبحث منها عنواناً افتراضياً جديداً له علاقة بهذا الفن بدءاً من نشأته الأولى وانتهاء بتسميته بالزهيري وقد حاولت أن اعتمد على المصادر الأولى التي تناولته دراسة وبحثاً، ومن ثم المراجع التي وجدت فيها ما يفيد البحث ويغنيه بكل ما هو جديد ذي صلة بتاريخه وتطوره ونشأته".

   ضم الكتاب العديد من المباحث المتعلقة بالمواليا، لغة واصطلاحا ونشأة وتاريخا غيره.

   يقول الخالدي في التوطئة لكتابه:"كلما توغلت عميقا في هذا البحث اكتشف اشياءً جديدة لم أكن اتوقع أن اكتشفها في يوم ما، إذ أنها كانت غائبة عني كما غابت عن كثير من قبلي. ولم يكن ذلك بمحض المصادفة، وإنما جاء ذلك نتيجة التدقيق والتمحيص الذي كنت أجريه في كل ما أقرأه واستقصيه من معلومات ترد في هذا المرجع أو ذلك المصدر، إذ كانت وما زالت تراودني كثير من الشكوك بشأن بعضها، ولهذا لم أكن مطمئنا لها لإحساسي ببعدها  الكبير عن الواقع، لذا كنت اشعر بأني ما زلت  بحاجة ماسة لإعادة النظر في كل  الآراء التي كنت قد تبنيتها سابقا، ولاسيما بالمواليا ونشأته، بعد أن تبين لي عدم دقتها، لكونها لم تبنَ على رؤية بحثية منهجية أصيلة".

   وقد كانت الفنون المعربة في العراق وفي الدول العربية وفي كل الحضارات الانسانية هي هكذا مثل السراب الذي تشعر انك قد وصلت الى مصدره و منبعه إلّا انك تتيقن انك قد خدعت. فلا ما توصلت اليه هو اليقين الذي ترتكن إليه، و لا المنبع قد وصلت اليه.

   الزهيري، أو الموال، هو هكذا يقرأ إلّا انه لم يصل الى المنشأ الأول، والموال الأول الذي قيل، ومن قاله، وفي أي مناسبة قيل، لهذا نرى ان أراء الدارسين كافة تعلن ان النموذج  الأول للموال "مواليا" هو:

* "يا دار أيــن مـلــوك الأرض أيــن الفـرس

     أيــن الــذين حموهـــا بالقنا والترس؟

     قالت: تراهم رمما تحت الأراضي الدرس

     سـكوتٍ بعـد الفصاحة ألسنتهم خرس".

     الا انهم يضعون ذلك في موضع الشك لا اليقين.

***

    ان الاحتمال الذي يضعه المؤلف لتاريخ نشأة المواليا هو:"                                                                                                             أنّ فن الدوبيت كان أسبق تلك الفنون"، بل المنطلق لظهورها، إذ أنه بدأ عاميا على أيدي المتصوّفة، وذلك في أواخر القرن الثالث الهجري"، لذا لا نستبعد أن يكون فن المواليا امتدادا للدوبيت، أو تقليدا له، ولاسيما  بعد أنّ  "تحوّل  الأخير  إلى الفصيح، وانتشر في العالم المشرقي كلّه".

   وهذا احتمال يمكن ان يصيب أو أن يخطئ، إلّا انه يبقى غير معروف النشأة كحال الشعر العربي منذ الجاهلية الى الآن.

***

   وعن المخترع الأول للمواليا بين اهل بغداد وأهل واسط، أو أهل الانبار، أو أهل الحلة، أو أهل الحويزة، زنوجهم ام مواليهم، فيناقش كل الآراء دون أن يعطي رأيه الخاص رغم ميله الى رأي صفي الدين الحلي في كتابه "العاطل الحالي والمرخص الغالي".

***

   وفي المبحث الرابع عشر ينتهي الباحث بعد ان يذكر الآراء العديدة عن تسمية "المواليا" أو "الموال" بالزهيري، الى انه سمي هكذا لأنه:

أولا: إنّ تسمية الموّال بالزهيري تسمية جديدة حرّفها العراقيون عن الموّال المصري الأصيل الذي يتضمن سحر الفن والمعروف عندهم "بالموّال المزهّر" أو ما يسميه الفلاحون "لأحمر".

ثانيا: تنحصر هذه التسمية بالموّال السباعي المجنس بالجناس اللفظي التام، ولا تشمل هذه التسمية ما ينظم بالقافية أو بالجناس اللفظي الناقص.

ثالثا: شاعت هذه التسمية في أواخر العصر العثماني في بغداد أولا، ثم انتقلت إلى محافظات أخرى كديالى والموصل وصلاح الدين، وكذلك دول الخليج العربي. أما محافظات الفرات الأوسط وجنوبي العراق، فمازالت تطلق لفظة موّال على النظم السباعي المجنس بالجناس اللفظي التام، وهذا خطأ سبق أن نبهنا إليه".

***

   وفي المبحث السابع عشر يتساءل الكاتب عن وزن الزهيري ويجيب قائلاً "ينتمي الزهيري إلى البحر البسيط الذي تكون عروضه: (مستفعلن/ فاعلن / مستفعلن/ فاعلن"، ولنظم الزهيري وزنين رئيسين هما:

أولا: الوزن التمام وتأتي  تفاعيله وعروضه كالآتي: "مستفعلن / فاعلن/ مستفعلن / فاعلن".

ثانيا: الوزن المقطوع: وتأتي تفاعيله وعروضه كالآتي:"مستفعلن/ فاعلن/ مستفعلن / فعلن"

وقد تأتي بهذه الصيغة: مستاعْ لن/ فاعْ لن / مستفعلن / فعلان  أو: مستاعْ لن/ فاعْ لن/ فاعلاتن/ فعلان

كما يمكن أن ينظم الزهيري بتفاعيل وعروض أخرى منها:

  • مستفعلن/ فاعلن / مستفعلن / فاعل
  • مستفعلن/ فاعلن / مستفعلن/ فعْ لن
  • مستاف عل / فاعلن / مستاف عل/ فعْ لن
  • مستفعلن/ فاعلن/ مستفعلن/ فعْ لان

***

ان كتاب الاستاذ محمد الخالدي "مباحث في فن الزهيري" لبنة تضاف الى لبنات التراث الشعبي في المكتبة العراقية والعربية، في الوقت الذي يحاول البعض طمس هذا الشعر الى الأبد.

عرض مقالات: