شاعر عراقي من جيل الستينيات المغاير، بغدادي المولد والهوى واللهجة، ساخر ومحتج ورافض لكل ما هو رديء وسيئ، غادر العراق في أواخر السبعينيات بعد الهجمة الشرسة من قبل نظام البعث على القوى الوطنية المتمثلة بالجبهة الوطنية، عاش في مدن الشام وبيروت ومن ثم سافر الى لندن وكان آخر مستقر له منتصف الثمانينات في مدينة كوبنهاغن الدانماركية التي توفي فيها قبل ثلاث سنوات.
هو واحد من وجوه الثقافة العراقية البارزة التي رسخت في المشهد الثقافي العراقي منذ فترة الستينيات بالرغم من انه لم ينشر قصائده في المجلات والصحف إلا ما ندر بسبب مواقفه الثابتة وسخريته اللاذعة التي يوجهها الى الأنظمة والأحزاب وحتى الشعراء، انه الشاعر الراحل وليد جمعة المولود في العاصمة بغداد عام 1944.
ظل وليد حتى رحيله يعشق بغداد وبخاصة جانب الكرخ الذي ولد فيه فذكريات طفولته وعشقه لتلك المدينة التي تعرضت الى نكبات كثيرة جعلته يحن الى لقائها كل يوم، لكن المرض كان يمنعه من زيارتها بعد سقوط النظام عام 2003 وبالرغم من ذلك جاء الى بغداد وزارها قبل سنوات قليلة. لم يسلم من لسانه ومن قلمه كل أصحاب النفوس الضعيفة من حكومات واحزاب وأفاقين ومثقفين ولصوص وقتلة وسجانين، فقد كان لهم بالمرصاد!
الشاعر وليد جمعة يمتلك ثقافة أدبية ولسان حاد في النقد لكل خطأ أمامه ومن دون ان يجامل صاحب الخطأ، هو صاحب سيرة مرتبكة في الحياة لكن الشعر الذي يكتبه كان بصمة خاصة به وبمثابة الانتفاض على السائد والمألوف آنذاك، انه فارس بكلمته الحادة والمتنبئ بما سيحدث من خراب وويلات للبلاد التي ولد فيها وأحبها بعمق.
وليد جمعة شاعر يساري مشاكس ومتمرد ومهم في تاريخ الشعرية العراقية وبخاصة في جيل الستينيات، يكتب وليد قصيدته النافذة في المعنى والمحتجة على الأوضاع المزرية التي تعيشها البلاد في فترات متلاحقة ومنذ طفولته كان مصاباً بمرض السل الذي لم يكترث له حتى أتلف كبده وظل يعاني لسنوات طويلة الى ان رحل في العاصمة الدانماركية كوبنهاغن عام 2015 عن عمر تجاوز السبعين عاما . واحدة من احتجاجات الشاعر وليد جمعة بداية العقد السبعيني عندما كان خير الله طلفاح محافظا لبغداد وأمر وزارة الداخلية بصبغ أفخاذ الفتيات بالبوية حين يرتدين التنورة القصيرة ويحلق شعر رؤوس الشباب الطويلة التي كانت تسمى "الخنافس" في تلك الأوقات كان الشاعر وليد جمعة مدعوا الى مهرجان شعري حضره العديد من المسؤولين في الدولة ومنهم كان يجلس في الصف الأمامي وزير الداخلية ، جاء دور الشاعر وليد جمعة وهو يرتدي البنطلون العريض "الجارلس" الذي كانت دوريات الشرطة تقصه بالمقص حين ترى اي شاب يرتديه وكان الشاعر حليق شعر الرأس وعندما وقف على المنصة لقراءة قصيدته أول ما نطق به في قصيدته:"عفطة لوزير الداخلية"! بعد جملة او جملتين تناوشه رجال الأمن من المنصة الى المعتقل! وليد جمعة شاعر الاحتجاج المستمر في قصائده التي يقرأها اصدقاؤه عبر قصاصات ورقية كان يرميها هنا وهناك ولم يفكر بنشرها لكن بعد رحيله بأيام قامت دار نشر الجمل بجمع قصائده وطباعتها بكتاب تحت عنوان "الغروب النحيف". في واحدة من قصائد الغروب النحيف بعنوان "ملثم بالموت" ثمة نبوءة وحزن وخوف من المجهول يقره الشاعر فيقول وليد جمعة في قصيدته التي يتلثم بالموت فيها ويحضر عدة الموت من حبل من القنب ويقيس المسافة ما بينه وبين الموت والأرض ومراسيم الدفن فيقول الشاعر:
عندي له عدّته الرثة،
حبلٌ من القنّب، لا مقصلة
ملثمٌ بالموت
عندي مراسيم لدفني من يد القابلة
أقيس مسرى قدمي بينه
وبين جذب الأرض للسابلة
أنا الـذي لا أحـذق القهـقهـة
أفـقـأ عـين الـفرح المـشبوه إذ يرتقـي
سـطح مناخـاتي ويعتـادهـا
وعـندما تغـشّني غبطتـي
قـد أفرك الأيام من أذنهــا
أخبــرهــا عن التقاء الشـمـس بالمـزولـة..

عرض مقالات: