تصوير...علي البعاج

اعتادت ستوكهولم السويدية الاحتفاء برموز ثقافية عراقية وفي مجالات الابداع الأدبي والفني المعروفة، لكن احتفاءها هذه المرة كان من نوع آخر، فعدى كون معرض الرسوم الكاريكاتورية الذي ازدهت به احدى القاعات الثقافية في شارهولمن جنوب ستوكهولم يومي الأول والثاني من كانون الأول 2018،  يعد الأول والأبرز لهذا الفن، فأن الأكثر روعة هو كون المحتفى به مبدع اللوحات الكاريكاتورية الخمسين التي زينت القاعة الجميلة بجدرانها السود، هو الفنان بسام فرج، والذي نستذكر مع اسمه مسيرة طويلة من المنجز الثقافي الثري وفي مجالات تنوعت بين الصحافة والأدب والفن فاقت في ابداعها وثراها في رصد تفاصيل حياة الناس وهمومهم وعبر لوحات الكاريكاتير الفنية، حيث أودع بحق أثراً فنياً لا يمحى في الذائقة العراقية الثقافية كرمز نظل نستزيد من منحه وبوحه زفرات غضبه وحزنه وتمرده وعبر ألواح الادانة وصرخات اللا لكل ما هو قبيح ومزري في حياة الناس...

منذ فتوته في بغداد التي جاء فيها للدنيا عام 1943، والتي عاش فيها سنواته الأولى ابناً لعامل نفط، لم يكن الفتى بسام بعيداً عن هموم وأوجاع العمال والشرائح الفقيرة من العراقيين، وهي البواكير الأولى لتفجر وانبعاث عمل وعطاء الفنان في مجال العمل الصحفي والفني كرسام كاريكاتيري في مجلات عراقية معروفة كالقنديل والمتفرج وصوت العمال وصوت العرب، ومن ثم مواصلة التألق محرراً ورساماً في مجلات ألف باء- مجلتي- المزمار- الجمهورية...

في هنغاريا التي درس فيها عام 1974 واصل مسيرته الابداعية ومنها عمله كمصمم لأفلام الرسوم المتحركة في بودابست، وأيضاً عبر اقامة معرضين لرسومه في مدينة لاهاي،  وأيضاً في روتردام الهولندية..

بسام فرج كان ضيفاً عزيزاً في ستوكهولم حيث احتفت به رابطة الأنصار في ستوكهولم وشمال السويد التي رعت ونظمت المعرض بالتعاون مع جمعية فولك ومسرح المدينة في شارهولمن، ووسط اهتمام جماهيري ملحوظ للجالية العراقية والوسط السويدي المتنوع ومن جاليات بلدان مختلفة الذين حضروا يومي العرض المبهج متفاعلين مع جمالية وقدرة الرسوم التي كانت حافزاً لحوارات ثقافية وسياسية وفكرية عن الفواجع والمآسي ومسببيها.

ومع أنغام العود والقانون التي ذكرت بأجواء الشرق ووسط أجواء المعرض وحفاوة الحضور قرأت الشاعرة السويدية انكريد هوفمان عددا من النصوص باللغة السويدية وقرأت شابة من الشقيقة سوريا ترجمة للنصوص باللغة العربية..

الخمسون لوحة كاريكاتورية المعروضة هي لوحات مختارة ومنتقاة من مشروع الفنان بسام فرج الثقافي والذي اختطه عبر عمله الطويل والمتواصل مع صحيفة المدى الثقافية السياسية الصادرة في بغداد، ومنذ عام 2010، حيث كانت أعدادها اليومية تزدهي كل يوم برسوم الفنان بسام فرج وبألوانها وأسلوبها المتميز والمثير...

دار المدى احتفت قبل مدة بالفنان بسام فرج عبر اصدارها لكتاب سيرة الاحتجاج الذي أعده وأشرف عليه موسى الخميسي حيث حوى على عدد كبير من رسومات الفنان والكتابات حولها.

سر القوة في لوحات الفنان بسام فرج هو الحدث والموضوع المنتقى بقدرة وذهنية سياسية واعية مع قدرة تعبيرية هائلة وصادمة تمنح بعفوية القدرة على الابداع والتميز...

 الكثيرون يظنون أن فن الكاريكاتير هو للإضحاك والمتعة بينما يرى الفنان بسام فرج كونه ليس كذلك بتعابيره عن حالة مؤلمة ومعاناة، فالرسام لا يرسم الانسان الفقير بمعاناته وكأنه سعيد، بل يسعى لفعل يحرض على الرفض والتمرد ضد الحال الرث..

قدرة كبيرة بسام فرج الكاريكاتورية وهي تنزع ثوب المحلية في المعالجة لتخرج صوب افق الهم الانساني الكبير والذي تبدو المواضيع فيه رغم التأثير الواضح لعراقيتها وشخوصها، وكأنها معاناة وأوجاع ابناء الدول والبلدان التي ابتلت بمصائب تشبه مصائب العراق، وهي كثيرة.. ورغم بعد الفنان الجغرافي عن وطنه وعيشه في بودابست هنغاريا ولفترات طويلة فأن ذلك لم يمنعه من التعبير بصدق وواقعية عن هموم وأوجاع الناس ومرارة العيش والخيبات المتكررة.

هناك جمال وإبهار، واستخدام دقيق وحرفي ذكي للألوان في اللوحة، وهو ما بدأ الفنان استخدامه بعدما كانت أغلب رسومه بالأسود والأبيض وعبر توظيفه للقدرة التلوينية باعتبارها حسب ما يراه هو كونها تعطي جاذبية ودهشة خصوصاً وان الناس في العراق تبهرهم الألوان في الأعمال الفنية الابداعية.

في المعرض كنت مبهوراً حقا بهذا العطاء السخي والمنح الابداعي والجمالي والطاقة التحريضية الكبيرة لهذا الفنان العراقي المتميز الذي لم تحجب بحار الدنيا ومحيطاتها عن عينيه البصر والتحديق في الضيم والحيف الذي لحق بشعبه ووطنه ورفضه لكل قوى الشر والقبح التي سدت منافذ النور، وعبر توظيف احاسيسه وتجربته وموهبته وفنه عبر رسوم كاريكاتورية سنظل نتذكرها وهي التي ذكرتنا دوماً في ضرورة أن لا نصمت عن الشر..

 

 

عرض مقالات: