هو من الشعراء الذين أبدعوا في كتابة قصيدة النثر بمهارة وإتقان من خلال جملته الشعرية الثاقبة معنى ودلالة، وبلغة رشيقة شفافة مشيدة بآهات الحزن والخوف وهاجس الموت الذي ظل يلاحق الشاعر داخل وخارج وطنه بعد رحلة طويلة من العناء والتشرد منذ سبعينات بغداد وحتى رحيله بداية التسعينيات في لبنان، أنه الشاعر الراحل آدم حاتم.
كان الشاعر آدم، واسمه الحقيقي هو سعدون حاتم حسين قد إنتقل الى العاصمة بغداد مع عائلته في صباه منتصف العقد الستيني وحتى بداية السبعينيات ثم إنتقل الى مدينة البصرة بعد أن تم تعيينه كموظف في دائرة التسجيل العقاري، وتعّرف على مجموعة من الشباب اليساريين وقد تأثر بأفكارهم وطروحاتهم المناوئة للسلطة آنذاك فانضم الى صفوف الحزب الشيوعي العراقي وبدأ نشاطه السياسي مبكراً، إلا ان رقابة الأجهزة الأمنية المشددة عليه وعلى رفاقه جعلته يعود الى العاصمة بغداد.
عاش في بغداد وهو يتردد على أصدقائه في مقهى البرلمان وحانات السعدون وأبي نؤاس وغيرها حتى بدأ تدريجياً يعيش حياة الصعلكة التي مارسها الكثير من أقرانه الشعراء الذين تعرضوا أوآخر العقد السبعيني الى اعتقالات أجهزة الأمن، فمنهم من غادر العراق ومنهم من مات تحت التعذيب أو ذهب الى مشانق الإعدام بشجاعة قلّ نظيرها.
غادر آدم العراق وظل يتنقل ما بين بيروت ودمشق وصيدا، ولطالما شد رحاله من بيروت الى دمشق بسبب الحرب وبجيوب خاوية وحقيبة كتف بائسة صغيرة يحمل فيها قصائده التي يبعث بها للنشر. لم يفكر بطباعة كتاب يجمع قصائده وعندما يُسأل كان يقول:"قصائدي خيول برية ولا أرضى أن أضعها في اسطبل!".
قد يكون جوابه شعرياً أكثر من ردٍ تتعالى فيه النرجسية، رغم انه لم يكن نرجسياً ولا طامحا في الوصول الى أي مكانة عالية سوى علو القصيدة التي يكتبها والهرب الى عوالمه الخاصة بالتسكع في الحانات والمقاهي والفنادق البائسة، وكان يتنبأ بموته الحتمي وهو المنسي فيقول في واحدة من قصائده:"إن كان عليَّ، أن أحيا مجبراً، ستجدني ذات يوم قتيلاً في الوديان البعيدة!".
آدم حاتم أحد شعراء الرصيف الذين اطلقوا على صحيفتهم اسم الرصيف النابع من انتمائهم، فكان مع رسمي ابو علي الكاتب الفلسطيني وعلي فوده قد أسسوا لأدب مغاير في طروحات صحيفتهم التي كانت واحدة من التجارب التي لاقت ترحيبا بين أوساط المثقفين وبخاصة المنفيين منهم.
في عام 1993 مات آدم حاتم في مدينة صيدا، مات وهو في قمة عطائه، مات غريباً وقلبه مشغوف بحب وطنه العراق الذي عانى الكثير من الحروب والحصار وسياسات قمع النظام، فكان قلب الشاعر يرف الى ذلك الوطن المضرج بدماء أبنائه.
الشاعر الكبير مظفر النواب كتب رثاءً جميلا عن رحيل الشاعر آدم حاتم الذي عرفه عن قرب.
في سنواته الأخيرة كتب قصيدة بعنوان "على الأرض السلام" تحدث فيها عن وطنه بطريقة العارف والمتنبئ لِما سيحدث له بعد سنوات من الحروب والحصار والظلم الذي جعل الشعب العراقي يعيش المأساة بكل تفاصيلها، فشبه الوطن بالليل وظلامه الذي يؤرخ لجميع فصول السنة لقياس حجم الألم والتمرد والعصيان ضد الدكتاتورية والطغيان والقتلة الذين جاءوا بالخراب والدمار، وكان يتوعد الطغاة بفجر مكلل بالعار! وتنبأ بدخول الجميع ستارا قادما خلف ستار، ومذبحة ستخلف الكثير من المذابح! انه المستبقل الذي وصلناه بفضل الطغاة:
هذا هو الليل، ليلنا الذي نثرناه على الجميع
حديث الظلام وحدهُ
يؤرّخ جميع الفصول.
ظلامنا هو الموسوعة اللائقة لقياس حجم جزعنا وعصياننا
ضدّ الأباطرة الذين خلقوا للإنسانيّة تاريخ خرابها القادم.
من ليلنا هذا، ودمنا الملقى على وجوههم
سنصنع فجرهم المكلّل بالعار
نحن لم نرفض هذا الظلام المرعب، بل قبلناه
ليدخله الجميع ستارا ً قادماً خلف ستار
مذبحة تنجب مذابح!

عرض مقالات: