ظلام دامس، صمت تام،
وقع أقدام، صوت اطلاقة

صوت شاب: يا ويلي، إنهم ورائي، لقد عرفوني، فلأهرب وإلا..

وقع أقدام الشاب، وهو
يركض، متخبطاً في الظلام
يرتفع صوت اطلاقتي مسدس

صوت الشاب: إنهم مازالوا ورائي، فلأسرع وإلا وقعت ثانية بين أيديهم.

وقع أقدام الشاب، وهو
يهرب متخبطاً في الظلام،
أصوات اطلاقات عديدة

صوت الشاب : إنهم يحاصرونني، لن أستسلم لهم، لا أريد أن أعود ثانية إلى السجن..

يتسارع وقع الأقدام الراكضة
ترتفع أصوات لهاث الشاب

صوت الشاب: إذا وقعتُ بين أيديهم هذه المرة، فلن يدعوني أعيش طويلاً، بل ربما نفذوا بي حكم الإعدام فوراً..

وقع الأقدام المتسارعة تتواصل،
ومعها يرتفع لهاث الشاب

صوت الشاب: أيها القتلة، لن أستسلم لكم.. لن أستسلم لكم، مهما حاولتم.. أيها المجرمون القتلة.. حريتي هي حياتي.. ولا حياة لي بدون حرية..

يتلاشى صوت الشاب شيئاً
فشيئاً، يسود صمت تام

غرفة، ليل، إضاءة خافتة، شاب
يرقد على السرير، يتلفت حوله

الشاب: آه يا له من كابوس خانق، أما آن لهذه الكوابيس أن تنتهي " يصمت " الحياة نفسها كابوس أسود، نخادع أنفسنا فنلونها بالأحلام، أحلام الطفولة، أحلام الشباب، بل وحتى أحلام الكهولة، كلّ ما أردته، وأراده رفاقي، عالماً جديراً بأن يحياه الإنسان، عالماً بلا عنف، بلا تمييز، بلا حروب، آه إن الحروب إن لم نقضِ عليها قضت علينا، ويعود عالمنا الجميل، كما كان في البدء، عماء.. عماء.. عماء.

يعتدل الشاب مضطرباً، إذ تتناهى إليه صوت اطلاقة

الشاب: "يعتدل خائفاً" يا ويلي، اطلاقة، اطلاقة مسدس، في هذا الوقت من الليل؟ "يتلفت صامتاً " ترى من القاتل؟ ومن المقتول؟ " ينهض متحسساً جسده " ليس أنا، نعم ليس أنا المقتول، وطبعاً لستُ القاتل، ولا يمكن أن أكون قاتلاً في يوم من الأيام، فأنا لم أقتل في حياتي فراشة، ولن أقتلها، لستُ مشروع قاتل، وإنما أنا مشروع قتيل، آه إنهم يطاردونني حتى في المنام، وسيظلون يطاردونني حتى النهاية " يصمت " لابد أن أحدهم قد قتل في مكان قريب، وسط هذا الليل والرياح العاصفة والمطر، يا للمطر الأسود، وسيقولون كما تعودوا على الدوام، ألقي القبض على الجثة، والقاتل مجهول الهوية " يصمت " إن القاتل، في مدينتنا الميتة هذه، مجهول الهوية دائماً ، نعم مجهول الهوية، رغم أن الجميع يعرفونه، لكنهم يخشون القول من هو، بل إنهم يخشون حتى الإشارة إليه، فالثمن غال، لا أقلّ من النهاية، التي يتجنبها الجميع بأي ثمن، آه كم أنا متعب، فلأتمدد في فراشي، لعلي أنام وأرتاح، عسى أن لا أسمع اطلاقة مسدس، حتى في منامي " يجلس على حافة السرير " آه يا للحياة من مهنة شاقة، ناظم حكمت الشاعر التركي، الذي بقي في السجن ثماني عشرة سنة، ثم نفي إلى الجنة التي كان يحلم بها، الاتحاد السوفيتي وقتها، قال آه يا للمنفى من مهنة شاقة، وأنا منفي هنا، في وطني، وفي غرفتي، وفي فراشي، وحيدا، ولا أحد معي، آه يا للحياة في وطني من مهنة شاقة..

ينصت، أصوات رياح عاصفة، حبات المطر تضرب زجاج النافذة

الشاب: رياح شديدة، ومطر غزير، المطر، إنها التباشير الأولى للشتاء، الشتاء جاء مبكراً، شتاء مدينتي قاس ومرعب، يُحيي ويميت، بعكس القتلة في مدينتي، إنهم يميتون فقط، إنهم يجوبون الليل الأسود، بنواياهم السوداء، براياتهم السوداء، وقلوبهم وعقولهم وأياديهم السوداء الملطخة بالدماء " صمت " للطبيعة شتاء وربيع و..، أما القتلة في مدينتي فهم شتاء أسود دائم، لا يعقبه ربيع، ولا صيف ولا خريف، إنهم مغرمون بالشتاء، والشتاء فقط، بروق، رعود، رعب ودماء، قتل، قتل مستمر، بدواع شتى، وضحيتها دائماً الإنسان، الإنسان، والإنسان فقط، آه يا للحياة، إنها كما قال حكيم قديم، أهو أحيقار الآشوري، أم حفيد من أحفاده، قال : الحياة مبنية على القسوة والافتراس، وأسوأ القساة المفترسين هو الإنسان، وخاصة إنسان الليل في مدينتي، مدينة الليل والرعب " صمت " سُئل حكيم صيني قديم، ما الحياة؟ فأجاب قائلاً : الحياة ثلاث كلمات هي، ولادة.. عذاب.. موت.. " يتمدد متأوهاً " فلأتمدد لعلي أغفو قليلاً، وأرتاح " يغمض عينيه، وهو يغمغم " ولادة.. عذاب.. موت.. عذاب.. عذاب.. عذاب..
تنتظم أنفاسه، ويستغرق في النوم،
فترة صمت تعقبها أصوات خافتة
تشتد شيئاً فشيئاً، رصاص، صفير
قنابل وصواريخ، صوت انفجار هائل
تصحبه إضاءة قوية جداً كأنها انفجارات
شمسية، يبرز شبح بثياب بيضاء، يشبه
الشاب ويتوقف ناظراً إلى الجمهور

الشبح: القتل هو الشرعة الأولى، الشرعة التي غدت دائمة، إنها القدر، قدر الإنسان، بل قدر الأحياء جميعاً، منذ بدء الخليقة، قابيل قتل أخاه هابيل، الجماعات الصغيرة، العوائل، التي تسكن الكهوف، لا تقاتل الحيوانات المفترسة فقط، وإنما تقاتل العوائل الأخرى، لسبب أو لآخر، وأحياناً بدون سبب ظاهر إلا الرغبة في القتال، والقبائل تغير على القبائل الأخرى، فتقتل وتحرق وتخرب، وتنهب وتسبي النساء والأطفال، الشعوب تزحف على بعضها، مدججة بالسيوف والرماح والبنادق والرشاشات وقاذفات اللهب، تزحف مشياً على الأقدام، وعلى ظهور الخيول والفيلة والسيارات المصفحة والدبابات، وفي البحر على متون القوارب والسفن الشراعية والسفن البخارية وكاسحات الألغام والغواصات، التي تحمل أحياناً قنابل ذرية، وفي الجو صواريخ وطائرات وقاذفات قنابل، يتقدمهم جميعاً تيمورلنك.. هولاكو.. هتلر.. موسوليني.. بينوشيت.. " انفجار هائل " هيروشيما.. وناكا زاكي.. والبقية تأتي، ويا ويلنا مما سيأتي " " صمت " سأل طفل الحكيم : لماذا انقرضت الديناصورات؟ فأجابه الحكيم : انقرضت لأن بعضها كان يأكل البعض الآخر، وسينقرض البشر من على سطح الأرض لأن بعضهم يأكل البعض الآخر أيضاً، الإنسان هو الديناصور الأخير على سطح الأرض، وسينقرض هو الآخر إن عاجلاً أو آجلاً "يختفي الشبح، ويسود الظلام".

يدق جرس الباب، فيهب الشاب، ويسقط من السرير

الشاب: الجرس، جرس الباب يدق "يتحسس جسمه" أخشى أن أكون قد أصبت بأذى، آه حمداً لله، إنني لم أصب بكسر، إنها رضوض فقط " الجرس يدق باستمرار " الجرس مازال يدق " ترى من يكون؟" يتلفت حوله " كم الساعة الآن؟ " ينظر إلى ساعة على الجدار " آه إنها الساعة الثانية بعد منتصف الليل تقريباً، إن منع التجول قد بدأ منذ ثلاث ساعات، والموت يعم شوارع المدينة، الموت يعمها ليل نهار " صوت عاصفة وأمطار "العواصف تزداد عنفاً في الخارج، وكذلك الأمطار، لعلها تريد أن تغسل شوارع المدينة من الدماء والجثث، التي كانت لبشر مزقتها الانفجارات العمياء، والأحقاد العمياء، الأمطار الغزيرة تريد أن تغسل رائحة الموت من المدينة، وهي ربما كانت قادرة على ذلك، نعم، لكنها لا يمكن أن تغسل قلباً ملوثاً برغبة القتل " يصمت " إن المدينة تأكل أولادها، الكلّ مرشح للموت، والكل مشاريع للذبح، الجميع يدعي بأنه يقتل القاتل، كلهم قتلة، وأنا وحدي الضحية " ينصت إلى الجرس " من يقرع جرس بابي؟ وما معنى أن يقرع في هذا الوقت من الليل؟ إنه الموت، ولا أحد غيره، قادم في طلبي، إنها النهاية " يتلفت حوله " لم أقترف ذنباً، وآلة الموت الصماء تطحن ولا تقاضي، وإن مبرر القتل جاهز لديها، هل أفتح الباب؟ كلا، لكن إذا لم أفتح الباب، فلن أنجو، إنهم سيدخلون بطريقة من الطرق،
لا جدوى، ما العمل؟ "الجرس مستمر " الجرس يدق بإصرار، إصرار الموت المحتم، الذي لا مهرب منه، إنني بين فكي وحش غريب، وجهاً لوجه مع أكبر حقائق الكون، الموت، إنه أكبر حقيقة في العالم، وأكثرها غموضاً، أن تواجه طلقة، أو قذيفة، في جبهات القتال، الموت هكذا أهون بكثير من أن تكون فأرة بين مخالب قط لا يرحم، أصرخ يأساً، ليس الموت ما يخيفني، بل طريقة الموت، إن الطلقة أرحم من أن يمضغني فكَّان مفترسان، إنها طلقة الرحمة، ليس الارتطام بالأرض، بعد مسيرة السقوط من أعلى، هو المرعب، بل المسيرة نفسها، إن الطلقة أرحم من أنياب الوحش، إن الطلقة أرحم من جز الرقبة بالسكين، إن الموت واحد، وإن كانت الطرق متعددة، وهذا هو الذي يجعل الإنسان ينتحر، إن رؤية سقوطنا من الهاوية، أبشع من ارتطامنا في قاعها " صمت " إن من يحمل سلاحه في الجبال والوديان والأهوار، ويقاتل الطغيان والجبروت، ليس أكثر بطولة ممن يقبع في السجون وأقبية التعذيب، فالذي يحمل السلاح، يمتلك طلقة الرحمة، ويستخدمها متى وكيفما يشاء، ولكن الويل للقابع بين مخالب عدوه في السجون، فهو لن يفلح، مهما حاول، أن ينتزع طلقة الرحمة من قلب عدوه الصخري القلب، إنه أكثر بطولة من جيفارا نفسه، ومن كل أبطال التاريخ، من سبارتكوس مروراً بجان دارك وزاباتا وعنترة والقرامطة والزنج وغيرهم، إن جيفارا حدد مصيره بنفسه، ومات بالطريقة التي اختارها، على طريق ثورة الشعوب المستعبدة، أما من هو داخل الأسر، بين يدي عدوه وأنيابه الحاقدة، في قبو مظلم، مقيد اليدين والساقين، أو معلقاً بمروحة كهربائية، يتفنن جلاده في تعذيبه وإطالة احتضاره، فإنه عديم الحيلة أمام عدوه، الذي هو كطفل سادي، يتلذذ بتقطيع أوصال حشرة، وليس بإمكانه أن يجبر عدوه على إطلاق رصاصة الرحمة عليه، فيصبح انتظار الموت هو موت بحد ذاته، يصبح الزمن غولاً ثقيل الخطوات، يسحق الروح سحقاً، قبل أن يجهز على الجسد ويسحقه " صمت ".

الجرس مازال يدق، الشاب يقف مرعوبا خلف الباب

الشاب : يا ويلي، الجرس لم يكف لحظة واحدة عن الصراخ، افتح.. افتح.. افتح، أفتح للموت الذي يقبع وراء الباب؟ كلا، كلا " يضع أذنه على الباب " لا أسمع صوتاً، لكن ليس للموت صوت، ترى من يكون حقيقة وراء الباب؟ ومن يدق الجرس في هذا الوقت من الليل وبهذا العنف والإلحاح والإصرار؟ من غير الموت " يتراجع خائفاً " الموت يصرخ فيّ، بصوت لا يسمعه غيري، يصرخ افتح الباب وإلا سوف أحطمه، وأدخل عليك، وأحطمك أنت الآخر " يدور حول نفسه " يا ويلي، المطر غزير، والظلام دامس، والموت قادم، إنني كالواقف في الصحراء تحت العواصف والأمطار، كالفأر الضعيف بين مخالب القط القاتلة، لابد من الاستسلام، لابد من الاستسلام، لابد من الاستسلام " يجثو على الأرض " في زنزانة التعذيب، يكون الموت رجلاً من لحم ودم، يقف أمامك مدججاً بكل أنواع الأسلحة، وأنت مجرد إلا من روحكَ، كالعاري يواجه عواصف ثلجية، تحت تأثير الأسلاك الكهربائية، حتى مقياس الزمن يختلف، اللحظة تصبح دهراً، والدهر يختصر بلحظة، كأني في قاع بئر، وقد غادرتني جميع صلوات أمي وبخورها وأدعيتها، وليس معي في البئر إلا نمر جائع، أية محاولة مني، أو مقاومة، مهما صغرت، فإنها لا تبعد الموت عني قيد أنملة، أشد مقاومة تتساوى مع أدنى استسلام، حتى الصراخ اللا إرادي هو عبث لا طائل منه، لا أشعر بأنه نابع من داخلي الخاوي، بل من أعماق الجنس البشري، على امتداد التاريخ، منطلقة إلى أبعد من المستقبل البعيد، الغارق في الفضاءات اللانهائية اللا محدودة، آه والجرس لا يزال يدق.. " يصمت " عندما تُسحق الروح، لا يبقى لأقوى المُثل قيمة تذكر، بل إن البطولة والرجولة والإصرار تصبح مثار الهزء والسخرية، إن أعظم الحكم والأمثال وكلّ ما سطره تاريخ الإنسانية، لا يساوي لفافة تبغ الآن، وتندثر كل جبال الأرض كلعب الأطفال، وتصير ضحكة طفلي، وكسرة خبز حار من تنور أمي، ورائحة الشاي، وسط العائلة، أغلى ما في الوجود، الأشياء الكبيرة تصغر، حتى تكاد تتلاشى، والصغيرة، أو التي كنا نراها صغيرة، تكبر، حتى لتصبح هي الحياة ذاتها، ما قيمة الهراء المنمق الآن عن الحرية وحقوق الإنسان، ومجلس الأمن والأمم المتحدة، كلها لم تعد تساوي عندي قلامة ظفر ابني، الذي سأفقده أو سيفقدني، كلّ تلك التي تسمى مثل وقيم ما هي إلا عبارات جوفاء، وسحابة صيف " يصمت " ستعيش من بعدي يتيماً، يا ولدي، كريشة وحيدة تتقاذفها الريح، لقد جنيتُ عليك، يا ولدي، لأني جئت بك إلى هذا العالم الموحش، إن قلبي ينزف دماً عليك، كلّ ما يهمني في هذا العالم هو أنت، والآن قد أيقنت بأني قد فشلت في إسعادك، إن الفراق الأبدي بيننا قد اقترب، وروحي ستنفصل عن جسدي، ولم يوقفني عن التفكير بك سوى هذا الجرس، وهو مازال يقرع بإلحاح " صمت " النهاية، عندما تقترب النهاية، أو يخيل إلينا أنها تقترب، تكون مرآة صادقة، تعكس تاريخنا، وتعكس أعماقنا، وتدفعنا إلى الحسرة والندم، لكن السيف سبق العذل، وربما تحددت نهايتنا، ولم يبقَ لنا إلا الحسرة، آه لو.. نعم، آه لو استطعت أن أرضى أبي، اخترت ما رأيته حضارياً وصائباً، وهذا ما لم يتفهمه أبي، وللأسف رحل دون أن يتفهمني، رغم حزنه العميق للملاحقة التي عانيت منها، والسجن الذي زججتُ فيه، ومن يدري ربما مات كمداً من خياري، وأمي الطيبة، التي كلت أقدامها، وهي تسعى ورائي من سجن إلى سجن، لم تقل لي مرة أنت مخطئ، إنها تحبني حد العبادة، فكيف يمكن أن أكون مخطئاً في نظرها؟ ومن حسن حظها أنها رحلت، قبل أن ترحل زوجتي، التي أحبتها كما تحب ابنتها، هذا لو كانت لها ابنة،أما زوجتي، ملاكي الحارس، فهي جرح عميق لن يندمل، طالما أنا على قيد الحياة، عرفتها وعرفتني، وتمنيتها لكنني ترددت، رغم خوفي، وهي الشابة الجميلة، أن يأتي أحدهم، ويخطفها من أمامي، وبدل أن أقوم أنا بالخطوة الأولى، كانت هي أشجع مني، وقامت بها، أحبتها أمي، وأحبتها أكثر عندما جاءتنا بطفلنا الأول، ورحنا وسط مخاوفنا نخطط للمستقبل، رغم أن الرياح كانت تسوق إلينا مصيراً غامضاً أردنا أن نبني عالماً، عالماً صغيراً، ولو من خلال عائلة صغيرة، عالماً يسوده الحب والتفاهم والسلام، جزيرة وسط المحيط، جنة، لكن لا جنة وسط النيران التي تحاصر الآخرين، وتحرقهم، اختطفوها مني، وزجوها في السجن قبلي، ربما ليؤثروا عليّ، ثم أخذوني، وضغطوا عليّ بشتى أساليبهم الوحشية، وكدت أن أنهار خوفاً عليها وعلى صغيرنا، الذي مازال صغيراً، لكن جاءت الضربة عندما علمت أنها انتهت بين أيديهم المتوحشة " صمت " لم أنهر، كيف أنهار، وزوجتي رحلت، دون أن تنهار؟ ماذا أقول لها؟ وماذا أقول لطفلي حين يكبر؟ كدتُ أنهار خوفاً عليها، لكن ها هي قد رحلت، تحمل رفقتي، تحمل خياري وخيارها، فكيف أتخلى عنها؟ كيف أنهار؟ " يصيح وسط صوت العاصفة وانهمار المطر " لا، لن أنهار.. لن أنهار.. لن أنهار " يصمت وقد أطرق رأسه " وقررت أن أهرب، وأتيحت لي فرصة للهرب فهربت، هربت من الموت المؤكد، الذي حتموه عليّ، هربت أريد الحياة، ولجأت إلى هذا المكان، ريثما تتاح لي فرصة للخروج إلى الجبال، حيث رفاقي يقاتلون حباً بالحياة، ورفضاً للظلم والموت المجاني، وأنا الآن قاب قوسين أو أدنى من الحياة، بيني وبينها هذا الباب، وهذا الجرس، الذي لا يسكت، ويقول لي.. افتح الباب.. افتح الباب.. "يتجه نحو الباب" سأفتحه.. سأفتحه.. وليكن ما يكون.. لكني لن أستسلم.. سأقاوم حتى النفس الأخير " يفتح الباب " ها أنا ذا أيها القتلة.. ها أنا ذا.. إنني لا أخافكم.. تعالوا إليّ.. أين أنتم؟" يتوقف مذهولاً " يا إلهي، لا أحد بالباب، غير الليل.. والظلمة والمطر.. المطر.. المطر " يصمت " الجرس مازال يدق، من دقه؟ من يدقه؟ " ينظر إلى الجرس " آه المطر.. الجرس انساب إليه ماء المطر، وجعله يدق..يدق.. يدق.

الشاب يدخل، ويغلق الباب
ظلام تدريجي
صمت تام
ستار