منذ ولادته على يد القابلة العجوز "أم أمينة" لم يحض ببطاقة أحوال مدنية مثل بقية أطفال الحي. داخل بيته أطلقت عائلته عليه اسم "صويحب"، ثم أضاف أهالي الحي الى اسمه مفردة "اشارية" خطيرة فغدا اسمه المحلاتي "صويحب الأحمر"!
أُسْرتهُ ارتأت ألّا تُبلغ دائرة النفوس عن تلك الولادة العسيرة التي كادت تودي بأمه وفضلت منحه بطاقة هوية شقيقه الأكبر "عواد"، الذي توفي بعد عامين على ولادته، فبات لـ "صويحب"، منذ سريان ذلك القرار العائلي اسمان: "صويحب الأحمر"، وهو اسم شهرة لا يُحسد عليه، ولا تستسيغه بالذات حبيبته "ابْسيمَه"، وجلب له الكثير من المتاعب،. و"عواد"، الاسم الرسمي الذي ظل سريّا، ولا يعرفه سوى "الله" وحبيبته ودائرة النفوس!
حكايته تبدأ هكذا
فبعد الغاء "الجبهة" بجرّة قلم، وبدء الهجوم الشامل على الشيوعيين، لم يتمكن أحد من اعتقال "صويحب الأحمر". ظل هاربا، مختفيا عن الأنظار، بعيدا عن قبضة الزنابير ودائرة الأمن معا. فمن المحال الوصول إليه.. دائرة الأمن ومديرية التجنيد انشغلتا بالبحث عن شخص يحمل اسم "عواد دايح"، وكلما طالبت الدائرة منظمة الحزب في محلته بمساعدة رجالها من كتبة التقارير الحزبية "البارعين" في إلقاء القبض عليه، يحتار الرفاق وكتبة التقارير السّرية، وتضطر المنظمة الى اجابة الدائرة الأمنية والتجنيد معا:"لا يوجد شخص في المحلة المذكورة بهذا الاسم"!
عندما ألقي عليه القبض صدفة، من قبل مفرزة انضباط في منطقة "انهير الليل". تم توقيفه لمدة أسبوع باعتباره متخلفا عن السوق. ثم تم تسفيره بالقطار مخفورا، مع عدد من الهاربين والمتخلفين إلى مركز تدريب مشاة الحلة، وحالما تم تسليمهم إلى مكتب قلم الوحدة ليلا، تمكن من الفرار بعد أقل من ساعة! تسلل من المعسكر بسهولة، واختبأ في محطة القطار، ثم عاد بالقطار النازل إلى البصرة!
بعد تلك الليلة غدا "صويحب الأحمر" بارعا في تزوير الكثير من بطاقات الأحوال المدنية، والهويات، واستمارات تأييد السكن، والشهادات، ونماذج الإجازات المرضية. وظل يتنقل بين البصرة والعمارة وبغداد، حتى بات أكثر الهاربين تمردا وعبثا وخطورة.. يبيت في بيوت بعض أصحابه المخلصين، أو في أحد الفنادق الرخيصة، ويمتهن عدة مهن عابرة لكسب لقمة الخبز، ويَعِد حبيبته "ابْسَيْمه" بالزواج حال انتهاء الحرب.
في العام السادس على اندلاع الحرب، حصل "صويحب الأحمر"، المطلوب أمنيّا وعسكريا على وظيفة حارس ليلي في دائرة تابعة للتصنيع العسكري، تقع في شارع أبي نؤاس، على ضفاف نهر دجلة، وتقابل إحدى أخطر دوائر الأمن! وظل يُخبر رفيقه "سلام" في كل رسالة سرية بجملة مشفرة ساخرة:"نومٌ وأمانٌ وراتبٌ شهري، وفي التصنيع العسكري"!
اكتشف أمر "صويحب" أخيراً قبيل نهاية الحرب بنحو عام وتمت مطاردته، لكنه تمكن من الهرب إلى اقليم كردستان ومن ثم سافر إلى أوروبا وحصل على حق اللجوء السياسي في الدنمارك!
آخر أسمائه الآن:"صويحب دنمارك".