يرى صموئيل هنري هوك أن الأسطورةَ تنطلِقُ من موقفٍ محدد لتؤسسَ شيئاً ما وضمن هذا المفهوم، فإن القيمَةَ في ذلك ليست بأنها أي الإسطورة حقيقةً أم لا بل تكمن أهميتها في قيمةِ ماتعطيهِ من أبعادٍ إعتقاديةٍ وسلوكيةٍ وتقييميةٍ وجماليةٍ أي أنها تصبُ في مجالي العمل الأدبي والمعيار الوظيفي ويعطي هوك أهميةً لماتم العثورُ عليهِ في المعابد من مراجعَ تؤكدُ على وجود الحضارة المدنية ذات المرتكز الزراعي ويخصُ ضمن مايَخُصُ بذلك نشاطات الإنسان في وادي الرافدينِ ومصر ولم تكن هذه النشاطات بمعزلٍ عن المراقَبَةِ والتوجيه بل كان هناكَ شبهُ مايُسمى بالإشراف المؤسساتي والذي يديرهُ الكهنه لمراقبةِ تلك النشاطات والتي يسميها هوك بــ "الافعال" وكالعادةِ المألوفةِ في المعابد فإن مُثورات تلك الافعال ترتبطُ بالتراتيلِ والتعاويذ. وغير هذا النمط هناكَ نمطٌ آخرُ من الأساطيرِ ويسمى بالسببية التكوينية ويعتمد هذا النمط وضمن المفهوم الوظيفي على "التفسير الخيالي" وهناك أمثلةٌ لأشكالِ هذه الأساطير ومنها ظهورُ الأدوات الزراعية وصراعُ "يعقوب" مع الكائن الخارق أي أن هذا النوع من الإسطورة يَخلصُ لتقديمِ المبررات إزاءَ أي موقفٍ ضدي يبنى على السبب التكويني لتلك الأُسطورَة وقد سمى هوك هذا النمط من الأساطير بـ "أساطير الأصل" مثلما سمى سابقتها بـ "أساطيرِ الطقس" وهناكَ استخدامٌ أخرُ لنوعٍ من الأساطير السومرية وذلك من خلالِ تَجريدها من مؤثراتها السحريةِ ومثالها من الأساطيرِ "أُسطورةِ العبادة" وتكمن وظيفتها في إبراز الجانب المثالي الأخلاقي وتستند في وصف أحداثها على جزئيات مأخوذةً من الأساطيرِ البابلية أو الكنعانية. وتنحو أُسطورَةٌ أُخرى عكسَ ماتنحو الأساطيرُ السابِقَةُ وتستندُ في وظيفتها إلى استثمار البطل الشعبي أو خلقهِ مُغلفاً بهالات الغموض والإعجاز ولاتخلو معظم الأساطير من الإشارةِ إلى المدن ذات الأهمية المقدسة والتي يعتقدُ اُسطورياً بأن الألهه قد قامت ببناءِ هذهِ المُدن وقد سميَ هذا النوع من الأساطير بـ "أسطورة الصيت" وهي من الأساطير التي تتحمل الإضافات السردية المتنوعة وتسودها ديناميكية الخشوع وقبول امتدادها في حاظر التاريخ. كما إن هناك أُسطورةٌ أُخرى تندرجُ ضمن الإتجاهاتِ الرمزيةِ والمسماة "أسطورة البعث" حيث تصفُ أسفارَ "يهوه" ومواجهتهِ لقوى الشر مقَدِمَةً بذلكَ سيلاً من الصورِ الطيفيةِ لأن مادتها النظام الكوني والنهايةُ المُفجِعَةُ لهذا النظام.

هجرةُ الأساطير

إن الأساطيرَ تنتقلُ من مكانها الأولي إلى أماكنَ أُخرى وتلعب المُخيلَةُ دوراً مهماً في هذا الإنتقال عندما تواجه أفعال مُشابِهة ويقدمُ هوك أمثلةً على انتقال الأسطورة وانتشارها وما أسماهُ بـــ "هجرة الأساطير" حيثُ تم العثور على لوحٍ مسماري في مصر يحتوي على أسطورة بابلية وكذلكَ تم إكتشاف مقاطعٍ من ملحمة جلجامش في مناطق غير موطنها الأصلي ولاشكَ بأن الأسفارَ والتجارةَ والغزوات وتنقلات الشعوب كانت من الوسائل التي عززت هجرةَ الأساطيروضمن منحىً أخرَ نجدُ بأن الأساطيرَ سرعان ماتتحرر من طقوسِها لتصبحَ أشكالاً أدبيةً وتدرجُ ضمن موروثات الشعوب وتولد منها حكايات عن البطولة والتضحيةِ والفداء.

الظروف المبكرة

لقد قطنت وقبل 4000سنة شعوبٌ المنطَقَةَ التي عُرفت بإسمِ "سومر وأكد" حيث عرفت هذه الأقوام المهاجرة بــ "السومريين" وقد كشفت التنقيبات في أماكن استيطانهم عن حضارة متطورةٍ فقد اخترعوا الكتابةَ وأبدعت مخيلتهم الهندسيةَ في إيجادِ شكلٍ جديدٍ لمعابدهم "الزقورات" كما إن لغتهم كانت نتاجُ اتحاد مجموعة من العناصر أي النمط "المتلازم" وليس هناك من تأكيد على معرفةِ فروع هذه اللغة وانتساباتها الألسنية وإضافَةً إلى معابدهم الفخمة فإنهم إمتلكوا الشرائعَ والأدابَ والميثيولوجيا وقد قَدمَ هولاء من المناطق الجبلية منحدرين صوب سهول بلاد الرافدين ولم تسلم إقامتهم من النزاعات والغزوات حيث أدت هذه الغزوات إلى قهرهم من قِبَلِ أقوامٍ استطاعت وبالتدريج من أخذِ حيزهم المكاني ولم تبتعد هذه الأقوام الغازية عن الروح السومرية فتعايشت مع ثقافتهم وتبنت لغتهم وعُرِفوا بـ "الأكديين" ولم تنتهِ الغزوات عند هذا الحد بل حدث غزو آخر للمنطقة من قبَلِ أقوامٌ تسمى "عمورو العموريون" وهي الموجةُ الثانيةُ من الغزو السامي والذي نتجَ عنهُ تأسيس السلالة العمورية الأولى وقيام بابل تحت حكم حمورابي وما قدَمَهُ هذا الملك في مجال التشريع القانوني للبشريةِ وتنظيم الحياة على أساس العدالة المستوحاة من إلهام الإلهة. ثم يقوم غزوُ أخر لأرض الرافدين ومن قِبَل أقوام ساميةٌ أخرى بغزو بابل وتأسيس اول إمبراطورية آشورية لتصطبغ الميثيولوجيا بأشكال الأقوام التي استوطنت المنطقة مع وجود الفوارق بين تلك الأساطير ما بين أشكالها السومرية والأشورية.

صفات الأساطير السومرية

يقدم الفكر السومري صفاتٍ عديدةٍ للبطل السومري "الإلهة" أو "الملكة" من خلال إبراز دور النموذج الأصلي وقدرة هذا النموذج على المواجهه وتحقيق الانتصارات كما تؤلف القرابين والاعتقاد بالبعث صفاتٍ ملازمة لاي من البدائل للقرارات ومن الصفات الأخرى الواردة في الأساطير البابلية "الطموح" وحب السيطرة رغم مجهولية الأسباب التي تقود إلى هذا الطموح كما ورد الحداد وشعائر الحداد وعدد أيامه والتي هي 3 أيام وكذلك الأيمان بالضحية. وقد وردت تلك الصفات في أسطورة دموزي- أنانا. أما ما ورد من صفات أخرى ففي أسطورة أصل الكون تؤكد الأساطير السومرية على إن أصل الكون قد حدث نتيجة الولادة فقد ولدت أُمٌ السماء والارض وفي أسطورة أخرى ملازمة إن الأرضَ كانت جبلاً سفحهُ الأرض وقمتهُ السماء وتجسد الإلهة "ان" السماء والإلهة "كي" تجسد الأرض وعند اتحادهما ولد "أنليل" إله الهواء والذي قام بوظيفة الفصل بينهما. وكما هو الاله النموذج فهناك المدينة النموذج والتي لا يمرض فيها أحد ولا يشيخ فيها أحد وذات المياه العذبة التي لايشبهُ مياهها مياة البحر. كما تتصف بعضُ الأساطير بالتركيز على مفهوم التنافس مابين نمطين من الحياة وهما الزراعة والرعي وتعطي بعض الأساطير أهمية استثنائية لزواج الإلهة لتقديس الديمومة التي تتم على يد الإلهة والمساهمة في توسيع قاعدة الحماية المفترضة لبني البشرعند تعدد هذه الألهه مع وجود النزاعات التي تحدث بين الإلهة أنفسهم من أجل غايات قد تبدو غير نبيلة رغم أن مبدأ تقاسم الشراكات قائمٌ على أساس توزيع السلطة والنفوذ وتقدم أساطيرَ سومرية أخرى نماذج من البشر الممسوخ والذي يؤدي وظائف الشر ومن اجل أن يتعزز مركز الالهه لابد من مواجهة هذه الكائنات الخرافية الشريرة لتحسم المواجهة قطعاً بانتصار الإلهة. كما إن هناك إشارات في أكثر من أسطورة على إن الإلهة تحتسي الخمور وتؤثر هذه الخمور في قرارات الإلهة والتي سريعاً ما تندم الإلهة على فعلتها حين تدرك أنها ضحية ذلك المؤثر ولكنها في الوجه الآخر لا تكف ولا تنصح الآخرين بعدم إحتسائه كما كانت كل موجودات الطبيعة هي الأساس في هذه الأساطير من ماءٍ وجبال وهواء وكواكب كما تتصف في جزءٍ آخر منها بالتاكيدَ على الأعداد الفردية بمثابة دالة للتشاؤم.

تنظيم الكون

يرتكز تنظيم الكون في الأساطير السومرية ضمن أولوياته على توفير الاحتياجات من الطعام والكساء حيث يقوم أنليل بخلق معبودتين هما "لاهار" إلهة القطعان و"أشنان" إلهة الغلال حيث يقومان بخدمة الإلهة أنليل وتوفير المزيد من تلك الحاجات على الأرض أي أن الإلهة الثانوية قد أُنيطت بها عملية تنظيم وإدامة المأكل والملبس ونتيجة لقيام الألهه لاهار والالهه أشنان باحتساء الخمور فإنهما ينسيان واجباتهما وهنا تخلق الالهه الأصل الإنسان كوسيلة للتعويض عن فساد الالهتين المذكورتين. أي إن احد أُسس تنظيم الكون يقوم على مبدأ العقاب والثواب وضمن هذا السعي لتنظيم الكون يقوم أنليل بخلق المعول لتسهيل عملية بناء البيوت حين يهدية أنليل لذوي الرؤؤس السوداء وتصف أسطورة أخرى قيام أنكي بزيارات لبقاع الارض بدءاً من سومر ليقوم بنشاطه الخلقي من أجل تنظيم الكون وهناك في تلك المدن ومنها مايسمى اليوم مصر والخليج حيث يقوم بتعيين الهة لتنظيم الأمور وتسيير الحياة هناك ثم يقوم أنكي بتعيين كاتباً أي الهة جديدة لمسؤلية المعول وثري الأجروليس هذا بل إن أنكي يبني الزرائب والحظائر ويضعها بإمرة إله الرعي. ولكي يكتملُ ضبط نظام الكون لابد من الحصول على الواح الأحكام المقدسة والتي تعتبر أساس النسق الحضاري في الحضارة السومرية وتقوم أنانا ومن أجل جلب البركة لمدينتها "إريخ" والتي هي بحوزة أنكي وحين تُقدِم أنانا لمدينة أنكي ويحتفى بها وتحت سطوة السُكر يقوم أنكي بإهداء أنانا هذه الالواح وحين يصحو يقر بذنب فعلته ويحاول استردادها عن طريق رسوله "أسيمدو" ولكن دون جدوى حيث جلبت هذه الالواح البركة ل "أريخ". مما ذكرنا عن تنظيم الكون يظهر ان هناك صراعاً مابين آلهة المدن من أجل السيادة وهو أحد المحاور الشائعة في الأساطير السومرية والتي تؤشر الرغبة بالبقاء والخلود ضمن دوافع القبول واللا قبول.

عرض مقالات: