يقترن البيت بالإنسان، فكل خلل في احدهما ينسحب على الثاني، واعني بالشتاء هنا، العديد من المعاني المستعارة للبيت وللإنسان، فالشتاء يقترن بخريف العمر، وبالوضع القاسي بردا ومطرا وضبابا وغشاوة رؤية، ويعني كذلك العجوز الذي يعيد على نار الموقد حكايات الاجداد القديمة، ويعني الشتاء الأغطية وعلاقتها بالجسد العاري، ويعني نشدان الدفء للعلاقات الأسرية ومنها العلاقات الحميمية، ويعني الشتاء الخزن للمواد الغذائية والتحوط للمستقبل، ويعني الشتاء انعدام الامان خاصة في الأمكنة المهددة باللصوص والسراق، ويعني الشتاء الرجل العجوز المختزن الخبرة والتجارب والذي عليه ان يبقى صاحيا يقظا كي لا يتسرب إليه النعاس، الحارس الذي تقع عليه مسؤولية الانتباه لأي خلل، فيفقد هويته وما عمل، ويعني الشتاء الفيضان في كل الاشياء: الماء والرياح والعزلة والشح والإبتعاد وقلة التواصل، ولك ان تستعير ما تشاء من الصور لتؤكد أن الشتاء مفردة محملة بمطر المعاني، ومرحلة مفصلية في حياة الإنسان، يمكنها ان تقضي عليه أو تبقيه حيًا، عندما يكون قويا لتجاوز ما يحدث.أو ضعيفا يترقب من يساعده.
اما دلالة السقوف فهي هنا ليست ما يسقف به البيت فقط/ اي المعنى المباشر للكلمة، فهي كالشتاء محملة بالاف المعاني المضمرة، وهي المنعة والقوة والثروة والجاه والعمل، والسند، والحماية والحدود، وعلينا، إذا اقتربت رمزية الشتاء ان نصلح ما فسد من هذه الأمور، وعدمها يعني اننا نعرض انفسنا للخراب والموت والاندثار، والمحو والغياب، والاختباء، والإلغاء، وبقدر ما يكون السقف حماية وغطاء واتقاء ومنعة وقوة وحدودًا، يكون رمزيا الصداقة والأسرة والجماعة المتضامنة، بحيث يمكنها ان تقف معك في المحن والشدائد.
أما الإنسان، المعني هنا، فان عليه أن يصلح سقف بيته بمعنى أن يصلح ذاته، فهو الكائن الذي يعي انه المسؤول الأول عما يحدث في هذا البيت، سواء اكان بيتًا مفردًا أم بيتًا جماعيًا كالوطن. الإنسان هو المعني بمعرفة فاعلية الفصول، الفصول هنا المراحل التي يمر بها البيت والإنسان، وهو الذي اسس لها مثيولوجيا بحيث يكون الصيف للكوميديا والشتاء للرواية والخريف للتراجيديا والربيع للغنائية، كما صنف ذلك فلاديمير بروب، هذا الإنسان الذي يمزج بين الرؤية الكونية لموضع بيته والرؤية الذاتية لوجوده. لا تتحقق هذه الرؤية دون موقد وسقف وجدار وسرير زواج، وعمل، وولادات، ومؤونة، وكل هذه المتطلبات يحددها دافع التجديد لها. فهي تشكل سقف حياته ووجوده، ويكون عليه ان يتذكر خللها كلما استشعر ان تقدمه في العمر تقدم في بيته وتصور لما يحتاجه، ولذا عليه ان ينتبه إلى السقف باعتباره الحاجز القوي الذي يعزله عن السماء، وما يدور فيها، ويربطه بالارض كوتد تشده إليها. لذلك تكون رمزية السقف بمعنى البقاء يقظاً لما يجري.
على مستوى الدلالة الإجتماعية العامة، نجد الظاهرة التضامنية بين مواطني سكن المجموعات منذ ان تشكلت في العصور البدائية، أن السقف والجدار يعنيان التحقيق لوجود الأنا، بمعزل عن الآخر، وأن هذا البيت هو كيان نفسي اجتماعي، وعندما يختل توازنه المكاني تختل قيمه التي من اجلها اقيم كحماية للإنسان.
في وضع سياسي متقارب، يدلنا الانتباه إلى السقف عندما تأتي محن الشتاء بمخاطرها السياسية، ويصبح البيت رمزا للبلاد، على المواطنين في هذه البلاد ان ينتبهوا للسقف الذي يجمعهم على ارضه، ويحميهم من مغبة الغدر. وعليهم هنا، ومن هذه الزاوية، تأمين المشاركة بين السلطة ومجموع الشعب لحماية سقف الوطن ، طريقة تنجيهم من الانهيارات الداخلية، ومن غزو الآخرين. فليس اقدر على تحقيق الهوية الوطنية من ان يكون الجميع تحت سقف لا يندى بالمطر، ولا تضطرب أجزاؤه بالرياح، ولا تهتز محتويات البيت بتهديدات الأعداء، او بقرار ساسة لصوص وفاسدين يستغلون مجيء الشتاء كي يسرقوا مؤونتهم للفصول المقبلة.
مقهى الثقافة.. فلنصلح سقوفنا قبل مجيء الشتاء
- التفاصيل
- ياسين النصير
- ادب وفن
- 1788