ينبهنا الموت دائما ويشير الى مواضع سكتنا عنها ويفتح صمم آذاننا لكي نستمع لصوت الفجيعة وفقدان النوارس الحالمة ببياض النهر وأمان آفاقه، حيث نتحسس قيمة الأشياء وأسى الفقدان وتتلمس ارواحنا الحاجات المفقودة، ويصبح الغياب بحجم الوطن وبسعة نافذة الحلم الذي يعتمل الصدور. الموت الذي باغتنا باختطاف الخياط الحالم بوطن آمن وغد أجمل وشعب ينعم بالسعادة، وكان مؤمنا بمبادئه ويعمل بإخلاص شديد من أجل تحقيقها او الوصول الى الطريق المؤدي اليها ، مطمئنا من تحقيقها ، لم يتراجع يوما أو يصيبه اليأس ولم ينفعل لكي لا يفقد الصواب ، أدار ظهره كما يفعل المتصوف الى مغريات العالم المادي من اجل الهدف الأسمى المقترن بالناس والوطن والجمال ، لم يحلم بوظيفة أو اي امتياز مادي وظل يؤرشف الوقائع التي تؤدي الى جوهر الهدف النبيل ويدعم تكريسها في المطلبيات العامة أو فعاليات الثقافة ، ويرعاها من جانبين، الجانب الابداعي الذي يروي حكايا الناس وتطلعاتهم وهو الأبقى كما يراه، والآخر في العمل المهني الذي نذر جهده ووقته له كونه يصب في تصحيح المسار . ابراهيم الخياط الشفيف والمحب والمتفاني لم يكن شاعرا خسره المشهد الشعري، ولا نقابيا خسره اتحاد الأدباء، بل هو صرح ومؤسسة وجبهة انهارت أمامنا أحزنت المحبين وأفرحت الأعداء والخصوم حيث كان يقف سداً منيعاً بوجههم الساعية الى الخراب . ان هذا الرحيل المفاجئ ندب في قلوبنا وسيظل كذلك كندوب الراحلين من قبله ( كامل شياع ، وعريان السيد خلف) وآخرين حلموا بالهدف ذاته وساروا على الطريق ذاته. حزننا عليك موجع وطويل وان لم نكن بجوارك، ولكنه سيمكث طويلا في الوجدان ونتذكر هذا النقاء وسيواصل رفاقك السير في الطريق ذاته من اجل أن لا تهجر النوارس شواطئ دجلة وأن لا تقترب الأحلام الموحشة ضفة هذا الوطن.

عرض مقالات: