إنني على قناعة من أن ماركس وانجلز لو قدّر لهما أن يعيشا في زمننا لاحتجا بطاقتهما القصوى ولاستخدما كل ما في وسعهما من قوة ليمنعا الحزب (الحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني) من أن يلقي بنفسه في الهاوية. ولكن قيادة حزبنا في المجال النظري انتقلت بعد وفاة انجلس في العام 1895 إلى كاوتسكي. فكانت نتيجة هذا التحول: أن احتجاجات الجناح اليساري ضد السياسة البرلمانية المحضة وتحذيراته الملحة من عقم وخطر هذه السياسة كانت تدمغ بالفوضوية أو الاشتراكية الفوضوية أو على الأقل تدمغ بالعداء للماركسية. وأصبح ما صار يدعى ماركسية رسميا قناعاً يخفي وراءه كل ضروب الانتهازية الممكنة والتهرب المستمر من النضال الطبقي الثوري، وكل أنصاف الاجراءات التي تخطر ببال. وهكذا حكم على الاشتراكية الديموقراطية الألمانية والحركة العمالية وكذلك حركة اتحادات العمال أن تهزل وتذبل في إطار المجتمع الرأسمالي. ولم يعد الاشتراكيون ورجال اتحادات العمال الألمان يقومون بأي محاولة جادة لقلب المؤسسات الرأسمالية أو تعطيل الآلة الرأسمالية.
ولكننا الآن، أيها الرفاق، وصلنا النقطة التي نستطيع عندها أن نقول إننا انضممنا إلى ماركس ثانية وأننا نتقدم مرة أخرى تحت لوائه. وإذا كنا اليوم نعلن أن مهمة البروليتاريا الملحة هي جعل الاشتراكية حقيقة حية وتدمير الرأسمالية جذرا وفرعا، فنحن بذلك إنما نقف على الأرض التي وقف عليها ماركس وانجلز في العام 1848، وإنما نتبنى موقفا لم يحيدا من حيث المبدأ عنه أبدا. لقد أصبح واضحا منذ أمد طويل ما هي الماركسية الحقة وما هي الماركسية البديل (تصفيق). وأعني الماركسية البديل التي كانت لزمن طويل الماركسية الرسمية للاشتراكية الديموقراطية. إنكم ترون إلى ماذا تؤدي ماركسية من هذا النوع، ماركسية خدم إيبرت ودافيد* ومن لف لفهم. هؤلاء هم ممثلو النظرية التي طبل وزمر لها على مدى عقود على أنها الماركسية النقية. ولكن الماركسية في الواقع لا يمكن أن تؤدي إلى هذا الاتجاه، لا يمكن أن تؤدي بالماركسيين إلى القيام بنشاطات مضادة للثورة جنبا إلى جنب مع رجال كشيدمان**. إن الماركسية الحقة تشهر سلاحها ضد من يسعون إلى تزييفها، وقد نجحت في الحفر مثل حيوان الخلد من تحت أساسات المجتمع الرأسمالي حتى بات النصف الأكبر من البروليتاريا الألمانية يسير اليوم تحت رايتنا، راية الثورة التي تتحدى العواصف. وحتى في المعسكر المضاد، حتى حيث يبدو أن الثورة المضادة ما زالت تسود، لنا اليوم اتباع وسيكون لنا في المستقبل ايضاً.
رفاق سلاح
دعوني، إذن، أكرر أن سير التطور التاريخي أدى بنا إلى النقطة التي وقف عليها ماركس وانجلز عام 1848 عندما رفعا علم الاشتراكية الأممية أول مرة. إننا نقف حيث كانوا يقفون، ولكن لنا ميزة أن سبعين عاماً من التقدم الرأسمالي تقف خلفنا. قبل سبعين سنة، بدا لمن راجعوا أخطاء وأوهام 1848 أنه لا يزال أمام البروليتاريا مسافة غير محددة يجب أن تقطعها لتحقق الاشتراكية. ولا أجدني بحاجة إلى القول أنه ما من مفكر جدي مال إلى تعيين تاريخ محدد لانهيار الرأسمالية، ولكن هذا التاريخ بدأ بعد تجارب 1848 الفاشلة في رحم المستقبل البعيد. ويمكن أن نقرأ هذا الاعتقاد في كل سطر من سطور المقدمة التي كتبها إنجلز في العام 1895. إننا الآن في موقف نستطيع معه أن نسوي الحساب وأن نرى أن الوقت كان قصيراً حقاً بالمقارنة مع دورات الصراعات الطبقية على امتداد التاريخ. إن تقدم التطور الرأسمالي على نطاق واسع خلال السنوات السبعين قد أوصلنا حيث نستطيع اليوم أن نشرع في تدمير الرأسمالية مرة واحدة وإلى الأبد. لا، بل هناك ما هو أكثر من ذلك، لسنا اليوم في موقع نستطيع القيام منه بأداء هذه المهمة فحسب، وليس أداء هذه المهمة واجب علينا تجاه البروليتاريا فحسب، بل أن الحل الذي نقدمه هو السبيل الوحيد إلى خلاص المجتمع الانساني من الدمار (تصفيق حاد). فما الذي خلفته الحرب من المجتمع الرأسمالي سوى كومة عملاقة من حطام؟ بالطبع لا تزال كل قوى الانتاج ومعظم أدوات السلطة الحاسمة، شكليا في يد الطبقات المسيطرة. ليست لدينا أية أوهام حيال ذلك. ولكن ما يستطيع حكامنا أن يحرزوه بالسلطات التي يملكونها فوق محاولاتهم المسعورة بالدم والقتل لإعادة بناء نظامهم، نظام السلب والنهب لن يكون أكثر من فوضى. لقد وصلت الأمور حدا أصبحت الانسانية معه أمام احد خيارين: فأما أن تهلك وسط الفوضى، أو أن تجد خلاصها في الاشتراكية. فمن المستحيل على الطبقات الرأسمالية نتيجة للحرب الكبرى أن تجد مخرجا من الصعاب التي تجابهها في الوقت الذي تحتفظ فيه بحكمها الطبقي. إننا الآن على يقين من الصحة المطلقة للكلام الذي صاغه ماركس وانجلز أول مرة كأساس علمي للاشتراكية في الميثاق العظيم لحركتنا، البيان الشيوعي. ستصبح الاشتراكية ضرورة تاريخية. الاشتراكية محتومة، لا لأن العمال ما عادوا يرغبون في العيش بالشروط التي تفرضها الطبقة الرأسمالية فحسب، بل أيضا لأنه إذا فشلت البروليتاريا في أداء واجبها كطبقة، إذا فشلت في تحقيق الاشتراكية، فإننا سننتهي جميعا إلى مصير أسود مشترك. (تصفيق طويل).
هنا نجد الأساس العام للبرنامج الذي نتبناه اليوم والذي قرأتم جميعا مسودته التي نشرت بعنوان "ما الذي تريده عصبة سبارتاكوس؟» إن برنامجنا يعارض عمدا المبدأ الأساسي في «برنامج إيرفورت (برنامج الحزب الاشتراكي الديمقراطي) إنه عمدا يعارض فصل المطالب الملحة المسماة «دنيا» التي صيغت من أجل النضال السياسي والاقتصادي.. إننا عمدا نعارض «برنامج إيرفورت» من حيث أننا نصفي نتائج تطور سنوات سبعين، من حيث أننا فوق كل شيء نصفي النتائج الأولية للحرب، قائلين إننا لا نعرف برنامج حد أدنى وبرنامج حد أقصى، بل نعرف شيئا واحدا فقط، هو الاشتراكية، وهذا هو الحد الأدنى الذي سنحققه. (أنصتوا! أنصتوا!).
لست أقترح بحث تفاصيل البرنامج، فهذا سيأخذ وقتا طويلا وستكونون الآراء الخاصة بكم في المسائل التفصيلية. إن الواجب الذي يقع على عاتقي هو فحسب رسم الخطوط العريضة التي يتميز بها برنامجنا عما كان يعتبر حتى الآن البرنامج الرسمي للاشتراكية الديموقراطية الألمانية. بيد أنني أعتبر من الأهمية بمكان أن نصل إلى فهم مشترك في تقدير الظروف الملموسة الراهنة وفي التكتيكات التي يتعين علينا أن نتبناها وفي الاجراءات العملية التي يجب اتخاذها بالنظر إلى الخطوط المحتملة للتطور المقبل. علينا أن نحاكم الوضع السياسي من وجهة النظر التي وصفتها، من وجهة نظر أولئك الذين يهدفون إلى التحقيق الفوري للاشتراكية، وجهة نظر أولئك الذين صمموا على أخضاع كل شيء آخر لهذا الهدف.
يصادف أن يعقد مؤتمر، ما اسميه بفخر الحزب الاشتراكي الثوري الوحيد للبروليتاريا الألمانية، في وقت أزمة تطور الثورة الألمانية. أقول «يصادف»، ولكن الأمر في الواقع ليس مصادفة. إذ يمكننا القول إن أحداث الأيام القليلة الأخيرة أسدلت الستار على الفصل الأول من الثورة الألمانية. ونحن الآن في بداية الفصل الثاني، وهنا يصبح واجبنا المشترك أن نقوم بالنقد الذاتي وتفحص الذات. ذلك أننا إذا درسنا كل ما فعلنا وكل ما لم نفعل، فإن خطانا ستكون في المستقبل أكثر حكمة وسنحرز قوة دافعة إضافية لتقدمنا الأبعد.
ما هي الاعتبارات التكتيكية التي يجب أن نستنتجها من هذا؟ كيف يمكننا أن نعالج الوضع الذي قد نجابهه في المستقبل القريب بأفضل الوسائل؟ سيكون استنتاجكم الأول بلا شك الأمل في أن يكون سقوط حكومة أيبرت ـ شيدمان وشيك الوقوع وأن تأخذ مكانها حكومة ثورية بروليتارية اشتراكية معلنة. أما أنا فأود أن أطالبكم بتوجيه اهتمامكم نحو القاعدة لا نحو القمة. إذ يجب علينا أن لا نقع ثانية في وهم المرحلة الأولى من الثورة (ثورة نوفمبر الالمانية) وهم 9 تشرين الثاني، علينا أن لا نظن أنه يمكن لنا عندما نريد القيام بثورة اشتراكية أن نطيح بالحكومة الرأسمالية ونضع حكومة أخرى مكانها. هناك طريقة واحدة فقط لإحراز انتصار الثورة الاشتراكية. ينبغي علينا أن نبدأ بإضعاف حكومة أيبرت ـ شيدمان بتدمير أساساتها عبر النضال الثوري الجماهيري من جانب البروليتاريا. عدا ذلك، دعوني أذكركم ببعض نواحي النقص في الثورة الألمانية، تلك النواحي التي لم يتم التغلب عليها في ختام الفصل الأول من الثورة. ما زلنا بعيدين عن الوصول إلى النقطة التي تضمن فيها الإطاحة بالحكومة وانتصار الاشتراكية. ولقد حاولت جهدي أن أبين لكم أن ثورة أكتوبر كانت، قبل كل شيء، ثورة سياسية، بينما يجب أن تكون الثورة التي ستحقق أهدافنا ثورة اقتصادية بشكل رئيس، وبالإضافة إلى ذلك، كانت الحركة الثورية مقتصرة على المدن وحتى يومنا الحاضر لم تمس المقاطعات الريفية عمليا. وستكون الاشتراكية وهمية إذا تركت النظام الزراعي الراهن دون تغيير. فمن وجهة النظر العريضة للاقتصاد الاشتراكي لا يمكن إعادة تنظيم الصناعة إلا إذا تم الإسراع في ذلك عبر التحويل الاشتراكي للزراعة. إن الفكرة الأساسية في التحويل الاقتصادي الذي سيحقق الاشتراكية هي إلغاء الفصل والتناقض بين المدينة والريف. فهذا الفصل، هذا التناقض، هذا التصادم ليس إلا ظاهرة رأسمالية محضة يجب أن تختفي حالما نضع أنفسنا على عتبة الاشتراكية. وإذا أردنا أن تجري عملية إعادة البناء الاشتراكية بجدية حقيقية، فإن علينا أن نوجه اهتمامنا إلى الريف بقدر ما نوجهه إلى المراكز الصناعية، ومع ذلك فإننا لم نخط حتى الخطوة الأولى في الاتجاه الأول. إن هذا أمر هام، ليس فقط لأننا لا نستطيع أن نقيم الاشتراكية دون تشريك الزراعة، بل أيضا لأننا بينما نظن أننا سوينا حسابنا مع آخر احتياطي للثورة المضادة، فالفلاحون يشكلون احتياطا إضافيا للبورجوازية المضادة للثورة لأنهم بالضبط لم يصبحوا الى جانب الاشتراكية. وأول ما سيفعله أعداؤنا عندما يبدأ شواظ الإضرابات الاشتراكية في لسع أقدامهم هو تعبئة الفلاحين الذين يقدسون الملكية الخاصة بتعصب. إن هناك طريقة واحدة لمقارعة هذه القوة المضادة للثورة التي تهددنا: يجب علينا أن نحمل الصراع الطبقي إلى المقاطعات الريفية، يجب علينا أن نعبئ البروليتاريا التي لا تملك أرضا والفلاحين الأكثر فقرا ضد الفلاحين الأغنياء (تصفيق مرتقع).
ينبغي علينا أن نستنتج من ذلك ما يجب علينا فعله لنضمن نجاح الثورة. أولا وقبل كل شيء، يجب أن نعمم نظام مجالس العمال في كل الاتجاهات. وما أخذناه عن تشرين الثاني الماضي لا يتعدى بدايات ضعيفة، حتى أننا لم نأخذ هذه البدايات كاملة. فقد خسرنا خلال المرحلة الأولى من الثورة قوى هائلة كنا قد كسبناها في البداية الأولى. وأنتم تعرفون أن الثورة المضادة قد دأبت على تدمير نظام مجالس العمال والجنود. ففي هيسن ألغيت هذه المجالس من قبل الحكومة المضادة للثورة، وفي ما عدا ذلك من الأمكنة انتزعت السلطة من أيديها. ولذا فإنه لا يتعين علينا أن نطور نظام مجالس العمال والجنود فحسب، بل أن نحث العمال الزراعيين والفلاحين الفقراء على تبني هذا النظام. إن علينا أن نستولي على السلطة، ومسألة الاستيلاء على السلطة تتخذ هذا الاتجاه: ماذا يستطيع كل مجلس عمالي وكل مجلس جنود على امتداد ألمانيا أن يحقق؟ (برافو!) هنا يكمن مصدر السلطة، يجب علينا أن نلغم الدولة البورجوازية ويتعين علينا أن نفعل ذلك بأن ننهي في كل مكان الانفصام بين السلطات العامة، الانفصام بين السلطات التنفيذية والتشريعية. يجب أن تتوحد هذه السلطات في أيدي مجالس العمال والجنود.
أيها الرفاق
إن أمامنا حقلاً واسعاً يتعين علينا حراثته. علينا أن نبني من أسفل إلى أعلى حتى تستجمع مجالس العمال والجنود قوة تصبح بها الإطاحة بحكومة أيبرت- شيدمان أو أي حكومة شبيهة مجرد فصل نهائي في الدراما. فالاستيلاء على السلطة لا يتحقق بضربة واحدة، بل سيكون ذلك عملا مطردا، ذلك أننا سنحتل باطراد كل مواقع الدولة الرأسمالية مدافعين بشراسة عن كل موقع نستولي عليه. إلى ذلك، في رأيي وفي رأي أقرب الرفاق في الحزب إلي أن مجالس العمال، ستقوم بالنضال الاقتصادي أيضا. إذ يجب أن تكون تسوية المسائل الاقتصادية والتوسيع المستمر لمساحة هذه التسوية، يجب أن تكون في أيدي مجالس العمال. ويجب أن يكون للمجالس كل السلطات في الدولة. ينبغي علينا أن نوجه نشاطاتنا في المستقبل القريب إلى هذه الأهداف، ومن الواضح أننا إذا اتبعنا هذا الخط فلن نفشل في تشديد النضال إلى حد كبير وفوراً، ذلك أنه يجب أن تنتقل كل سلطات الدولة جزءاً فجزءاً من البورجوازية إلى مجالس العمال والجنود، وذلك بالنضال المباشر خطوة فخطوة في كل مقاطعة وفي كل مدينة وفي كل قرية وفي كل حي. ولكن قبل أن تتخذ هذه الخطوات يجب أن يُربى ويضبط أعضاء حزبنا والبروليتاريا عموما. فحتى في الأماكن التي توجد فيها مجالس العمال والجنود، لا تزال هذه المجالس غير متفهمة بعد للأغراض التي وُجدت من أجلها. (أنصتوا ! أنصتوا !) يجب علينا أن نجعل الجماهير تعي أن مجالس العمال والجنود يجب أن تكون المظهر الرئيس لآلة الدولة، وأنها يجب أن تركز كل السلطات في داخلها، وأن تستخدم كل السلطات لتحقيق هدف عظيم هو القيام بالثورة الاشتراكية. إن العمال المنظمين اليوم في مجالس العمال والجنود لا يزالون بعيدين عن تبني نظرة كهذه، وليست المهام التي تقع على عاتق هذه المجالس واضحة إلا لأقليات بروليتارية معزولة. ولكن ما من سبب يدعو إلى شكوى من ذلك، فهذا هو الوضع الطبيعي للأمور. يجب أن تتعلم الجماهير كيف تستخدم السلطة بممارستها للسلطة، وليست هناك من طريقة أخرى. لقد تقدمنا منذ تلك الأيام التي كان يقترح فيها علينا أن "نثقف" البروليتاريا اشتراكيا وذلك مدعاة للسرور. ولكن يبدو أن الماركسيين من المدرسة الكاوتسكية لا يزالون يعيشون تلك الأيام التي ولت. لقد كان المعني بتثقيف الجماهير اشتراكيا إلقاء المحاضرات عليهم وتوزيع النشرات والكتيبات بينهم. ولكن ليس بهذه الوسيلة يثقف البروليتاريين. سيتعلم العمال اليوم في مدرسة العمل. (أنصتوا ! أنصتوا !)
انجيلنا يقول: في البدء كان الفعل. ويعني الفعل بالنسبة لنا أن تعي مجالس العمال والجنود رسالتها وتتعلم كيف تصبح السلطة العامة الوحيدة في جميع انحاء البلاد. هكذا فقط نستطيع أن نمهد السبيل فعلا فنجعل كل شيء جاهزا للثورة التي ستتوج عملنا. لقد تعمد بعضنا أن يقول لكم البارحة وهو يعي بوضوح أهمية كلماته "هل تظنون أن الأمور ستكون سهلة لكم في المستقبل؟". لقد ظن بعض الرفاق خطأ أنني أفترض أننا نستطيع مقاطعة الجمعية الوطنية ثم نركن إلى الخمول. إن من المستحيل بالنظر إلى الوقت الذي تبقى لنا أن أبحث هذه المسألة بحثا كاملا، ولكن دعوني أقول إنني لم أحلم قط بشيء كهذا. لقد كنت أعني أن التاريخ لن يجعل ثورتنا أمرا سهلا كالثورات البرجوازية. فقد كان يكفي في هذه الثورات أن يطاح بالسلطة الرسمية في المركز ويستبدل عشرة أو نحو ذلك من الأشخاص في المسؤولية. ولكن علينا أن نعمل من أسفل وهنا يتبدى الطابع الجماهيري لثورتنا التي تهدف إلى تحويل كل بنية المجتمع. هكذا فإن ما يميز الثورة البروليتارية الحديثة هو أننا يجب أن نتم الاستيلاء على السلطة لا من أعلى بل من أسفل. لقد كان التاسع من تشرين الثاني محاولة نصف متحمسة نصف واعية ومشوشة لقلب السلطة العامة القائمة وإنهاء حكم الملكية. وما يقع على عاتقنا الآن هو أننا يجب أن نتعمد تركيز كل قوى البروليتاريا في هجوم على أسس المجتمع الرأسمالي ذاتها. وهناك في الجذر، حيث يواجه صاحب العمل الفرد عبيد الأجر، في الجذر حيث تواجه كل الأجهزة التنفيذية لحكم الملكية الخاضعين لهذا الحكم، تواجه الجماهير. هناك يجب أن نستولي على وسائل السلطة من الحكام رويدا رويدا. وقد يبدو أن العملية ستكون بهذه الأساليب متعبة أكثر مما تخيلنا أولا عندما اخذ بنا الحماس. ولكنني أعتقد أن علينا أن نكون واضحين تماما تجاه العقبات والتعقيدات التي تقف في سبيل الثورة. ذلك أنني آمل في حالتكم كما في حالتي أن لا تذهب المهام المتزايدة التي نواجهها بالحماس ولا تشل الطاقة. بل على العكس من ذلك، كلما كانت المهمة أعظم، كان استجمعانا لقوانا أكثر اتقادا بالحماس. كذلك علينا أن لا ننسى أن الثورة قادرة أن تفعل فعلها بسرعة غير معتادة. ولن أحاول أن أتنبأ بالوقت الذي سيستغرقه ذلك. فمن منا يحسب للزمن حسابا، ما دامت حياتنا تكفي لتحقيق ذلك؟ حسبنا أن نعرف بوضوح ماذا يتعين علينا أن نفعل، ولقد حاولت بأفضل ما أستطيع أن أرسم العمل الذي ينتظرنا بخطوطه العريضة (تصفيق صاخب).
ـــــــــــــــــــــ
* - نص الخطاب المنشور في الارشيف الماركسي في موقع الحوار المتمدن
** - اسماء قادة حكومة الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة فريدرش ابرت، والتي قامت في 15 كانون الثاني 2019 بتصفية روزا لوكسمبورغ وكارل ليبكنشت