تشهد بلادنا تطورات واحداثا مهمة، تؤشر استمرار الازمة العامة وتعمقها وشمولها وتعدد تجلياتها. فهي ازمة بنيوية طاحنة مفتوحة على الاحتمالات كافة، وان اسبابها لا ترتبط بطريقة التغيير التي تمت عبر الحرب والاحتلال، وبتركة النظام المباد الثقيلة وحسب، وانما ترتبط ايضا بطبيعة نظام الحكم الجديد ومنهجه الذي يعتمد المحاصصة الطائفية – الاثنية في الادارة وفي بناء مؤسسات الدولة، المدنية والعسكرية، وتغليب الهويات الفرعية على مبدأ المواطنة العراقية الجامعة، وتوظيف الدين لخدمة مطامح سياسية ومصالح اقتصادية ضيقتين. كذلك تتسم بتفاعل العديد من العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة فيها، وبما تعرض اليه وطننا من عنف وتخريب وموجات ارهابية دامية.
من جانب ثانٍ شهدت السنوات الماضية استمرار الحالة الانتقالية، واحتدام الصراع على خيارات المستقبل وشكل الدولة وماهيتها، وعلى طبيعة النظام السياسي والاقتصادي- الاجتماعي الجديد. وتفاقمت خلالها حالة استعصاء سياسي ناجمة عن الصراعات بين الكتل المتنفذة وفي داخلها، واستمرار المتنفذين الفاسدين في تعنتهم وتمسكهم بالمحاصصة تحت عناوين مختلفة، وتغليبهم مصالحهم الضيقة الانانية على مصالح الشعب والوطن.
وانعكس ذلك كله على اداء مؤسسات الدولة، الذي اتسم بالشلل والعجز عن تلبية حاجات الناس، وفي اشتداد الازمة المالية الاقتصادية، وتفشي الفساد في الدولة والمجتمع، وتصاعد التوتر الاجتماعي. وادى الفشل بمظاهره المختلفة إلى تدهور المستوى المعيشي لفئات وشرائح اجتماعية واسعة، خاصة من العمال والفلاحين وعموم الكادحين وذوي الدخل المحدود، بل حتى من الفئات الوسطى، فضلا عن ارتفاع معدلات البطالة ونسب الفقر. وامام اصرار المتنفذين على التمسك بهذا النهج، وبالامتيازات والمغانم التي يحملها لهم تقاسم السلطة والثروة.
وإزاء انسداد افق حل الازمة الشاملة للبلاد، اصبح التغيير ضرورة ملحة لمواجهة التحديات التي تنهض امام بلدنا، ولفتح آفاق مصالحة وطنية ومجتمعية حقة، وحفظ وحدة البلاد وتجنيبها مخاطر التقسيم والاحتراب الداخلي.
ان الاصلاح الحقيقي والشامل هو المدخل لاجراء التغيير في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولدفع عملية الاصلاح والتغيير قدما حتى الخلاص من المحاصصة والفساد وتحقيق المصالحة الوطنية المجتمعية، ولبناء وتوطيد ركائز الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية، دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية.
والتغيير المطلوب لن يتحقق إلا عبر بناء بديل، يكسر محاولات احتكار السلطة المستندة الى الهويات الفرعية وإعادة إنتاجها، ويؤسس لوعي اجتماعي جديد، وتوجه ثقافي يشكل نفيا لثقافة الاستبداد ولنزعات العودة الى الماضي المناهضة للحداثة والتنوير، ويرسي الاعتراف بالآخر واحترام التنوع. وليس افضل من البديل المدني الوطني الديمقراطي اداة لتحقيق ذلك، ولاعادة بناء الاقتصاد والمجتمع والدولة على اسس جديدة، تجعلها دولة مواطنين احرار وليس رعايا.
وغاية ذلك هي اصلاح العملية السياسية وتصحيح مسارها، بما يفضي الى فتح فضاءات جديدة، وتغيير موازين القوى لصالح اصطفاف مدني ديمقراطي واسع، ونشوء كتلة وطنية مؤثرة وفاعلة، تقود البلد الى شاطىء الامان والاستقرار، والتقدم والازدهار والتنمية المستدامة.
وهذا يتطلب مواصلة ضغط الحراك الشعبي والجماهيري السلمي، والسعي الى تنويع اشكاله وادواته ووسائله، والارتقاء بادائه، وتنسيق اهدافه ومنطلقاته وبلورتها، وتأمين وضوحها، الى جانب توحيد قياداته، والتحسين المطرد لاداء تنسيقيات الحراك، والتنسيق في ما بينها على صعيد كل محافظة، وعلى مستوى بغداد والمحافظات الاخرى.
ويوجب ايضا السعي الى الارتقاء بدور التيار الديمقراطي وقواه وشخصياته، وتوسيع وتطوير نشاطاته وعلاقاته باستمرار، واقامة الصلات ومد جسور التعاون والتنسيق مع مختلف القوى والاحزاب والهيئات والشخصيات المدنية والديمقراطية.
ولن يتحقق ذلك من دون تقارب القوى والشخصيات المدنية والديمقراطية وتفعيل دورها نحو تشكيل الكتلة الوطنية الحاملة لمشروع البديل الوطني الديمقراطي، والعاملة من اجل تغيير موازين القوى لصالح مشروعها.
وتاسيسا على هذه القناعة الراسخة يمد حزبنا يده الى كافة الداعين الى قيام دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الانسان، دولة المؤسسات والقانون، ويدعوهم الى البدء فورا باللقاء والتشاور، وتجاوز حالة الفرقة والتششت ولملمة الصفوف وصولا الى تحقيق الاصطفاف المدني الديمقراطي الواسع القادر على انجاز الاصلاح والتغيير
المؤتمر الوطني العاشر
للحزب الشيوعي العراقي
1-3/12/2016