اجرت مجلة “الشرارة” التي تصدر في النجف حوارا مع الرفيق رائد فهمي، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، أجاب فيه على أسئلة المجلة. وكانت الحصيلة كما يلي *:

الشرارة :  ابدت اللجنة المركزية رأيها بالانتخابات القادمة.. وبالمستلزمات الواجب توفرها لتكون انتخابات حرة ونزيهة  وتؤدي الى التغيير.. ما هو رايكم بإمكانية الكاظمي او اية جهة اخرى على تنفيذ هذه المستلزمات؟

 

فهمي: إن مطالبة انتفاضة تشرين باجراء انتخابات مبكرة كان القصد الأساسي منها هو اعتماد طريقة سلمية ودستورية لإحداث التغيير المنشود في منظومة المحاصصة والفساد السياسية، التي أوصلت البلاد إلى حافة الإفلاس وأدخلتها في دوامة أزمات متتالية، اشتدت في المرحلة الحالية مسببة المعاناة والفقر والحرمان لأقسام واسعة من شعبنا. فاندلعت انتفاضة تشرين بزخمها وعنفوانها البطوليين تطالب بوطن يؤمن العيش الكريم لأبنائه وبالتغيير والخلاص من قوى المحاصصة والفساد.

 ولأجل أن تكون الانتخابات المبكرة رافعة للتغيير وليس لإعادة انتاج المنظومة السياسية الحاكمة ذاتها، ربما مع تغيير في الوجوه، لا بد أن تتوفر منظومة انتخابية عادلة ونزيهة، وهذه تشمل قانونا ونظاما انتخابيين منصفين، ومفوضية انتخابات مستقلة حقا وبعيدة عن المحاصصة وعن تأثير الأحزاب الحاكمة، كذلك سجل انتخابي محدّث خال من التزوير، وبطاقة ناخب بايومترية متاحة لجميع الناخبين، بما فيهم من هم في معسكرات النازحين والمهجرين، الى جانب مراكز انتخابية آمنة بإدارات مهنية محايدة، تضمن مراقبة ممثلي المرشحين وغيرهم لحسن سير العملية الانتخابية، إضافة إلى توفير التخصيصات المالية اللازمة.

وإلى جانب المنظومة الانتخابية السليمة، يتوجب على الحكومة تأمين البيئة الأمنية والسياسية والاجتماعية الكفيلة بتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات، والإدلاء باصواتهم بحرية من دون تعرض للضغط والتهديد والاعاقات والاغراءات، وتعرض أصواتهم للمصادرة والتزوير. وتأتي في مقدمة مهام الحكومة في هذا الخصوص، السيطرة على السلاح المنفلت وحصره بيد الدولة وقواتها الأمنية والعسكرية، وتأمين إشراف دولي فعّال على العملية الانتخابية، والكشف عن قتلة المتظاهرين والجهات التي تقف وراءهم وإحالتهم إلى القضاء ومنعهم من خوض الانتخابات، وتحريك ملفات الفساد  والفاسدين وبشكل خاص كبارهم وأصحاب النفوذ والمال، وإحالتهم إلى القضاء بما يحول دون إمكانية ترشحهم واستخدام أموالهم للتزوير وشراء الذمم.فضلا عن التطبيق الفعّال لقانون الأحزاب السياسية، الذي يمنع الأحزاب الطائفيةوالعرقية وذات الأذرع المسلحة من المشاركة، ويلزم جميع الأحزاب بالكشف عن مصادر تمويلها.

 إن توفير هذا المتطلبات أمر ليس يسيرا، ويصطدم بقوى تملك النفوذ والمال والسلاح، لكنه في الوقت نفسه ليس مستحيلا، شريطة أن يتحلى السيد الكاظمي وحكومته بالعزيمة القوية والإرادة السياسية الحازمة، وان يستخدم صلاحياته كرئيس لمجلس الوزراء وقائد عام للقوات المسلحة في الإقدام بشكل ممنهج على التصدي لهذه المهمات، بجانب كونها التزامات على الحكومة ادرجت ضمن المنهاج الحكومي.

وإذا ما تلمس المواطنون الجدية لدىالحكومة في تنفيذ وعودها والتزاماتها، فانها ستحظى بدعمهم واسنادهم، وهذا يتطلب من الحكومة ورئيسها التوجه الجاد نحو قوى الانتفاضة الباسلة والى القوى السياسية والمجتمعية من نقابات واتحادات وجمعيات وشخصيات ووجوه اجتماعية طامحة الى التغيير الحقيقي، والعمل على بناء اصطفاف سياسي واجتماعي واسع مساند لإجراءات الحكومة الجادة، لتوفير مستلزمات انتخابات مبكرة حرة ونزيهة تعكس نتائجها إرادة الناخب .

وفي حال الفشل أو عدم الجدية في توفير هذه المتطلبات، ونجاح الكتل المتنفذة في اخراج قانون الانتخابات حسب مقاساتها ومصالحها، وبقاء عناصر التأثير المالي والسياسي وقوة السلاح بأيديهم، فسوف لن تكون مخرجات الانتخاباتمختلفة كثيرا عن سابقاتها، وعندئذ ستطرح من جديد جدوى المشاركة في الانتخابات، كما سيكون موضع تساؤل خيار الانتخابات ذاته كطريق لإحداث التغيير.

الشرارة: ما موقف الحزب في حال اجريت الانتخابات كسابقاتها دون تحقيق المستلزمات المطلوبة؟

فهمي: يركز الحزب في الوقت الحاضر على إقامة الانتخابات المبكرة في موعدها، مع مطالبة الحكومة باتخاذ خطوات عملية لتأمين شروط تنظيم انتخابات حرة ونزيهة وشفافة تعكس الإرادة الحقة للناخب وتنجح في ضمان أوسع مشاركة ممكنة. وهذا يتطلب توفير البيئة الانتخابية السليمة والمنظومة الانتخابية العادلة والمستقلة وذات الكفاءة،التي أوضحنا عناصرها في اجابتنا أعلاه. وسنتابع بدقة الإجراءات المتخذة لتحقيق ذلك من قبل الحكومة والأجهزة والهيئات المعنية بذلك. ومع اقتراب موعد الانتخابات سيتم تقييم الموقف،وحينئذ سيحدد الحزب موقفه في ضوء معطيات الأوضاع ومدى توفر مستلزمات الانتخابات الحرة النزيهة، وسيكون الحزب منفتحا على مختلف الخيارات.

الشرارة : معروف ان الحزب يعمل على تجميع القوى المدنية الديمقراطية منذ 2003 .. ماذا فعل الحزب في هذا المجال، وهل وعت هذه القوى ضرورة توحدها على برنامج انتخابي مشترك وادركت مخاطر تشتتها على الشعب والوطن؟

فهمي: يتبنى الحزب شعار “التغيير.. دولة مدنية ديمقراطية ، عدالة اجتماعية” ويعمل بثبات من أجل تجاوز حالة التشتت التي يتسم بها مشهد القوى والتنظيمات والكيانات والشخصيات المدنية والتيار الديمقراطي في المجتمع، مما  جعل تأثيرها ونفوذها  السياسيين أضعف بكثير من وجودها الفكري، ومن القبول الواسع للأفكار والقيم المدنية في المجتمع، وللرصيد الإيجابي لشخوصه.

ويواصل الحزب ومنظماته في جميع أرجاء الوطن جهودهم من أجل توحيد عمل القوى والشخصيات والتنظيمات المدنية، على أساس احترام استقلالية كل تنظيم وشخصية، وفق أطر وآليات متنوعة ومرنة تضمن المشاركة الفاعلة لجميع الأطراف في رسم السياسات والمواقف، بما ينسجم مع مشروع الدولة المدنية الديمقراطية القائمة على العدالة الاجتماعية.

ونظرا لحالة التعدد والتنوع في أشكال تنظيم وعمل وتركيب القوى المدنية، تعددت المبادرات والاطر والائتلافات التي انتظمت فيها الأحزاب والتنظيمات المدنية، ولم تنجح في التجمع والتكتل في اطار انتخابي موحد لها في الدورات الانتخابية الماضية. وهذا واقع يسعى الحزب مع قوى أخرى لتجاوزه من خلال العمل المثابر لتوحيد الرؤى وتشجيع مختلف اشكال التعاون والتنسيق، وصولا إلى العمل المشترك. ووفق هذه الرؤية ينفتح الحزب على مختلف التشكيلات المدنية، ويعتبرها روافد ينبغي ان يصب عملها في تعزيز مشروع الدولة المدنية الديمقراطية، وأن يجد الترجمة الانتخابية المناسبة له.

ويدرك الكل ان الانتخابات القادمة ستكون مفصلية ومحطة سياسية فارقة في حال توفرت المستلزمات آنفة الذكر، وأن انتفاضة تشرين الباسلة والحراك الاحتجاجي المتواصل منذ عشرة شهور يعكسان بكل وضوح الإرادة الشعبية العارمة، في الخلاص من منظومة المحاصصة والفساد، وفي الرفض الواسع للقوى السياسية الماسكة بزمام الحكم. كما بينت شعارات ومطالب المنتفضين، خصوصا شعار “نريد وطنا” انسجامها مع مسعى القوى المدنية من أجل إقامة دولة المواطنة المدنية الديمقراطية، ونبذ الطائفية السياسية ووليدها نهج المحاصصة، حاضنة الفساد والفشل والخراب. لذا اصبحت  القوى المدنية تواجه تحدي الارتقاء إلى مستوى ما تتطلبه الظروف المستجدة، من تجاوز لحالة الفرقة والتشتت والتشظي،والعمل الجاد على إيجاد الصيغ المناسبة لتحقيق وحدة عملها، وبناء جسور اللقاء والتعاون مع قوى الانتفاضة والحراك الاحتجاجي الشبابية، التي فرضت نفسها بتضحياتها واصرارها العنيد وشجاعتها في مواجهة القمع الدموي وحملات التشويه البائسة، وتمهيدها لخوض الانتخابات القادمة.

لكن العمل ما زال يسير ببطء ولم يتحقق الكثير بعد، الامر الذييحثّ على تكثيف وتسريع الجهود نحو تجميع القوى والشخصيات المدنية، وتفعيل الأطر السليمة او استحداث اشكال جديدة تنسيقية، تستوعب التنوع الى جانب السعي المثابر لتطوير مستوى مشاركة القوى المدنية في الحراك الاجتماعي الاحتجاجي والمطلبي،في مختلف ساحات التظاهر ومع الفعاليات الاحتجاجية التي تشهدها مختلف محافظات ومدن العراق. كما تبرز أهمية خوض حوارات فكرية وسياسية مع الشباب المنتفضين وفي ساحات الاحتجاج، لتوضيح وتدقيق بعض التصورات الخاطئة التي تحول دون التمييز بين حلفاء ومساندي الانتفاضة من جانب وخصومها من جانب آخر. وكذلك بشان قانون الانتخابات العادل والأنسب لمشروع التغيير،وغير ذلك من القضايا التي يمكن عبر الحوارات الجادة ومن مواقع النضال المشترك، توحيد الرؤى والمواقف بشأنها.

الشرارة : المهمة التي تصدى لها الكاظمي ليست بالهينة، فالفاسدون وضعوا اساسا قويا لكتلهم واحزابهم.ما هي برأيكم فرص الكاظمي في تحقيق برنامج حكومته؟؟

فهمي: لا شك إن المهمات والالتزامات التي وضعها السيد الكاظمي في منهاجه الحكومي ليست يسيرة التحقيق، وهي تواجه وستواجه بمقاومة من قبل قوى متنفذة تمتلك السلطة والمال والاعلام والسلاح. وينطبق هذا على ملفات الكشف عن قتلة المتظاهرين والجهات التي أصدرت لهم الأوامر، وتحريك ملفات الفساد الكبرى واحالة المتورطين إلى القضاء، وهو ما يشمل حيتان الفساد، ثم الملف الاكثر تعقيدا وخطورة المتعلق بحصر السلاح بيد الدولة ونزعه من الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون. إذ تقف بوجهه “ الدولة العميقة” وتحرك ادواتها لإحباط كل مسعى جدى ذي طابع إصلاحي لمؤسسات الدولة المدنية والعسكرية.

ولا نستبعد أي شكل من أشكال الضغط التي يمكن أن تلجأ لها القوى المذكورة، التي تجد في هذه التوجهات تهديدا لنفوذها ومصالحها. لذا لا نتوقع ان تسير الأمور بسلاسة وفي خط مستقيم. لكن رغم هذه الصعوبات فان الحكومة ذات الإرادة السياسية الحازمة ليست عديمة الإمكانيات والأدوات، فهي تمتلك أجهزة حكومية مدنية وعسكرية، وللدولة سلطات قضائية يمكن تعزيزها وتعبئتها في هذه المعركة، كما ان هناك زخما شعبيا هائلا اطلقته انتفاضة تشرين، يرفع هذه المطالب عاليا ويدعم أي خطوة جادة تقدم عليها الحكومة باتجاه تنفيذ التزاماتها في البرنامج الحكومي.

نخلص من كل ذلك الى ان فرص نجاح السيد الكاظمي مشروطة إلى حد كبير بمدى ثباته وحزمه في اتخاذ الإجراءات العملية لتنفيذ منهاجه الحكومي، ومدى نجاحه في الاحتفاظ بالمبادرة وفي ادارة العملية سياسيا، من حيث ترتيب الأولويات وحشد التأييد والاسناد السياسيين والشعبيين لخطواته. اما في حال التردد واللجوء إلى أنصاف الحلول التوفيقية، والخضوع لمعادلات القوى المتنفذة التي لا مصلحة لها في الإصلاح والتغيير، فسيكون الفشل محتوما.

ـــــــــــــــــــــــــ

* نقلا عن مجلة “الشرارة” العدد 134 في أيلول 2020

عرض مقالات: