
تطلق تسمية الرأسمال الصوري على الرأسمال الذي يتكون نتيجة للقروض والذي يظهر في صورة الاوراق المالية (كالاسهم والكمبيالات والسندات وقوائم البنك العقاري..الخ)، والذي لا يتمتع بقيمة ذاتية، وانما هو فقط يخول حق الحصول على دخل ثابت في صورة فوائد وعائدات. ان نمو الرأسمال الصوري يعبر عن تطور طابع الرأسمالية الطفيلية.
والرأسمال الصوري ليس مجرد جزء من الرأسمال الاقراضي، بل هو كيان اقتصادي جديد تتعارض قوانين حركته في كثير من الملامح مع قوانين حركة الرأسمال الاقراضي. وفي ظل الظروف الأخرى المتماثلة يتحدد معدل الفائدة طبقا لمقدار الرأسمال الاقراضي. أما مقدار الرأسمال الصوري فهو دخل الاوراق المالية بصورة رأسمال وفقا لمستوى الفوائد السارية، أي ان هذا المقدار ذاته يتوقف على معدل الفائدة، وهو في اطاره الخارجي لا يرتبط على أي نحو بمقدار الرأسمال الصناعي العامل بالفعل.
وهنا يصل التناقض بين الرأسمال كملكية والرأسمال كوظيفة اقصى مدى تطوره، ويظهر من خلال المواجهة الخارجية بين الرأسمال الصوري والرأسمال الفعلي أي الرأسمال الصناعي بكل صوره الوظيفية. إلا أنه في نهاية المطاف يقع نشاط الراسمال الفعلي في أساس حركة الراسمال الصوري. وبصورة خاصة تظهر وهمية الرأسمال الصوري في فترات فشل البورصة (سوق الاوراق المالية) حين يحدث هبوط حاد سريع في أسعار الأوراق المالية.
لقد أدى نمو الرأسمال الصوري في نهاية القرن التاسع عشر وتطوره العاصف في العقود التالية الى زيادة اهمية البورصة على نحو بارز مما جعلها من اهم المراكز الحيوية للاقتصاد الرأسمالي.
والبورصة أشبه ببارومتر يسجل على الفور التغيرات التي تطرأ على الوضع المالي لمؤسسات أو قطاعات معينة بل وبلدان بأسرها وهي تكشف للرأسماليين عن موقع الحصول على أعلى الأرباح. ومع تطور الرأسمالية يزداد أكثر فأكثر نمو الرأسمال الصوري عن نمو الرأسمال الفعلي.
وقد أدى التوجه المتزايد في العقود الأخيرة نحو الإنفتاح والتحرير المالي عبر مختلف دول العالم، إلى زيادة تدفقات رؤوس الأموال عبر الحدود من خلال بورصات الأوراق المالية لتزيد بذلك درجة الإرتباط بين هذه البورصات وليتولد معها مفهوم عولمة بورصات الأوراق المالية.
تشير العولمة إلى الإعتماد المتبادل المتنامي بين الأسواق القومية الذي يقود نحو سوق عالمية موحدة، علما ان اندماج كل الأسواق القومية، أو على الأقل القاريّة، يمضي قدماً بسرعة. سابقا، عندما كان الطلب ينخفض في بلد ما، كان هناك أمل في التعويض عن ذلك بتوسيع الأسواق في بلدان أخرى. أما اليوم، فإن قارة بأكملها أو حتى الكتل الإقليمية الكبيرة تجد نفسها في حالة سقوط.
إن نسبة متزايدة من الدخل القومي الذي لايستهلك بشكل تلقائي تتم مراكمته كأصول Assets مالية. هذه الأصول (الموجودات) بدورها تثمر أرباحاً سهمية dividends وفوائد interests، تزيد دخل الطبقات الأكثر ثراءً الذي يتم ادخاره فوراً. بالطبع، تتصارع هذه الكتلة المتنامية من النقد على الأسهم (أسهم ملكية الشركات) وسندات الدين (الإعتراف بالدين من قبل الدول والشركات).
و هكذا تزداد أسعار هذه السندات وتزداد معها قيمة ثروة أصحاب الأسهم. هذه القيمة الزائدة المالية ترفع مرة أخرى دخل مالكي الأسهم، لكن بشكل افتراضي فقط: فالقيمة الزائدة لاتؤخذ إلاّ إذا بيعت السندات وهذا يتطلب التوقيت. مع ذلك، فإن الزيادة في سعر الأصول يمكن أن يكون لها تأثير حقيقي: إذ أن أرباب الأسر الأثرياء، مدفوعين بإعادة تقييم موجوداتهم، قد يستهلكون أكثر أو يشترون سندات جديدة. في الحالة الأخيرة نشهد " تضخماً " حقيقياً " للأصول ".
في البحث عن أرباح الأسهم الكبيرة، يتم توجيه كتلة هذا النقد المضارب بشكل فوري نحو الشركات " الأكثر ربحية juiciest "، تلك الإسترتيجيات قصيرة الأمد الساعية لتحقيق الحد الأعلى للقيمة الموزعة على أصحاب الأسهم، و أولئك الأكثر فعالية في عصر (إرهاق) عمالهم، والذين يشذبون " دهنهم الزائد "، و يوزعون أكبر حصة من الربح بدلاً من إعادة استثماره. كل هذا يفاقم التمزق الإجتماعي واللااستقرار الاقتصادي.
إن عولمة الأسواق المالية تكثف الأمولة financialization ، لأن الرأسمال المالي، في بحثه عن قاعدة إنتاجية لكي يحلبها، يمكنه أن يستعدي الشركات (أو الحكومات إذا فضلت سندات الدين) ضد بعضها بعضاً على الصعيد العالمي. هذا هو ما يطلق عليه مجتمع الكازينو العالمي World Casino Society.
ضمن هذه الكتلة من رأسمال المال الباحث عن البلدان الأكثر ربحاً، فإن صناديق التقاعد المرسملة تمثل اللاعبين الأكثر أهمية. هذه الصناديق، التي تجمع اشتراكات العمال وتستثمرها لتمويل تقاعد العمال، تكون ملزمة بشكل مؤسساتي بالبحث بالطريقة الأكثر كلبية وانتهازية عن أعلى الغلال لخدمة مصالح أعضائها. لا تنجو من هذا الأفق القصير الأمد سوى بعض المناطق مثل ايطاليا الشمالية أو ألمانيا الجنوبية، نظراً لأن رأس المال المصرفي، لأسباب ثقافية، يبقى (في الوقت الحالي!) مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً برأس المال الصناعي. ليس صدفة أن هذه المجتمعات المحلية هي أيضاً المجتمعات التي تفضّل الحشد المتفاوض عليه للموارد البشرية للخروج من أزمة الفوردية.