هذا الكتاب هو ترجمة لرسالة الدكتوراه التي حاز من خلالها كارل ماركس (1818-1883) درجة الدكتوراه، تترجم إلى العربية لأول مرة منذ صدورها عام 1841. لذلك يمكن اعتباره وثيقة تاريخية وفلسفية بالغة الأهمية، باعتبار الموقع الذي يحوزه كارل ماركس في الفكر والفلسفة عبر العالم، وباعتبار الانتشار الهائل لفكر ماركس، وفق ما عرف بالماركسية التي شبه بعضهم انتشارها بانتشار الأديان. ألفها ماركس الشاب في الثالثة والعشرين من عمره، ولم يكن في مرحلة نضجه كمنظر في الاقتصاد والسياسة، وناقش فيها فلسفتين كبريين آنذاك، هما فلسفة إبيقور وديموقريطس، وفي ذلك يكتشف القارئ كيف فهم ماركس الطبيعة والحرية والقوانين، ما شكل تمهيدا لفلسفته المادية لاحقا. إذ اكتشف ماركس الشاب، أن ديموقريطس صور أن العالم يسير وفق حتمية صارمة، فيما اكتشف أن إبيقور قال بـ"انحراف الذرة" كحركة عشوائية طفيفة، لكنها أفسحت المجال للحرية والإبداع. وهذا الاكتشاف المبكر سيكون البذرة التي أنتجت نظريته في نقد رأس المال والصراع الطبقي.
وهذا الكتاب، الذي ترجمه نزار هليل وراجعه سعدون هليل وصدر عن دار المركز الأكاديمي للأبحاث، يتيح للقارئ تتبع الخطوات الأولى لفكر ماركس، ولما وصل إليه ذلك العقل الجبار الذي شغل، وربما لم يزل يشغل العالم.
ورد في تعريف الكتاب أن ماركس الشاب تمكن من ابتكار مادية جديدة، تتجاوز الجمود الآلي، وتحتضن الديناميكية والإبداع كجوهر للوجود المادي، كل هذه المفاهيم ستجد طريقها لاحقا إلى تحليله للرأسمالية والصراع الطبقي، ومن المفارقات المؤسفة أن ترجمة هذا العمل الرائد اليوم هو استدراك متأخر، لما كان يجب أن يتم منذ عقود لأهميته الفلسفية الاستثنائية. هذا الكتاب ليس مجرد ترجمة أو دراسة أكاديمية، بل رحلة اكتشاف حقيقية لاستكشاف الجذور الفلسفية العميقة، لأحد أكثر العقول تأثيرا فـي التاريخ الحديث. فـي زمن تواجه فيه البشرية تحديات وجودية جديدة، فإننا نجد فـي رؤية ماركس المبكرة عن الطبيعة الإبداعية والديناميكية، مفاتيح لفهم عالمنا المعاصر؛ فالأفكار، كما أثبت ماركس نفسه، لا تموت بموت أصحابها، بل تحيا وتتجدد مع كل جيل يعيد اكتشافها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة "المجلة" – 14 أيلول 2025