التضخم النقدي (monetary inflation): في أبسط معانيه، يعني اغراق قنوات التداول بكمية من النقود الورقية تزيد عن حاجات الدورة السلعية، وهو انخفاض قيمة النقود الورقية بالنسبة الى السلعة النقدية (الذهب)، وما ينتج عن ذلك من ارتفاع السلع.

ان الطبقات المستغِلة تستخدم التضخم النقدي لتلقي على عاتق الكادحين عبء نفقات الدولة، وعواقب الحروب، والازمات الاقتصادية، ولإعادة توزيع الدخل القومي، والثروة الاجتماعية، في صالحها، ولإلحاق الضرر بالطبقة العاملة والكادحين. في زمن التضخم ترتفع اسعار السلع بصورة اسرع من ارتفاع اجور العمال الاسمية ومداخيل الفئات الكادحة الاخرى. ويسبب هذا الامر هبوط الاجور الحقيقية، وتعاظم فقر الكادحين. ويؤثر التضخم تأثيرا تهديميا في اقتصاد البلدان الرأسمالية. انه يفاقم فوضى الانتاج الرأسمالي، وعدم نظاميته، ويزيد من اختلال تناسب تطور فروعه، ويؤدي الى انخفاض سعر النقد، وخلل في التجارة الخارجية.

يمثل التضخّم النقدي أحد الأمراض الاقتصادية والاجتماعية التي تعبث في جسد الاقتصاد المحلي وتحدث فيه اختلالات عميقة، وقد انتشر هذا المرض في عدد كبير من دول العالم، واشتدت الموجات التضخمية، خاصة في السبعينيات من القرن العشرين، حتى تحولت إلى ظاهرة عالمية.

ويرجع التضخم في جوهره إلى اضطراب قوى الإنتاج وعدم كفايتها في الوفاء بحاجات الأفراد المتزايدة. أو بعبارة أدق: ينشأ التضخم نتيجة عدم التوازن بين الإنتاج والاستهلاك والادخار والاستثمار، ونتيجة لضعف الطاقات الإنتاجية في الاقتصاد القومي. ويترتب على هذه الاختلالات ارتفاع متواصل في الأسعار، فيؤدي إلى ارتفاع الأجور وأسعار العوامل الإنتاجية، وسائر تكاليف الإنتاج، يليه ارتفاع متتالٍ في الأسعار، وهكذا.

وهذه السلسلة متتالية الحلقات من التضخم تعرف باسم التضخم المفتوح أو الطليق Open Inflation، حيث لا يقف أمام ارتفاع الأسعار أيّ عائق.

أما إذا تدخلت الحكومة في مسار الأسعار وعملت على الحد من ارتفاعها المتواصل المتتالي، وأدت إلى تقييد التضخم بفرض الرقابة السعرية والدعم الحكومي، فإن التضخم يأخذ شكل التضخم المكبوت Suppressed Inflation.

وإذا أبطأت خطوات التضخم، فإن التضخم يسمّى باسم التضخم الزاحف Creeping Inflation.

فإذا ما استمرت هذه الخطوات، وطال أمد التضخم، واشتد، وتفاقمت خطورته، وتسارعت خطواته، عُرف باسم التضخم الجامح Galloping Inflation.

تتنوع مقاربات المدارس الاقتصادية لاشكالية التضخم. فمثلا يُرجع الاقتصاديون الكلاسيكيون التضخم النقدي أساسا إلى ظاهرة نقدية خالصة، تتمثل في ارتفاع معدل الطلب كنتيجة لزيادة كمية النقود في الاقتصاد، مما يترتب عليه ارتفاع مستويات الأسعار؛ نظراً لثبات حجم الإنتاج وسرعة دوران النقود، وهو نفس ما ذهبت إليه النظرية العامة لكينز، حيث تتبلور ماهية التضخم في وجود فائض في الطلب Excess Demand يفوق المقدرة الحالية للطاقات الإنتاجية، وتكون الفجوة التضخمية Inflationary Gap بمثابة التعبير عن هذا الاختلال بين الطلب والعرض.

أما المدرسة السويدية فقد أضافت إلى النظرية الكميّة للنقود عاملا جديدا، فجعلت للتوقعات أهمية خاصة في تحديد العلاقة بين الطلب الكلي والعرض الكلي. وترى هذه المدرسة أن هذه العلاقة لا تتوقف فقط على مستوى الدخل - كما ترى النظرية الكينزية - وإنما تتوقف على العلاقة بين خطط الاستثمار وخطط الادخار.

وقد أدى استمرار التضخم النقدي مع وجود معدلات عالية من البطالة أو انتشار ظاهرة التضخّم الركوديّ Inflationary Stagnation.

ومن جهة اخرى أدت ظاهرة التضخم الركودي إلى عودة اقتصاديي مدرسة شيكاغو (النقدويون)، وعلى رأسهم (ميلتون فريدمان)، إلى النظرية الكمية للنقود، حيث يرون أنه لا توجد علاقة على المدى الطويل بين التضخم والبطالة، وأن التضخم ظاهرة نقدية بحتة ترجع إلى نمو النقود بكمية أكبر من نمو كمية الإنتاج، أي أن حالة التضخم ترجع إلى زيادة واضحة في متوسط نصيب وحدة الإنتاج من كمية النقود المتداولة.

ويقابل هذا الاتجاه للاقتصاديّين النقديين الذين ركزوا على الجانب النقدي من ظاهرة التضخم اتجاها آخر يرى في التضخم ظاهرة اقتصادية واجتماعية ترجع إلى الاختلالات الهيكلية الموجودة بصفة خاصة في الاقتصاديات المختلفة. وقد عُرف اقتصاديّو هذا الاتجاه بالبنيويين Structuralists . ويرى الاقتصاديون البنيويون أن العوامل الهيكلية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية هي التي تقف - في المجال الأخير - وراء زيادة الطلب ووراء الإدارة النقدية والمالية السيئة في تلك الدول، فيفسرون القوى التضخمية بمجموعة من الاختلالات، تشمل: الطبيعة الهيكلية للتخصص في إنتاج المواد الأولية، وجمود الجهاز المالي للحكومات، وضآلة مرونة عرض المنتجات الغذائية، فضلاً عن طبيعة عملية التنمية وما تولده من اختلالات في مراحلها الأولى. ويخلص الاقتصاديون الهيكليون إلى ضرورة معالجة هذه الاختلالات الهيكلية للقضاء على ظاهرة التضخم التي تعاني منها الاقتصاديات المتخلفة بصفة خاصة؛ بغية مواصلة جهود التنمية والمحافظة على مواردها.

عرض مقالات: