يضع تحليل تطور الاقتصاد العراقي انطلاقاً من مفهوم الريوع النفطية أرضية الاقتصاد السياسيّ كتفسير أساسي لعدم تحول البلاد، بالرغم من الموارد الكبيرة، من دولة استبدادية إلى دولة ديمقراطية عصرية. وفي هذا السياق يمكن طرح العديد من الاسئلة من بينها: ما هو السبب ( أو الأسباب) الذي جعل (أو جعلت) التشكيلات السائدة في بلادنا، والتي قطعت أشواطا بعيدة في دولَنة etatisation الاقتصاد وحققت الاستقلال السياسي منذ عدة عقود، عاجزة تاريخيا في مواجهة مسألة الديمقراطية، وبالتالي إعادة تشكيل العلاقات الاجتماعية الداخلية وبما يسمح بخلق الشروط لتبلور المجتمع المدني وفك الاشتباك بينه وبين المجتمع السياسي، الدولة؟
ان ضعف المكون الديمقراطي وعدم التمكن من بناء الديمقراطية وحالات الاستعصاء السياسي التي تمر بها البلاد منذ 9/4/2003، وقبلها ايضا وان اختلفت الظروف، ناجم عن جملة عوامل من بينها طبيعة الاقتصاد باعتباره اقتصادا يقوم على الريوع النفطية بدل الإنتاج مما يحول البنية السياسية فيها الى الطبيعة التوزيعية التى لاتفرض مشاركة حقيقية للسكان وبالتالى يمكن الاستغناء عن العملية السياسية الحقيقية باستبدالها بنوع من التحالفات التقليدية باعتماد قواعد التوافق السياسي التى توفر نوعا من الاستقرار النسبي الشكلي بفعل انصبه التوزيع الريعية.
ولابد من الإشارة بداية، الى تباين نسب مساهمة القطاعات الاقتصادية في توليد الناتج المحلي الاجمالي عبر مسيرة التنمية في العراق. إلا ان هذا التباين رافقته حقيقة ثابتة تتمثل بتبوء قطاع النفط والتعدين والمقالع أعلى نسبة في توليد الناتج المحلي الاجمالي مع تذبذب نسب الارتفاع ارتباطا بالظروف السياسية والاقتصادية الداخلية والخارجية غير المستقرة التي مرت على البلاد. ونتيجة ارتفاع اسعار النفط في اوائل السبعينات من القرن الماضي فقد ارتفعت حصة القطاع النفطي في الناتج المحلي الاجمالي من 32 في المائة في عام 1970 الى 64.5 في المائة عام 1979 مقابل 14.1 في المائة لقطاع الزراعة، 1.3 في المائة لقطاع الصناعة التحويلية و 16.1 في المائة لقطاع خدمات التنمية الاجتماعية. وبعد عام 2003 تأثرت مساهمة القطاعات الاقتصادية في توليد الناتج المحلي الاجمالي بالأحداث السياسية والاقتصادية التي مرت على البلاد خلال هذه المرحلة، فقد ارتفعت نسبة مساهمة قطاع النفط الخام والتعدين والمقالع من 59.9 في المائة عام 2003 الى 85.8 في المائة عام 2007، مما يؤشر الى تزايد هيمنة قطاع النفط في تكوين الناتج المحلي الاجمالي وتراجع دور القطاعين الزراعي والصناعي اللذين لم تتجاوز نسبة مساهمتهما عن 9.2 في المائة و 2.3 في المائة على التوالي في عام 2007 .
وفي عام 2009 شكلت الصناعات الإستخراجية (نفط وغاز ومعادن) 75.6 في المائة من إنتاج القطاعات الإنتاجية و42 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي. اما في عام 2011 فقد شكلت 76.0 في المائة و 52.2 في المائة على التوالي. اما خلال الفترة 2014 – 2021 فقد بلغت حصة القطاع النفطي –كمتوسط – حوالي 60 في المائة .
ان الارقام اعلاه تبيّن مدى تبعية الاقتصاد العراقي للمصدر الريعي للثروة.
ثمة مؤشر آخر يدّل على ريعية الاقتصاد العراقي، ونقصد بذلك تنامي قطاع الخدمات على حساب القطاعات الأخرى. فقد سجّل هذا القطاع عام 2009 ما يوازي 30.3 في المائة من الناتج الداخلي في حين ارتفع الى 30.6 في المائة عام 2011 . ويبدو أن قطاع الخدمات أصبح يميل أكثر للمصادر الريعية كما أن طبيعة تلك الخدمات أصبحت تجني الريع بدلا من القيمة المضافة للناتج القومي. فالممارسات الشائعة في قطاع التجارة والمضاربات المالية والعقارية أصبحت السمة الطاغية على النشاط الخدماتي. فقد شكلت حصة ملكية دور السكن 12.3 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي في عام 2009 و 11.9 في المائة في عام 2011. اما في عام 2020 فبلغت النسبة 7.36 في المائة.
هذا مع العلم ان نسبة مساهمة الانشطة الخدمية في الناتج المحلي الاجمالي بدون النفط خلال الفترة 2011 – 2019 تراوحت بين 41.3 في المائة و 49.6 في المائة علما انها بلغت 47.0 في المائة في عام 2019.
المؤشر الثالث لريعية الاقتصاد العراقي هو دور الدولة الإنفاقي كمحرّك أساسي للاقتصاد الوطني. لقد بلغت مستويات الإنفاق العام لعام 2011 ما يوازي 70.7 في المائة من الناتج المحلّي الاجمالي في حين ارتفعت الى 79.3 في المائة في عام 2012، أي ان إنفاق الدولة يساهم بما يقارب أربعة اخماس العجلة الاقتصادية. ومن المعلوم ان إنفاق الدولة يساهم في رفع المداخيل عبر عامل المضاعف الاقتصادي economic multiplier . وبما أن موارد الدولة تأتي أساسا من العوائد النفطية فإن الطابع الريعي يتأكد أكثر فأكثر وهذا ما تشير اليه المعطيات الاحصائية. فمثلا شكلت الايرادات النفطية 98.6 في المائة من الإيرادات العامة والمنح في عام 2011 وفي عام 2012 بلغت 97.9 في المائة واستمرت بالتذبذب صعودا وهبوطا الى ان بلغت86.2 في المائة. علما ان متوسط حصتها في اجمالي الايرادات العامة والمنح خلال الفترة 2011 – 2020 قد بلغ حوالي 80 في المائة. في حين بلغت نسبة الايرادات النفطية الى الناتج المحلي الاجمالي خلال نفس الفترة 41.4 في المائة كمتوسط.
ومن الجدير بالذكر إنه ومنذ تأسيس الدولة العراقية في 1920 ولغاية سقوط النظام الدكتاتوري في 2003 بلغت العوائد النفطية بحدود 270 مليار دولار، في حين بلغت الايرادات النفطية للعراق خلال 10 سنوات (2011 –2021) فقط 764.8 مليار دولار. هذا مع العلم ان الإيرادات الضريبية كانت ضئيلة للغاية خلال نفس الفترة.
من خلال هذه الأرقام يتبين لنا بان الإقتصاد العراقي يعتمد اعتمادا شبه كلي على قطاع النفط لتمويل مشاريعه التنموية والتشغيلية وبالتالي فإنه يبقى رهين تقلبات سعر هذه المادة الإستراتيجية في السوق العالمية.