الحركة النسوية أو ما تسمى Feminism، مصطلح يطلق على مجموعة متنوعة الأطياف من الحركات والأيديولوجيات التي تعمل تحت يافطة تحقيق المساواة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين النساء والرجال.

فرغم كل التطور التقني والحضاري الذي شهده العالم في العقود الأخيرة، فإن الإضطهاد الذي تعاني منه النساء مازال متواصلاً حتى وإن إتخذ أشكالاً مختلفة بإختلاف الزمان والمجتمعات.

فما زال اغلب نساء الدول المتخلفة، يعانين من الفقر وسوء التغذية والوفاة بسبب الحمل أو الولادة، إضافة الى عذابات أكثر قسوة كالإستغلال الجنسي والحرمان من الحقوق والتعنيف والتعذيب ثم القتل والرجم، فيما يعدّ تمتع المرأة بظروف “أفضل” في الدول الصناعية، وهماً يخلقه المظهر المزيف للمساواة، لأن المرأة في هذه الدول، تعاني هي الأخرى من التمييز في الحقوق والأجر وفي فرص العمل ومن الكثير من حالات العنف الجنسي وإمتهان الكرامة والفقر والتهميش (1).

 

طبقية الحركة النسوية

ورغم هذه المعاناة المشتركة للنساء، فقد كانت هناك دوماً جبهتان مختلفتان في الحركة النسوية، حيث تقف على الضفة البرجوازية، ناشطات يتمتعن بمستوى معاشي ممتاز في الغالب، ويحصرن المشكلة في الحصول على حق الإقتراع العام والتعليم وفرص مناسبة للعمل، فيما تقف على الضفة الثورية، ناشطات ينحدر أغلبهن من صفوف الطبقة العاملة والكادحين، ويرين حل المشكلة في تحقيق الديمقراطية السياسية والعدالة الاجتماعية وصولاً الى مجتمع خال من الملكية الخاصة، التي كانت السبب الرئيسي لعبودية المرأة. وكما هو الحال مع الجزء البرجوازي، لم يخل الجزء الثوري هو الأخر من الذكورية المجتمعية، التي إستبعدت الكثير من النساء من أن يلعبن دوراً متكافئاً في النقابات العمالية والأحزاب الثورية، وهو الخلل الذي واجهه بعناد المفكرون والقادة الماركسيون مثل لينين وروزا لوكسمبورغ وكلارا زيتكين، وسعوا لتفعيل دور النساء أنفسهن في النضال من أجل تحسين وضع المرأة في سوق العمل، ولربط الخلاص من الإضطهاد بالنضال لتحقيق الإشتراكية للمجتمع بأسره.

 

ما هو أصل الإضطهاد؟

بغية بث اليأس بين النساء، وإيهامهم بعدم جدوى النضال، يُرجع بعض البرجوازين أساس اضطهاد النساء الى الاختلافات البيولوجية بين الجنسين، فالبنية الجسمانية للرجل تجعله متفوقاً على المرأة، التي من “فطرتها” القيام بالأعمال المنزلية. كما أن الأطفال من الجنسين، يختلفون في إختيار الألعاب والألوان والحكايات التي تستهويهم. الا أن ما يدحض هذه الإدعاءات، غياب أي شكل للإضطهاد في مجتمعات العصر الحجري (المشاعية البدائية)، التي كانت خالية من الملكية الخاصة، مما ينفي أية علاقة بين الإضطهاد وبين الطبيعة البشرية، فيما أثبتت دراسات سيسيولوجية وتربوية، أجريت في السويد، على أن إهتمامات الأطفال المختلفة، إنما هي نتاج لطريقة تعامل المجتمع معهم وليس للإختلافات البيولوجية بينهم، أي إنها بسبب التنشئة وليس بسبب الفطرة.

ولعل من الإنصاف القول بعدم وجود تفسير أفضل وأكثر إقناعاً لأسباب أضطهاد المرأة، من ما قدمته الماركسية، التي كشفت في المادية التاريخية، عن قيام الرجال والنساء، في مرحلة المشاعية البدائية، بتوفير الطعام بشكل متكافيء، سواء من خلال الصيد أو الزراعة، وعن عدم وجود ملكية خاصة، أو أعمال ذات طبيعة نسوية وأخرى رجالية، حيث الجميع متساوون، ذكوراً وإناثاً. غير أن قيام الناس بإنتاج فائض لايستطيعون إستهلاكه مباشرة، خلق الأساس الموضوعي لكل من المجتمع الطبقي واضطهاد المرأة، لأن إرتباطها بالمنزل وبالأطفال، حرمها من الإستفادة من هذا الفائض، وجعله حكراً على الرجال، الذين سعوا فيما بعد لتوريثه لإبنائهم، فإحتكروا النساء وحبسوهن في رعاية الأعمال المنزلية وتربية الأطفال، وقهروهن على الإعتماد على الرجل وإنتاجه، طيلة قرون من تاريخ المجتمعات الطبقية.

ومن البداهة القول بإن الخلاص من هذه القيود يستند الى تكسيرها، عبر جعل ملكية وسائل الإنتاج، التي تخلق الفائض، ملكية للجميع، وبالتالي تتحقق المساواة والحرية الكاملة لبني البشر، ذكوراً وإناثاً.

 

النسوية اليوم

تعّد مفاهيم النسوية اليوم، من المفردات الرئيسية في السياسات اليسارية حول العالم، وتتناسب أهميتها طردياً مع غياب المساواة أو تراجعها في بعض الدول، لاسيما بعد إختفاء الإتحاد السوفيتي. ورغم ما للنسوية من تأثير كبير في الحركة العمالية، وخاصة في أوساط الشباب، فإن هناك ميولاً دوغمائية وأخرى راديكالية لدى بعض المتصدين لهذه القضية الحيوية، حيث نجد من يدعو النساء لتبني قضاياهن بشكل منفصل عن قضايا المجتمع (2) أو جعل خلاص النساء من الإضطهاد مشروطا بفقدان الرجال للحقوق أو تبني شعارات برجوازية صغيرة، تريد تحقيق كل شيء أو التخلي عن كل شيء دفعة واحدة.

غير أن هناك تطورا وإنتشارا واضحا في الأفكار الثورية العلمية، التي تؤكد على عدم وجود أية إمكانية لإنهاء إضطهاد المرأة في ظل الرأسمالية، بسبب تعّرضها لإستغلال مزدوج، حيث يُنهب فائض القيمة الذي يخلقه عملها الإنتاجي، في ذات الوقت الذي لا يحظى فيه عملها الإنجابي والمنزلي بأي تقييم مادي أو معنوي (3).

ورغم أن أساس تحررها، الكامن في إنتاج فائض يكفي الجميع، قد تحقق في ظل التطور التقني العالي للأنتاج الرأسمالي، الا أن توزيع هذا الإنتاج الوفير، بطريقة ظالمة، يُبقي مليارات من البشر تحت مستوى الفقر ويؤمن تواصل عبودية أغلبية النساء، وبالتالي لا يمكن فصل نضال النساء عن الصراع الطبقي، مما يجعل من النسوية اليوم، إحدى رافعات النضال الطبقي، ومهمة عابرة للجندر، أي مهمة نضالية للرجال كما هي مهمة نضالية للنساء. كما إن الحركات النسوية الثورية، التقليدية والحديثة، وبسبب قدراتها ونشاطاتها الاجتماعية، الهادفة للدفاع عن حقوق النساء وتحقيق المساواة مع الرجل، حليف موضوعي للبروليتاريا.

 

تعدد الرؤى ووحدة العمل

تُعدّ التجارب الإشتراكية، ما إنهار منها وما صمد، أكثر الإستراتيجيات جذرية في تحرير النساء، حيث تم تطبيق المساواة التامة أمام القانون وفي سوق العمل وفي تأمين السكن ودور الحضانة والمدارس والخدمة الصحية المجانية وغيرها، بحيث بدا معها الفرق جلياً بين حقوق النساء في التجارب، وبين واقعهن في الدول الرأسمالية، التي لم تستطع حتى النقابات والأحزاب الإصلاحية الإشتراكية، التي حكمتها لسنوات طويلة، من تأمين حقوق شبيهة بها، جراء إصرار هذه الأحزاب والنقابات على بقاء الرأسمالية وتقديم أقصى التنازلات لها من جهة، ورفض الرأسماليين الذين يمتلكون كل شيء، الإعتراف بحقوق النساء في الحرية والكرامة من جهة مكملة. غير أن هذه الحقيقة لا تحجب الحاجة الى سياسة نسوية أكثر تطوراً الآن، لاسيما فيما يتعلق بالتصور التقليدي الذي يجد في إضطهاد النساء مجرد نتاج لصراع طبقي بين المستغِلين والمستغَلين، و يفترض عدم وجود تمييز جندري في صفوف البروليتاريا ذاتها، أو يراه هامشياً الى حد كبير في أحسن الأحوال، رغم أن هذا التصور كان قد نفاه لينين نفسه حين وجد بأن أكثر الأدلة على قمع مستمر للمرأة، وجود رجل يراقبها بهدوء، وهي تفني نفسها في عمل تافه ورتيب، يستنزف الوقت والجهد، كالأعمال المنزلية، التي تجعل روحها تتآكل وذهنها يزداد عتمة وإرادتها تفتر، منتقداً الأزواج، حتى من البروليتاريين، الذين لا يخففون من تلك الأعباء خشية على “كرامتهم” كأزواج. ومع التأكيد على مواجهة كل الحركات النسوية، التي تحاول إيهام النساء بأن خلاصهن يرتبط بقدرتهن على تحقيق مزيد من الملكية الخاصة، أو تبني الفردانية، فإن من المهم أيضاً الإنتباه الى تجنب أية معارك غير موضوعية ضد النسوية، والإهتمام بالربط بين الصراع مع رأس المال، بإعتباره السبب الأول لإضطهاد المرأة ، وبين مكافحة أي قهر للمرأة داخل الطبقة العاملة نفسها، التي لها مصلحة طبقية موضوعية في تحرير النساء.

ـــــــــــــــــــــــ

  1. رغم تمتع المرأة السويدية بأفضل الحقوق قياساً بغيرها من النساء الأوربيات، فإن أجورها تقل بنسبة 20 في المائة عن اجور الرجل مقابل نفس العمل! وفي أمريكا لا يعتقد أحد بأن إدانة ترامب بالتحرش الجنسي ستؤثر على حظوظه في الفوز بالرئاسة مرة أخرى.
  2. راجع على سبيل المثال أراء الأمريكية كاثرين ماكّينن، في جميع مقالاتها، التي إنتقدت النسوية الليبرالية على تشجيع الفردانية والنسوية الاشتراكية على دمج قضايا المرأة بقضايا المجتمع.
  3. فريغا هاوغ: ثلاث عشرة موضوعة في النسوية الماركسية، ترجمة رشيد غويلب، الحوار المتمدن 7183 لعام 2022.
عرض مقالات: