ديمقراطي اشتراكي الماني شهير، واحد قادة الاممية الثانية، ومؤلف عدد كبير من الكتب الاقتصادية. واشهر مؤلفاته “الرأسمال المالي” الذي كتبه عام 1910.

صاغ هيلفردينغ نظريته حول الإمبريالية إنطلاقا من المعطيات التي أوردها ماركس في الجزء الثالث من “الرأسمال”، وهو الجزء المتعلق بالبنوك والتسليف. ركز مؤلف هذا العمل الهام، على رأس المال المالي الذي كان، بنظره، المعطى الأكثر أهمية في الإقتصاد العالمي حينذاك. وقد رفض هيلفردينغ نظرية الإنهيار الحتمي للرأسمالية، لكنه إعتبر في الوقت نفسه أن عصر رأس المال المالي هو أخر مراحل الرأسمالية.

ويعّرف هيلفردينغ رأس المالي بأنه رأس المال النقدي الذي يكون في حوزة البنوك ويستعمله الصناعيون في نفس الوقت. إن إحدى الفرضيات المهمة التي إشتغل عليها هيلفردينغ هي أن تصدير رأس المال الى الخارج يعد بمثابة المحرك الأساسي للسياسة الإمبريالية. ويستنتج من هذا أن ظاهرة تصدير رأس المال بدأت تحتل موقعا رئيسيا في علاقة البلدان الإمبريالية بالخارج، في حين تضاءلت ظاهرة تصدير السلع، التي كانت تحتل الموقع الأول في السابق. ويعتقد هيلفردينغ بأن أسباب إرتفاع توظيف رؤوس الأموال في الخارج تكمن في رغبة البلدان الإمبريالية في الحد من التأثير السلبي لقانون الميل النزوعي لمعدل الربح  نحو الإنخفاض. وبحسب هيلفردينغ فإن لسياسة التوسع الإمبريالي عواقب مزدوجة. فهي من جهة تمكّن  رأس المال من إطالة عمره بفضل ما يكتسحه من أسواق، ومن جهة ثانية تقرب ساعة إنتصار الإشتراكية لأنها لا تؤدي فقط الى تكثيف الإنتاج، وإنما تتيح أيضا للطبقة العاملة المتمركزة في المصانع الكبرى تنظيم صفوفها بسهولة أكبر. هذا وكان هيلفردينغ قد حلل، في البداية، النظام النقدي – الإئتماني، والشركات المساهمة والدور الجديد للبنوك في الإقتصاد الرأسمالي. وقد قاده هذا التحليل الى نتيجة قوامها التنامي السريع لتركز وتمركز رأس المال والإنتاج، وبالإستناد على ذلك، نمو الإحتكارات الصناعية. ومن جهة ثانية بيَّن هيلفردينغ أن هذا التطور قاد الى هيمنة رأس المال المالي، الذي تحوّل الى قائد فعلي للبلاد. كما أبرز النزوع نحو إنبثاق البنك المركزي والكارتل العام، التي كانت تراقب وتضبط عموم الإنتاج الإجتماعي وتوزيعه.

وفي الجزء الأخير من عمله هذا، بحث هيلفردينغ التغيرات الحاصلة في السياسة الإقتصادية للدول الرأسمالية. وأتاح له هذا البحث الكشف عن الرابطة الناشئة بين مصالح الصناعة الإحتكارية والحماية الضريبية وتصدير رأس المال، والتمكن من تخطي الحواجز الجمركية الأجنبية، مما يتيح توظيف فوائض رؤوس الأموال على هيئة قروض تساعد على تصدير السلع. وفي مثل هذه الظروف، يؤكد هلفردينغ، يتحول الصراع من أجل تصريف السلع، على صعيد السوق العالمية، الى معركة تخوضها المجموعات القومية لرأس المال الإحتكاري من أجل مناطق توطين رؤوس الأموال. ولهذا فإن المعركة التنافسية الحادة حول المناطق الإقتصادية تستحث بالضرورة السعي لإعتماد وتنفيذ سياسة الحاقية. هنا تصبح قوة الدولة الرأسمالية وجبروتها بمثابة ضرورة لا مندوحة منها. ولهذا السبب تستبدل البرجوازية المسيطرة أفكارها السابقة التي أطلقتها عند لحظة صعودها والمتمثلة بالدعوات للسلم والإنسانية، وتحل محلها، في الحقبة الإمبريالية، إيديولوجيا الهيمنة والسيطرة على العالم ككل. ويستنج هيلفردينغ في نهاية كتابه “رأس المال المالي” النتيجة التالية: “إن سياسة الإمبريالية هذه تقود الى الكارثة. هكذا إذن ....... تصبح الإشتراكية نموذجا يتطلع له البشر، وتصبح المهمة المباشرة للحركة العمالية التي تناضل من أجل تحقيقها” (76).

والعرض المكثف السابق لأفكار هيلفردينغ يسمح بالقول بأنه ركز إهتمامه، في كتابه هذا، على عملية التداول على حساب عملية الإنتاج من جهة، كما أن تحليله يسمح بالإستنتاج بأنه يعتبر الإمبريالية مرادفا لرأس المال المالي. وبرغم وعي هيلفردينغ بأهمية الإحتكارات، إلا أن تحليله الوارد في عمله “رأس المال المالي” لا يتيح الإستناج بأنه يعتبرها، أي الإحتكارات، جوهر الإمبريالية.

وفي معرض تقييمه لعمل هيلفردينغ “رأس المال المالي” كتب لينين قائلا “يعتبر هذا الكتاب، بغض النظر عن خطأ المؤلف في نظرية النقود، وعن ميله الملحوظ في تطبيق الماركسية تطبيقاً انتهازيا، يعتبر تحليلا نظرياً قيما جداً لأحدث المراحل في تطور الرأسمالية”.

اما في مؤلفاته التي كتبها بعد الحرب العالمية الاولى، فقد انقطع (هيلفردينغ)، عمليا عن الماركسية، وانتقل الى مواقع الاقتصاد السياسي البرجوازي، ودعا الى نظريته عن “الراسمالية المنظمة”.

عرض مقالات: