يحتل بناء الدولة الوطنية الديمقراطية في مرحلة العولمة الرأسمالية، موقعاً متميزاً في رؤية اليسار الديمقراطي وبرامجه الكفاحية، مذ أمسى استلام السلطة السياسية وصيانة الدولة الوطنية من التبعية والتهميش، قضية رئيسية للكفاح، لاسيما انطلاقاً من التقدير السياسي الذي تشترطه وحدانية التطور الرأسمالي وتراجع إمكانات نجاح الثورات الاشتراكية في بلد رأسمالي واحد. ومن هنا تأتي أهمية الحوار حول دور اليسار الديمقراطي عبر مناقشة محاور ثلاثة مترابطة، تتعلق بالبناء الديمقراطي للدولة الوطنية، والأهمية التاريخية للتحالف اليساري الديمقراطي وأخيراً ضرورة قيادته للتحالفات السياسية.
البناء الديمقراطي للدولة الوطنية
لقد أدى اختلال تطور البنية السياسية في الدول الاشتراكية الى انهيارها، حيث أفضت هيمنة الحزب الواحد، وسيطرة الدولة على ملكية وسائل الإنتاج، الى نمو وهيمنة شرائح بيروقراطية على السلطة السياسية، الامر الذي أدى الى ركود اقتصادي – سياسي، فيما ساهمت الدول الرأسمالية الكبرى في تخريب الامن الاقتصادي والسياسي لهذه الدول عبر محاصرتها واعاقة نموها وتطورها.
وافضى انهيار التشكيلة الاجتماعية الاشتراكية الى سيادة نموذج التطور الرأسمالي وقوانينه الدولية، المتسمة بالتبعية والتهميش، وبالتالي هيمنة الدول الرأسمالية الكبرى على ثروات الدول الوطنية عبر أساليب عدة منها التدخلات العسكرية، ومساندة نظم سياسية ارهابية، وفرض العقوبات الاقتصادية على الدول الوطنية.
إن سيادة أسلوب الإنتاج الرأسمالي العالمية، أوجد تداخلاً في طبيعة التناقضات الوطنية – الدولية، بحيث لم تعد التناقضات الوطنية قادرة لوحدها على بناء دولة وطنية ديمقراطية، بل أصبحت العوامل الدولية عوامل مؤثرة في بناء تطور الدول الوطنية.
التحالف اليساري الديمقراطي واهميته التاريخية
وصار لزاماً مع هذا الواقع، قيام قوى اليسار الديمقراطي بتبني رؤية متجددة ترتكز على المحددات التالية:
- التخلي عن الرؤية السياسية التاريخية، المنبثقة من انتظار نضوج الممهدات الاجتماعية لاندلاع ثورات شعبية هادفة الى بناء الدولة الاشتراكية.
- استبدال روح الانتظار الإيدلوجية بتحالف يساري – ديمقراطي هادف الى بناء سلطة الدولة الوطنية وتطوير تشكيلتها الاجتماعية.
- اعتماد الديمقراطية السياسية اطارا دستوريا لبناء الدولة الوطنية ومنظومتها السياسية.
- استناد سلطة الدولة الديمقراطية على مبدأ صيانة المصالح الوطنية وتوازن مصالح طبقات تشكيلتها الاجتماعية.
ان التغيرات الكبرى التي تشهدها الدول الوطنية، والتي تتسم بالتبعية والتهميش، وبصعود الطبقات الفرعية وتحكمها في السياسة الوطنية - بشعارات إسلامية وقومية وطائفية - تفرض على قوى اليسار الديمقراطي بناء تحالف وطني – ديمقراطي، تشكل قوى اليسار الديمقراطي قاعدة اجتماعية لكفاحه السياسي، ويهدف الى تطوير بنية الدولة الوطنية وصيانتها من التبعية والتقسيم، واعتماد موازنة بين الطبقات الاجتماعية الفاعلة في الإنتاج الوطني، وتحجيم دور الطائفية السياسية واستبدالها بالروح الوطنية، وإقامة علاقات وطنية – دولية ترتكز على توازن المصالح.
قيادة اليسار الديمقراطي للتحالفات الوطنية
كما يتطلب البناء السياسي للدولة الوطنية الديمقراطية، وجود عدّة فكرية وبنية سياسية لقوى اليسار الديمقراطي، تجعلها قادرة على تجميع فصائلها في جبهة يسارية – ديمقراطية، تعتمد نهجاً سياسياً يتجاوب والظروف التاريخية المعاشة، والمستمدة من وقائع تشير الى أن الطور الجديد من التوسع الرأسمالي، يسعى الى تهميش الدول الوطنية وتفتيت تشكيلاتها الاجتماعية، بهدف اعاقة كفاحها الوطني – الديمقراطي، ومن ثم الحاقها بالتكتلات الاقتصادية الدولية. كما تهدف المراكز الرأسمالية الكبرى الى مساندة الأنظمة الديكتاتورية، وتعمل على تشجيع ممارستها الإرهابية ضد القوى والاحزاب السياسية الديمقراطية.
وبالتالي فإن الأهداف التخريبية التي يحملها الطور المعولم من التوسع الرأسمالي، تفترض قيادة اليسار الديمقراطي لتحالفات سياسية وطنية، لأن هذه القيادة ستستند الى دفاع اليسار الديمقراطي الثابت عن مصالح البلاد الوطنية وسعيه لبناء توازنات طبقية في التشكيلة الاجتماعية ومطالبته باعتماد الديمقراطية في حياة البلاد السياسية.
اعتماداً على ذلك فان وحدة اليسار الديمقراطي السياسية تتطلب تقليص فجوة التباينات الفكرية في برامج اليسار السياسية والتي نجدها في:
- اسلوب الوصول الى السلطة السياسية وكيفية ترسيخ شرعيتها الوطنية.
- طبيعة السلطة السياسية وقواها الطبقية القائدة.
- اشكال الملكية ومدى هيمنة الدولة عليها.
- الأحزاب السياسية ومواقعها في تشكيلة الدولة الاجتماعية.