في الفترة التي كان العراق يواجه فيها مهمات التحرر الوطني سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، ظهر الحزب الشيوعي العراقي كضرورة تاريخية تدافع عن مصالح الطبقات المسحوقة, لأنه لا يعرف المهادنة والمساومة على حساب الحركة الوطنية والقومية, ولا يعرف المواسم في النضال، وكان دائما ولا يزال يـربط القضية الوطنية بمصالح الكادحين من أبناء هذا الشعب، بغض النظـر عن الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
لقد تمتع الحـزب الشيوعي العراقي بحب واحتضان الجماهيـر الشعبية له, بسبب دفاعه العنيد والمتواصل عن مصالحها وطموحاتها وأهدافها المقدسة، في أوقات المحن والشدائد وفي مختلف الظروف, ولهذا رفدته بخيرة أبنائها خلال سفر نضاله الطويل.
في عام 1941 تشكلت لجنة مركزية جديدة ضمت (يوسف سلمان, عبد الله مسعود القريني, صفاء الدين مصطفى, حسين محمد الشبيبي, وديع طليا, نعيم طويق, داود الصائغ, ذوالنون أيوب, أمينة الرحال, زكي بسيم) وانتخبت يوسف سلمان يوسف ( فهد ) سكرتيرا عاما لها، وفي آذار عام 1945 عقد المؤتمر الوطني الأول للحزب الشيوعي العراقي تحت شعار (قووا تنظيم حزبكم, قووا تنظيم الحركة الوطنية) تم فيه تقديم التقرير التنظيمي والنظام الداخلي للحزب، وقد وضع فهد فيه كل خبرته وما درسه وتعلمه, إضافة إلى ترسيخه تقاليد وقيما ثورية متينة , جعلت الحزب قلعة حصينة مكنته من الصمود أمام أقسى ما عرفه العراق من وحشية وأعمال تصفية جسدية، وانتخب المؤتمر لجنته المركزية التي انتخبت فهد سكرتيرا عاما للحزب, وتحت تأثير النهوض الثوري العالمي بالانتصار على الفاشية عمت العراق موجة من النهوض الثوري, عمل الحزب بقيادة فهد على توجيهها نحو أهداف الشعب في التحرر والديمقراطية، وشجع الأحزاب الوطنية على النشاط الشرعي، واستثمر جميع الإمكانيات السرية والعلنية لنشر الوعي والتثقيف بأهم القضايا الوطنية، وكتب بهجت العطية مدير الأمن العام آنذاك في تقرير له نيسان 1949 (العقائد الشيوعية انتشرت انتشارا واسعا في المدن الكبيرة, إلى درجة إن الحزب اجتذب إليه في أيامه الأخيرة ما يقارب من 50 في المائة من شباب الطبقات كافة, ووجدت الشيوعية طريقها كذلك إلى السجون التي أصبحت في فترة من الزمن تمثل مؤسسات تعليمية شيوعية)
وحسب آراء العديد من الباحثين والمؤرخين فان قيادة يوسف سلمان يوسف ورفاقه الأوائل، والذين تكاتفوا معه، حولت الحزب الشيوعي العراقي في الفترة بين 1941ـ 1947 الى قوة سياسية متماسكة وفعالة وبنى له قاعدة جماهيرية, وأصبح حزبا يتصدر نضال الشعب العراقي, وكانت جريدته القاعدة تطبع "3000" نسخة وهو رقم كبير في ذلك الوقت. وفي ليلة 18-1-1947 تم اعتقال الرفيق فهد ورفيقيه زكي بسيم (حازم) وحسين الشبيبي (صارم) وكان اعتقالهم نكسة وخسارة وطنية حقيقية تركت آثارها ليس على الحزب الشيوعي العراقي فقط بل وعلى عموم الحركة الوطنية. وبعد وثبة كانون وتصاعد التوتر الوطني والعالمي، وفي 6-1-1949 أصبح نوري السعيد المعروف بعدائه للشيوعية رئيسا للوزراء، وأعلن حالة الطوارئ والأحكام العرفية تحت ذريعة حماية مؤخرة الجيش في فلسطين، وتعهد نوري السعيد داخل البرلمان بان هدف حكومته (تصفية الحساب مع الشيوعيين ومكافحة الشيوعية حتى نفسها الأخير في البلاد)، وبهذا تم إعادة محاكمة الرفيق فهد ورفاقه, وحكمت عليهم المحكمة بالإعدام، ومن الصفات التي يتحلى بها القائد الشيوعي هي الوفاء للقسم الذي يلزم به نفسه، فعندما كان الرفيق فهد في سجن الكوت ينتظر تنفيذ حكم الإعدام، كان مدير السجن وفي أوقات فراغه يرسل أحد الحراس ليأتي له بفهد، ويجلسان معاً يلعبان الطاولة ويحتسيان الشاي ويدخلان في حوارات طويلة عن الكثير من القضايا، حتى إن مدير السجن الذي كان مبهوراً بشخصية فهد سأله ذات يوم قائلاً: لو أتيح لك الهروب من السجن بطريقة أو بأخرى فهل سوف تهرب، وتجعلني أذهب إلى السجن مكانك وافقد وظيفتي وعائلتي؟ فرد فهد قائلا (اقسم لك بشرفي السياسي إذا أتيحت لي مثل هذه الفرصة فسوف لا اهرب أبدا وانتظر تنفيذ الحكم عليّ) في الوقت نفسه كان رفاق فهد يفكرون في إنقاذ رفيقهم من السجن قبل تنفيذ حكم الإعدام به، وتم حفر نفق من المدرسة التي كانت بمحاذاة السجن، وبمساعدة أحد المعلمين الشيوعيين وطلابه إلى زنزانة الرفيق فهد وتم ذلك بدون علمه، وبعد إكمال العملية كان الوقت مساءً، وكل شيء على ما يرام فثمة سيارة تنتظر في باب المدرسة لكي تقله الى مكان أمن، وعندما دخلوا على الرفيق فهد قالوا له: السيارة في انتظارك خارج السجن لتنقلك الى المكان الآمن ايها الرفيق، فقال لهم فهد: لقد أعطيت كلمة شرف بالقيم والمبادئ التي نحملها ونناضل من اجلها، إلى مدير السجن أن لا اهرب لو أتيحت لي الفرصة، وهكذا فضل الذهاب إلى المشنقة بشجاعة وقوة ورجولة قلّ نظيرها، وأبى أن يهرب ليترك مدير السجن عرضة إلى الاعتقال، وبهذه الأخلاق الراقية وهذه الشجاعة النادرة استطاع سكرتير الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان يوسف أن يعيش بضمير العراق وان يبني مجده ويشيده داخل قلوب الفقراء، هكذا كنت شامخا أيها الشيوعي العتيد يوسف سلمان يوسف سكرتير الحزب الشيوعي العراقي .
المجد والخلود لك ولرفاقك يوم اعتليتم أعواد المشانق في 14 شباط 1949وانتم تدافعون عن شعبكم وحزبكم

عرض مقالات: