ولد الرفيق حسين كنجي ( ابو عمشة ) في منطقة بحزاني- بعشيقة التابعة لمحافظة الموصل عام ١٩٤٥، وكان سكان هذه المنطقة، التي ولد فيها، ولا يزالون، خليطا من الكرد والعرب والاشوريين والسريان والتركمان، من اليزيديين والمسلمين والمسيحيين بمختلف طوائفهم وتشعباتهم.

عن ثورة الرابع عشر من تموز عام ١٩٥٨، بمناسبة ذكراها الستين، أردنا لذاكرة الرفيق (ابو عمشة) ان تستعيد بعض صور وذكريات تلك الايام غير العادية في منطقتهم فقال:

رغم اني كنت عند قيام الثورة في الثالثة عشر من عمري، وفِي الصف الاول المتوسط،  إلا ان احداث تلك الايام المجيدة لا تزال حية في الذاكرة، فأبناء منطقتنا إستقبلوا حدث الثورة بطريقتين او بنمطين مختلفين، فالمثقفون او المتعلمون، وبينهم عدد من الشيوعيين، من ضمنهم اخي الكبير( جمعة كنجي) كانوا في انتظار الثورة ومستعدين لإستقبالها، ولذلك لم تفاجئهم الثورة عندما حدثت، ولكن الغالبية العظمى من الناس في المنطقة، وهم في العموم من المزارعين واصحاب الحرف لا علاقة لهم في السابق بالسياسة، فاجأتهم الثورة عندما حدثت، ولَم يستطيعوا في البداية فهمها والتعامل معها، لكنهم ومع الوقت إنغمروا في نشاطاتها المختلفة، خصوصا مع تنشيط عمل المنظمات الديمقراطية كاتحاد الشبيبة واتحاد الطلبة ورابطة المرأة ونقابات العمال، وكان لنشاط الشيوعيين المتميز في المنطقة اثره في ذلك. واذكر في منطقتنا، كان هناك بيت متميز بإتساعه وبنائه، وفيه ماكنة خاصة لتصفية الماء، وهذا البيت لشخص كنّا نسميه ( المستر) وربما يكون شخصا غير عراقي، وقد استولت منظمة الحزب الشيوعي على هذا البيت، بعد هروب صاحبه، وحولته لمقر تعقد فيه الحفلات والنشاطات الجماهيرية الواسعة، خصوصا في سنوات الثورة الاولى، وأتذكر في هذا المجال حفل الاول من أيار، عيد العمال العالمي عام ١٩٥٩، والذي استمرت فعالياته السياسية والجماهيرية لمدة أسبوع كامل.

قلت لابي عمشة: وهل إستمر الوضع هكذا!؟ بمعنى هل ان القوى الرجعية التي تضررت مصالحها وفقدت نفوذها وامتيازاتها بسبب الثورة رضيت بالاستسلام لقدرها !؟

يبتسم الرفيق ابو عمشة وهو يقول : لا بالطبع! فمنطقتنا كما تعرف تابعة لمحافظة الموصل، وفِي الموصل كما هو معروف مجموعة من البيوت الرجعية العريقة، كبيوت النجيفي والجليلي وكشمولة وغيرها، كما ان فيها أيضا مجموعة كبيرة من القادة والضباط الكبار، الذين كانوا موالين للنظام الملكي! إضافة لميل نسبة من الموصليين تأريخيا وعاطفيا لتركيا! هذه الأسباب وغيرها جعلت من الموصل، وبضمنها منطقتنا، ميدانا للردة والتأمر! وإلا كيف تفسر اختيار الشواف للموصل لتنفيذ محاولته الفاشلة للانقلاب والتمرد على السلطة في بغداد عام ١٩٥٩!؟ لقد بدأت قوى الردة بإغتيال الناشطين الشيوعيين والديمقراطيين، ثم بدأت تدعو للتظاهرات المضادة والإضرابات،  وبث الدعايات والفرقة بين القوميات والطوائف، التي كانت تعيش طوال تأريخها بسلام وانسجام، وقد توجت القوى الرجعية نشاطها بالترحيب ودعم انقلاب ٨ شباط الدموي عام ١٩٦٣، من خلال نشاطاتها البلطجية ضد الشيوعيين والتقدميين، عبر الاغتيالات والزج في السجون والفصل من العمل وغيرها من الأساليب اللاإنسانية.

عرض مقالات: