وقتها كنا معتقلين في سجن نقرة السلمان عندما وصلتنا الانباء عن وجود حركة ثورية هدفها اسقاط حكومة مجرمي مؤامرة 8 شباط 1963.
بدأ التحضير لانتفاضة معسكر الرشيد بمحاولات فردية حيث ساهمت بالتحضير لها خلايا من الحزب الشيوعي ومنظمات قاعدية كانت منقطعة عن التنظيم الحزبي ورفاق من مختلف تنظيمات الحزب. ومن هؤلاء الرفاق نائب العريف حسن سريع الذي تميز بالصلابة والقدرة على الاقناع والحماس والاخلاص المطلق تمكن من استمالة الرفاق العسكريين المنقطعين عن التنظيم الحزبي و تكوين منظمة صغيرة من الرفاق الذين انقطعوا عن تنظيم الحزب بعد مجازر 8 شباط الأسود، وقد التقى بمنظمة عمالية منقطعة عن تنظيم الحزب أيضا يقودها الرفيق ابراهيم محمد علي وكانت هذه المنظمة تتكون من ثلاث لجان فرعية هي اللجنة العمالية الكبرى وتضم عمال المنشآت الكبيرة كالنفط والكهرباء، واللجنة الوسطى وتضم المصانع المتوسطة كالمياه الغازية والنسيج، والصغرى وتضم عمال المطابع والافران وسائر المنشآت الصغرى. ونتيجة انقطاع هذه المنظمة عن الحزب ولضرورة استمرار العمل الحزبي المنظم، اعلن الرفيق ابراهيم بأن لجنته العمالية هي الحزب بعد انقطاعه عن التنظيم، واخذوا يكتبون البيانات باليد باسم الحزب الشيوعي، وقد القي القبض على الرفيق ابراهيم محمد فعذب ومات دون ان يعترف على احد.
التقى الرفيق ابراهيم بالرفيق حسن سريع وبعد المباحثات بين التنظيمين شكلت قيادة موحدة أطلق عليها اسم اللجنة الثورية، اخذت هذه اللجنة الثورية تتصل بجميع الرفاق الذين تقطعت بهم السبل عن تنظيمات الحزب وضمهم الى التنظيم الجديد واعتقد الكثير ان هذا التنظيم هو الحزب الشيوعي العراقي، وبسبب تضخم التنظيم تحت قيادة اللجنة الثورية قرروا تخصيص العمل، فجعلوا تنظيم العسكريين في منظمة تكلف بها الرفيق محمد حبيب "ابو سلام" وهو عامل مقهى.
لقد ضمت هذه الحركة التي تقودها اللجنة الثورية و بقيادة الرفيق حسن سريع عناصر من كافة النسيج العراقي العربي والكردي والمندائي والمسلم والمسيحي، ولم تتحكم في تصرفاتها أي مثيرات للطائفية او العنصرية او الدينية.
بقيت حركة حسن سريع ورفاقه الابطال يعملون ذاتيا بعيدا عن قيادة الحزب الشيوعي العراق، حتى بعد اعلان الانتفاضة، وقد تحققت بعض الاتصالات الفردية غير المباشرة مع احد قادة الحزب الرفيق محمد صالح العبلي الذي نقل لهم رأي اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، ان هذا العمل يحتاج الى دراسة وتأن وأن كان الحزب ليس ضدهم ولا يقف بوجههم، وقد انزعجت اللجنة الثورية من هذه النصائح، كما تمكن مندوب اللجنة الثورية من الوصول الى منظمة الفرات الاوسط التابعه لتنظيم الحزب،.فلم تعط منظمة الفرات الاوسط جوابا قطعيا بالموافقة وابدت استعدادها للحركة فورا بعد اعلان التحرك العسكري للانتفاضة.

تنفيذ الحركة

قبل موعد التنفيذ عقد في كوخ في كمب ساره ضم المنفذين الرئيسيين نذكر منهم نائب العريف حسن سريع قائد الحركة، وراس العرفاء كاظم بندر،عربي محمد ذهب،علي محمد ذهب،حافظ لفته … وابو سلام محمد حبيب وغيرهم، وبعد انتهاء الاجتماع وتوزيع المهام على الرفاق المجتمعين،اتفقوا على ان الساعة الثانية عشر والنصف ليلة الثالث من تموز موعد اعلان وتكون علامة الثوار شريطا ابيض ومثله احمر من القماش يشدان على العضد الايسر .كل القطعات العسكرية تنفذ في ساعة الصفر والقطعات المدنيه تنفذ لدى سماعها البيان الأول، كما عينوا كبار الضباط لتولي قيادة الجيش، غضبان السعد حاكما عسكريا، قائدا للفرقة الثانية، طه بامرني قائدا للفرقة الثالثة، عربي الفرحان قائدا للفرقة الاولى، سعيد مطر قائد للفرقة الرابعة.
في الساعة الثانية بعد منتصف الليل قطعت اسلاك الهاتف المؤدية الى معسكر الرشيد من قبل المكلف بالمهمة الجندي الاول، كاظم شنور مع أحد رفاقه فعطلت بدالة المعسكر. وفي الساعة الثالثة قام حسن سريع ورفاقه باعتقال الضابط الخفر وكسر المشجب واخذ السلاح منه، ثم اطلق حسن سريع رصاصة من بندقيته يعلن بدء الثورة، فاستطاعت قوة من الثوار من السيطرة على بابي معسكر الرشيد واعتقال من يدخل اليه من اعوان حكومة انقلاب 8 شباط الاسود، فتم اعتقال رئيس الحرس القومي ومساعده وطالب شبيب وزير الخارجية وعضو القيادة القطرية والقومية لحزب البعث. وحازم جواد وزير الداخلية، وبهاء شبيب المسؤول الحزبي للقوه الملطخة ايديهم بدماء الشيوعيين،وبدلا من اعدامهم فورا يضعونهم في اماكن لمحاكمتهم وفقأ للقانون، وقد قاد عربي محمد ذهب مجموعة من الجنود الرفاق للسيطرة على السجن العسكري والذي في داخله اكثر من 500 معتقل واخراج السجناء الضباط بمختلف رتبهم ودفعهم للمساهمة في الثورة وقيادة وحدات الجيش العراق واسقط نظام البعث، الا ان عملية اقتحام السجن قد فشلت لأسباب كثيرة.
وفي مقر اللواء الخامس عشر ما ان سمع الجنود المعتقلون ببدء المعارك،حتى بادروا الى كسر باب المعتقل وسيطروا على مقر اللواء واعتقلوا الضابط الخفر.
وتوجه قسم من الثوار الجنود فسيطروا على المستشفى العسكري في المعسكر ثم تم احتلال وحدة الحرب الذرية ووحدة الدروع، كما تمت السيطرة على الباب الجنوبي للمعسكر على جسر ديالى وتمت السيطرة على مطار الرشيد وجهزوا طيارته للطيران انتظارا لتحرير جمهرة الطيارين الشيوعيين المعتقلين في سجن رقم واحد في معسكر الرشيد، وتوجهت مجموعة منهم للسيطرة على السجن العسكري وتحرير الضباط المعتقلين فيه، بيد ان هؤلاء بدلا من مباغتتهم السرية للكتيبة التي تحرس السجن اشتبكت معهم بمقاومة شديد من الحراس وعجزوا عن السيطرة على السجن وتحرير الضباط . اما في معسكر التاجي فكان امر الحرس الجندي الاول فالح محسن يحمل راديو صغيرا وينتظر البيان ليقوم بتنفيذ مهماته، وهكذا بقية الثوار ينتظرون الإشارة من اذاعة البيان ليقوموا بالمهام الموكلة اليهم، وكذلك القطعات المدنية هي الاخرى كانت تنتظر اشارة الهجوم، وبذلك فشلت خطة الثوار لان خطة الاستيلاء على الاذاعة والمراسلات لم تنجح، وامكن لحكام الانقلاب ان يقمعوا الثورة ويعيدوا سيطرتهم على المعسكر ويعتقلوا عددا كبيرا من الجنود وضباط الصف الذين ساهموا فيها وفي مقدمتهم قائد التنفيذ حسن سريع وواجهوا التعذيب الشرس ومات الكثير منهم.
تحية اكبار واجلال لهذه الحركة البطلة ولجميع من ساهم فيها وكان هدفهم انقاذ العراق من حكم البعث وزمرته وستبقى مأثرة يعتز بها الشعب العراقي.