«ان تاريخ كل مجتمع الى يومنا هذا لم يكن سوى تاريخ الصراع بين الطبقات: الحر والعبد ، النبيل والعامي، الإقطاعي والقن ، المعلم والصانع، أي باختصار المضطهِدون والمضطهَدون، كانوا في تعارض دائم، وكانت بينهم حرب مستمرة تارة ظاهرة وتارة مستترة، حرب كانت تنتهي دائما اما بانقلاب ثوري يشمل المجتمع بأسره وأما بانهيار الطبقتين المتصارعتين معا» (البيان الشيوعي) – كانون الأول 1847 – كانون الثاني 1848.

منذ ما يقرب من أربعين عاما، أكدنا على الصراع الطبقي باعتباره القوة الدافعة المباشرة للتاريخ ، ولا سيما الصراع الطبقي بين البرجوازية والبروليتاريا باعتباره الرافعة الكبرى للثورة الاجتماعية الحديثة ... لقد صغنا صرخة المعركة صراحة: يجب ان يكون تحرير الطبقة العاملة من صنع الطبقة العالملة بالذات». (رسالة تعميم الى أوغست بيبل وولهلم ليبكنخت وولهلم براكه وغيرهم – 17/18 ايلول 1879).

رابع عشر

يذكر الباحثان جيرالد مارويل وباميلا أوليفر في مؤلفهما الموسوم “ نظرية العمل الجماعي وبحث الحركات الإجتماعية 1984” بأن تعريف الحركات الاجتماعية، هو بمثابة “كابوس نظري”. وعلى الرغم من صعوبة المشروع، إلا أن بعض النقاط التفصيلية تبدو ممكنة. إذ تتخذ الحركات شكلا معينا، يحدده الباحث ماريو دياني في دراسته المعنونة “مفهوم الحركات الإجتماعية 1992” على انه “شبكي”، في حين يطرح الباحثان لوثر كيرلاخ وفيرجينيا هاين في مؤلفهما “قوة الشعب 1992” بأن الحركة الاجتماعية “ليست مجموعة، أو شبه مجموعة أو تركيبة شبيهة بالمجموعة، أنها شكل معقد من التفاعل’’. أما الباحث جارلس تيلي في دراسته المعنونة “الحركات الإجتماعية باعتبارها تجمعات محددة تاريخيا للفعل السياسي 1993/94” فهو يقترح ان من الأسهل تعريف الحركة بضدها، أي: الحركات ليست مثل “المنظمات”، على الرغم من أن المنظمات هي بلا شك جزء منها.

لتسهيل فهم المسألة لنتذكر أعمال التطريز على الدانتيل حيث الشكل النهائي يمثل شبكة يمكن ان نعتبر عقدها على انها “النشطاء” الذين يشاركون، في أي وقت من الأوقات، بطرقهم المختلفة في محاولة تنظيم أشكال من التنافس الاجتماعي والسياسي. ومن خلال نمط علاقاتهم مع بعضهم البعض فأنهم يقومون بصنع “شكل” التطريز/ الحركة في وقت معين. ومع تغير علاقاتهم أو طريقة ربط عقد التطريز ببعضها، جنبا إلى جنب مع أشكال التنافس التي يحاولون القيام بها، تتغير الحركة نفسها.

إلى ذلك، يجب إضافة شيء آخر، لم تشدد عليه العديد من المحاولات لتعريف الحركات الإجتماعية. هل الحركات هي ساحات للنقاش والجدال؟ من هم وماذا يفعلون ولماذا؟ من نحن؟ ما الذي يجب أن نفعله وماذا نستطيع أن نفعل؟ ما الذي يمكن أن نأمله؟ ماذا يمكن ان نكون؟ هناك مساحة واسعة داخل الحركات نفسها لـ “الخلاف أو الإتفاق”، حول كل قضية ممكنة: الغرض، معنى وأهداف الحركة، أشكال التنظيم المعتمدة، طريقة حل الخلافات، الخ. المهم ان المشاركين في الحركة لن يكونوا وحدهم  في مثل هذه المحادثات، مهما كانت حادة أو غير ودية. فهناك دور للدولة ومعارضو الحركة في التأثير على كل هذه الأمور - باستخدام أي وسيلة تبدو مناسبة لهم (على الرغم من أنهم قد لا يتفقون هم أنفسهم حول هذه الأمور، وهي حقيقة قد تخلق “فرصة سياسية” للحركة، وربما قد تخلق أيضا “الأوهام” بين المشاركين في الحركة). فقد يستخدم أرباب العمل والدول، وغيرهم من المعارضين للحركة، اعتمادا على الظروف وكيفية قراءتها، أساليب “الضغط” التي تشمل القتل، السجن وغيرهما من أشكال القمع العنيف أو أسلوب الحظر القانوني على مجموعات معينة أو رشوة عناصر معينة من الحركة أو بعض قادتها البارزين أمام وسائل الإعلام لتقسيم الحركة وإجبارها على تقديم تنازلات تؤدي شيئا فشيئا الى تشتت وربما اضمحلال الحركة نفسها.

وطالما ان الحركات الإجتماعية ذات الرؤية الاستراتيجية تكون مستهدفة دائما من قبل معارضيها، يتوجب عليها ان تتعلم كيفية الإستجابة لأفعال خصومها وتشرك أعضاءها في تقييمات مستمرة ومتغيرة لـ “ساحة المعركة”.

الاستنتاج الذي لا مفر منه هو أن “الصراع الطبقي” لا يمتد فقط بين الحركات وخصومها، ولكن داخل الحركات نفسها - حول القضايا ذاتها التي يتركز حولها الحديث المثير للجدل بالضرورة. إن طبيعة الحركات وأنشطتها هي بحد ذاتها رهان في الصراع الطبقي.

خامس عشر

هل يفترض ان تكون الحركات الإجتماعية ذات طابع تقدمي بشكل عام؟ لا طبعا، لأن الحركات لا تظهر فقط “من الأسفل”، ولا تتطور جميعها لتصل الى حالة من مقاومة الاستغلال والقمع. هناك أيضا “الحركات من فوق” حيث تتطلب الديناميكيات المميزة للرأسمالية إعادة هيكلة دورية للعلاقات الاجتماعية، ومن بين ما تضمه إعادة الهيكلة هذه القيام بحملات تعبوية، والبحث عن حلفاء، والدعاية ... الخ. لنتذكر ان “الليبرالية الجديدة” باعتبارها مجموعة من الأفكار والممارسات المكرسة لإعادة تشكيل المشهد الرأسمالي، قد انتقلت من موقع هامشي للغاية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي إلى موقع الإجماع الحاكم بين القوى الرأسمالية.

وعليه، فإن الحركات الإجتماعية ليست بأي حال من الأحوال ملكا لليسار فقط. بل لقد كان على حركات اليسار أن تتعامل ليس فقط مع أرباب العمل والدول، ولكن أيضا مع الحركات المعارضة لها والتي تضم أعضاء من “الطبقات الدنيا” أيضا. أي ان اليمين أيضا يمتلك القدرة على تبني شكل الحركة الإجتماعية وأساليب المظاهرات وحتى تنظيم المجاميع في حركات غير تقدمية: من الفاشية لموسوليني وقمصان هتلر السوداء والقمصان البنية إلى إعادة الظهور للأحزاب والحركات الفاشية الأوروبية وحركة حزب الشاي في الولايات المتحدة، وغيرها.

كما ان “الحركات من الأسفل” في حد ذاتها ليست “تقدمية” بشكل تلقائي، فهي غالبا ما تجمع بين السمات “التقدمية والرجعية” في نفس النضال. يذكرنا الباحث مارك شتاينبرغ في مؤلفه الموسوم “تشكيل الطبقة العاملة والعمل الجماعي والخطاب في أوائل القرن التاسع عشر في أنجلترا 1999”، على سبيل المثال، كيف طور نسّاجو الحرير في أوائل القرن التاسع عشر أشكالا من التنظيم والمطالب التي سعت في الوقت نفسه للدفاع عن تجارتهم ضد نهب رأس المال الحديث وخفض مكانة المرأة. أن الحركات الاجتماعية ستكون محظوظة لو لم يظهر في صفوفها من يدعون الى إدراج شعارات من شأنها تحويل الانتباه بعيدا عن القضايا الحقيقية التي نشأت الحركات على أساسها.

عرض مقالات: