تأسس اول تنظيم للضباط الاحرار عام 1942 لتغيير نظام الحكم في العراق غير ان السلطات تمكَّنت من القضاء عليه واحالة اعضائه الى القضاء، كما وقف الجيش الى جانب الحركة الوطنية وظهر ذلك من خلال التظاهرات التي شهدتها بغداد والمحافظات، حيث قامت نخبة من طلائع الضباط المستنيرين بتشكيل "تنظيم الضباط الوطنيين" الذي أسماه الإعلاميون لاحقا بتنظيم الضباط الأحرار أسوةً بتنظيم الضباط الأحرار في مصر وذلك في نهاية عام 1949، وبعد الهدنة مع إسرائيل وانسحاب الجيش العراقي. ومن وجهة نظر الدول الغربية؛ فإن سلسلة المعاهدات مع العراق وبعض الدول العربية وآخرها حلف بغداد ما هي إلا صفقة استراتيجية الغرض منها هيمنة بريطانيا وفرنسا ومن ثم لاحقاً أمريكا على المنطقة لدواعي استراتيجية أهمها الوقوف بوجه الإتحاد السوفيتي والسيطرة على منابع النفط واستيلاء الولايات المتحدة على أرث بريطانيا وفرنسا على الأخص بعد حرب السويس أو ما سمي بالعدوان الثلاثي على مصر، ووقوف حكومة نوري السعيد بشكل معلن مع دول العدوان. وكانت هناك ضرورة ماسَّة للتطور السياسي ليتناسب مع حاجة الشعب من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية ، أي تحقيق تحسين الوضع الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وتحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات. فإذا كانت السلطة تسمح للتقدم والتطور حسب ما تفرضه المرحلة، يحصل هذا التقدم تدريجياً بدون ثورة ودون الحاجة إلى عنف، على الرغم من ان صبيحة 14 تموز 1958 لم تكن عنيفة ولم تسيل دماء كما حصل في جميع الثورات الضخمة، فقط حصلت أخطاء فردية طفيفة رغم تهويل الاعلام.                                                                              

 إذا كان الحكّام لا يؤمنون بالتطور ولا يعترفون بالحاجة إلى التغيير لمواكبة التطور والاستجابة لحاجة الشعب إلى التغيير، فتكون هذه السلطة تعمل لمصلحتها والبقاء في الحكم وبالتالي فهي حكماً يخدم اجندة خارجية لكي تحميها من شعبها الذي سيثور عاجلاً أم آجلاً للإطاحة بها . ومع مرور الزمن تزداد الحاجة إلى التغيير ويحتدم الصراع بين قوى التجديد والسلطة، فتضطر السلطة ومن أجل بقائها في الحكم، إلى استخدام العنف والإرهاب والقوة لقمع القوى المطالبة بالتغيير، إلى أن تتراكم الحاجة إلى التغيير مع الزمن أكثر فأكثر وتصل حداً تصبح الحياة غير ممكنة مع الوضع القديم، عندئذٍ ينهار الجدار الذي يقف أمام الهبّة الجماهيرية المطالبة بالانعتاق، ويحصل العمل الثوري، فتأتي سلطة تستجيب لحاجات التطور الاجتماعي ورغبات الشعب. فالعوامل التاريخية التي تراكمت وتمخضت عنها ثورة تموز 1958 عدة ، منها دخول حكومة نوري السعيد في سلسلة من المعاهدات وآخرها حلف بغداد التي كبَّلت العراق ببنود هيمنة جائرة على سيادته وموارده وقراره السياسي، وبعد بروز المد الوطني المعادي للهيمنة البريطانية والفرنسية والأمريكية، والتأييد الجماهيري الكاسح لهذا المد الذي تزعمته القيادات الثورية الشابة في بعض بلدان الوطن العربي ، وتصاعد المد الجماهيري المؤيد للحركات الثورية الوطنية والقومية ليشمل دولاً عديدة، وأصبحت حكومة نوري السعيد ورقة محروقة مُتَّهمة بل غارقة بالعمالة لبريطانيا.                                                     

وثورة 14 تموز 1958 لها دور في تغيير الاستراتيجية الأمريكية في العراق ،فهي مرحلة مهمة من المراحل التي مرَّ بها تاريخ العراق الحديث والتي انعكست آثارها ليس على العراق وحده وانما على دول الجوار والدول الأجنبية التي كانت متغلغلة في العراق وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية، فعلى الرغم من العلاقة الجيدة التي كانت قائمـة بين الحكومتان ومع وجود اجهزة المخابرات الأمريكية في العراق إلاّ أنها لم تستطع التنبؤ بالثورة ولا بزمان حدوثها، الأمر الذي شكَّلَ مفاجئة للامريكان هو مجيئ نظام حكم معادي لهم، ومثلما كانت هي ثورة ضد نظـام حكـم، كانت ثورة ضد الوجود الامريكي في العراق.         

ما كانت عليه الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السائدة آنذاك. وكيف كانت البلاد نفسها تمضي في مهب الريح، والدليل على ذلك تشكيل نوري السعيد ثلاث عشر وزارة استمرت كل منها فترة قصيرة قبل أن تسقط. بينما كانت البلاد تغرق في الفقر والجهل وتعيش تحت رحمة نظام إقطاعي ظالم مٌصادر لحقوق الفلاحين. لقد كان لتمادي الحكّام في التضييق على الشعب وانتهاك حقوقه في جميع المجالات الاقتصادية/الاجتماعية/الثقافية الدور الكبير لدفع الضباط الاحرار لتأسيس تنظيم لهم ،ولأن السياسة العراقية كانت تدور في فلك السياسة البريطانية فكانت بعض الحكومات العراقية غير جادة أحيانا بتنمية الجيش وتقوية قدراته القتالية والتسليحية وهذا السبب اجج مشاعر ضباط الجيش خاصة أصحاب الرتب الصغيرة الذين هم عماد الجيش ونواته الأساسية والتكاتف والتلاحم بينهم لاسقاط حكومة نوري السعيد والقضاء على الحكم الملكي واقامة النظام الجمهوري. 

اهم المباديء التي اقرها التنظيم هي ، ضرورة اعلان الجمهورية والغاء الملكية وتشكيل حكومة من الضباط والسياسيين الوطنيين من مختلف الفئات والتيارات الممثلة للمجتمع العراقي واعلان تشكيل مجلس تشريعي يدير البلاد باسم المجلس الوطني لقادة الثورة ويكون في عضويته تنظيم الضباط الوطنيين واعلان حل مجلسي النواب والاعيان والدعوة لانتخابات برلمانية جديدة لانتخاب اعضاء جدد للمجلسين اضافة إلى فسح المجال للاحزاب الوطنية بالعمل على والتمسك بالوحدة الوطنية العراقية الكاملة لكافة الاعراق والطوائف والقوميات بشكل متآخي من خلال منح حقوق جميع فئات الشعب الحقوق الثقافية كما اكدوا على مبدأ الأخوة مع الدول العربية والإسلامية .واعلنوا بان العراق يسعى إلى تحرير اقتصاده من خلال تأميم ثرواته وخصوصا النفطية وان العراق دولة من دول عدم الانحياز ولا يتكتل او يتحالف مع أي من القوى العظمى كما اعلن قادة الحركة بان الجمهورية العراقية تكفل حرية العمل الصحفي وذلك بمنح الصحف الاجنبية والمحلية بالعمل.كما يحترم العراق حق الاديان ويعتبر الاسلام اساس التشريع في الدولة والقانون.  

إن خوف  السلطة الحاكمة في ايران والمتمثلة بالشاه محمد رضا بهلوي من ان تؤثر ثورة 14 تموز عليه بشكل سلبي واندفاع الولايات المتحدة لتحل محل بريطانيا والخوف من الامتداد السـوفيتي الـى المنطقة كان لها الاثر الكبير في تقوية العلاقات الامريكية الايرانيـة، لـذلك طلب الشاه من الولايات المتحدة ان تتدخل في ايـران إذا ما تعرضـت إلـى هجوم من قبل السوفيت او اي جهة خارجيه بما في ذلك العـراق. ان الأمريكان عندما يريدون السيطرة على بلد ما او احتلاله يطلقون شعارات الديمقراطيـة والحريـة لإنقاذ البلدان من الانظمة الحاكمة التي تحكمها، وهذا ما كان واضحا من خلال تصريحات الرئيس الأمريكي ايزنهاور عنـدما تفاجـأ بـالثورة، والواقع ان هذا أسلوب من أساليب الاحتلال الأمريكي فهو يطلق حملـة دعائية كبيرة لحملته قبل تنفيذها لكي يبقي الرأي العام مشغولاً وهـذا الأسـلوب استخدمه الأمريكان أيضاً قبل احتلالهم للعراق عام 2003.          

ولولا وَإد ثورة 14 تموز في مهدها لكان العراق الان في مصاف الدول المتقدمة. ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة وككل الثورات كان الخلاف الايديولوجي بين الإطراف المختلفة من رجالها سببا في تداعيها والقيم النبيلة ولكنهم اخطأوا في تسويقها والارتفاع عليها بينهم، وما كان المرحوم عبد الكريم قاسم إلا الانسان النظيف اليد والضمير ولا يمكن مقارنة نظافة يده ووطنيته بأحد.عبد الكريم قاسم لن يكلّف احد بمسؤولية في الحكومة مالم يكن متأكد من طهارته، لم يأتِ بمزوري الشهادات بل جلب الكفاءات والحريصين مثل محمد حديد ... لم يتستر على المختلسين ولا على سراق المال العام وقوت الشعب. إن الثورة وجهت ضربة للنهج الطائفي الذي سارت عليه النخب العراقية الحاكمة منذ تأسيس الدولة العراقية عام1920. وفتحت الثورة الأبواب أمام العراقيين وبشكل متساو لتسلم المناصب الحكومية. وهذا مكسب كبير أزال التمييز بين الطوائف المكونة للنسيج العراقي فلم يعودوا مواطنين من الدرجة الثانية. وقد ناصبت العداء للثورة قوى كثيرة بضغوط إقليمية من شاه إيران وجمال عبد الناصر ومدت الجسور مع أقطاب التمييز الطائفي في الداخل ليدخلوا في حلف غير مقدس للإطاحة بالحكم الوطني في انقلاب شباط الأسود عام 1963.  

كان عبد الكريم قاسم وطنياً لا خلاف على ذلك بالرغم من الأتهامات الباطلة حول عمالته للأنكليز . وكان من أبناء الطبقة المتوسطة ولا يمكن لعسكري ينتمي بعقليته إلى تلك الطبقة مع وطنيته إلاّ أن يتصرف وفقاً لما تعلّمه وعرفه ومارسه في ذلك الوقت من نهاية خمسينيات القرن العشرين . ولابد لنا من تقييمه موضوعياً وتأريخياً فبالرغم مما أنجزه من أصلاحات وقوانين جيدة. عبد الكريم قاسم واحد من أهم الوطنيين العراقيين ، الذين وصلوا إلى حكم البلاد ، وكان الرجل نزيهاً وعفيفاً وعمل على اصلاح بلده، وخلافا لادعاءات القوميين وقت ذاك، فإن الزعيم عبد الكريم قدَّم الكثير لنصرة الثورة الجزائرية، وللشعب الفلسطيني، وهو لم يكن، كما ادّعوا، عدوا للوحدة العربية، وإنما كان رجلا واقعيا، ويرفض الوحدة الاندماجية التي أرادها الناصريون والبعثيون، وهي الدعوة التي فجّرت التناحرات الحزبية العنيفة، وأشعلت صراعات أربكت الثورة وزعزعتها، وشكلت ضغوطاً هائلة على خطوات الزعيم ، وأحبطت قراره بصياغة دستور دائم والانتقال لعهد أكثر استقراراً. تلك الصراعات قد تركت آثارها المُؤذية على التطور العراقي اللاحق . ولا زلنا نعاني من فرقة الأحزاب الوطنية في الوقت الحاضر ونحن نجابه حرباً طائفية وخارجية ،اضافة الى ماعانينا ولازلنا نعاني منه "الإرهاب".