لفت نظري في عدد "طريق الشعب" الصادر في 24 نيسان الجاري مقال للزميل د. أسماعيل إبراهيم تحت عنوان" الحرب في زمن العولمة"، وهو مقال قيّم في تقديري؛  لما ينطوي عليه من توخ بأكبر قدر ممكن من الموضوعية في تشخيص الحروب ومسبباتها والبوصلة السليمة لبناء مواقف الشيوعيين منها حتى في أشد الظروف بلبلةً وتعقيداً، كما هي الحال في الحرب الروسية- الجارية الآن على أراضي أوكرانيا الحبيبة، توأم روسيا في بناء أول دولة أشتراكية في التاريخ،  والتي تربطها أشد أواصر علاقات القرابة والرحم، ناهيك عن مختلف العلاقات السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية منذ قرون . وليست هذه العلاقات المتميزة بين التوأمين الجارين هي التي تفرض على الشيوعيين ومحبي السلام في العالم توخي الحذر من الوقوف إلى أحدهما  ضد الآخر فحسب؛ بل والأهم من ذلك وكما قال الكاتب -عن حق- فإن روسيا "البوتينية" قد تحولت اليوم إلى "دولة أمبريالية"،  تماماً كما كانت عشية ثورة أكتوبر 1917 الإشتراكية،  رغم سمات بنيتها الاجتماعية المتخلفة وكذا أسلوب الأنتاج فيها، وهو بالطبع الآن أضحى أكثر تطوراً نسبياً مقارنةً بوضعها حينذاك، أو كما عزاه الكاتب لوجود فيها "درجة عالية من تركيز رأس المال" ؛ وهذا "التركيز" ماكان ليحدث في تقديرنا لولا أستغلال الرأسماليين الجُدد  لما راكمه الأتحاد السوفييتي حتى أنهياره من أنجازات صناعية وتكنولوجية وفضائية وسرقات هائلة لقطاعه العام الإشتراكي، وليس مقارنةً بما بلغته الدول الرأسمالية الأمبريالية الكبرى من قفزات مذهلة من التطور في تلك الميادين،  وهو تطور لا ينفي ما يوجد من تفاوت بين التشكيلات الرأسمالية- كما ذهب الكاتب- وهو ما ينطبق على الرأسمالية الأميركيه وحليفاتها الكبرى بريطانيا وفرنسا وألمانيا وكندا مقارنة بالرأسمالية البوتينية الوليدة . ومن ثم يصح ما قاله الكاتب: أن بناء الموقف من كل حرب إنما يتحدد بناء على المصالح الطبقية لأولئك الذين يخوضون الحرب وتتناقض مع مصالح شغيلة اليد والفكر، وأضيف من جانبي: كما تتناقض مع مصالح من يخوضون الحرب نفسها من خلال تأييد أحد الطرفين،  سواء بالدعم المالي والعسكري أو بالدعم السياسي المعنوي والإعلامي، وهذاما ينسحب  أيضاً على الكتّاب والقوى اليسارية الذين نجد الكثير منهم اليوم  يتحمسون بشدة للدفاع عن  روسيا بلا أدنى حدود، سواء بوعي منهم أو بدون وعي، وأبادر إلى القول - وإن في حدود علمي - بأن الحزب الشيوعي العراقي جاء في صدارة القوى اليسارية - والشيوعية بوجه خاص- التي شخصت هذه المسألة الحساسة الضبابية بموضوعية ودقة في وقت مبكر منذ أندلاع الحرب . 
وأذكر بكل تواضع بأني نبهت إلى خطورة ما أقدمت عليه روسيا بمبادرتها لشن الحرب على شقيقتها الجارة اوكرانيا  لما لها من أنعكاسات خطيرة مدمرة  على الشعبين،  وبخاصة الشغيلة فيهما وسائر الطبقات الكادحة والمعدمة.  ومن نافلة القول أن ما يزيد من خطورتها أن كليهما لم ينفضا عنهما بالكامل من ما خلفه أنهيار الأتحاد السوفييتي من غبار خراب شامل، وصحيح أن روسيا البوتينية أعادت بناء نفسها بمستويات معقولة من التطور الصناعي ولا سيما في الصناعات العسكرية، لكن علينا التساؤل من هي الطبقات المستفيدة من ذلك التطور؟ أوليست  الأوليجاركشية الروسية ومليارديرياتها الفاسدون؟ 
أو ليس وصول بوتين للسلطة جاء بفضل آليات النظام الديمقراطي الذي صممه الغرب وطبّل له؟  وقبله وصل الفاسد الأكبر يلتسين إلى السلطة  الذي عاث في بلده بالطول والعرض فساداً وجعلها مرتعاً للأمبريالية الأميركية التي يدعي اليوم بوتين مناصبتها العداء بتوليفة قومية مطعمة بالمفردات الماركسية، بما في ذلك أستغلال ملحمة النصر الكبرى حققتها الشعوب السوفييتية على النازية ؟ 
علماً بأن روسيا لا تختلف اليوم من حيث النمط الشمولي البوليسي المخابراتي الذي شيّده ستالين والستار الحديدي الذي فرضه وترك آثار وجوده على الأتحاد السوفييتي حتى أنهياره. أو لم يعسكر بوتين الصناعة التي تأكل نصيباً كبيراً من مجمل الصناعات المدنية ويعطيها الأولوية  في صادرات روسيا ويبيعها بصفقات كبيرة للدول الدكتاتورية والرجعية لحماية عروشها والمحمية أصلا بصفقات التسلح الغربي والقواعد الأميركية؟ وهو الآن جعل من حربه على أوكرانيا حقل تجارب لاستعراض مزاياها الحربية في دقة الإصابة كما تذهب البروباغندا الروسية في إعلامها. وإذا كان الدكتور إبراهيم تفضل مشكوراً بإعطاءنا  أرقاماً  مفزعة عن نصيب الفرد من الإنفاق العسكري في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وكندا،  فإننا نتوقع ألا يختلف حجم نصيب الفرد في روسيا عن تلك الأرقام كثيرا، وإن كانت غير متوفرة حالياً .  
عرض مقالات: