أيام مرعبة عاشها العالم في الأشهر الأولى من تفشي وباء كورونا، وربما تشابه خطورتها ومخاوفها، التهديد بالأسلحة الفتاكة والقنابل النووية، وسلاحاً لا تعرف البشرية سبيلاً لمواجهته أو الهروب منه، وحرارته لا يراها إلّا من يُصاب، تدور حولنا ولا قوة دولة تحمي ولا ملجأ يهرب اليه إنسان.

كورونا كحرب، قتلت وأصابت مئات الملايين، وكشفت عن عالم يتسابق على القوة السياسية والإقتصادية والعسكرية والعلمية، وأوضحت مستوى التعامل الإنساني والأخلاقي في داخل الدولة الواحدة وبين الشعوب وحتى العائلة، جعلت من أقرب قريب نشعره عدواً، شاهدنا خلالها تلك الدول التي تتسابق على صنع الدواء أو اللقاح، وشاهدنا تعاون بعضها وإخفاءً لمراحل الإنتاج من آخر، منه من حاول استغلال الأزمة لتكون مكسباً إقتصادياً وسياسياً وعلمياً.

أظهرت أزمة الوباء حجم الأزمات الإنسانية والفكرية، وكشفت زيف بعض الادعاءات الدولية بالتقدم وهي عاجزة أمام فايروس، فتوقفت الأساطيل وحاملات الطائرات والمصانع العملاقة، ورسمت خارطة الإصابات توقعات غير ما تظنه الشعوب، ولم يتصور فردٌ في أنحاء المعمورة أن الدول النووية هي الأكثر تأثراً، فكانت الولايات المتحدة الأمريكية في طليعة الإصابات والوفيات، ثم الدول المتقدمة صناعياً وإقتصادياً، فيما كانت زيادة أخرى في الهند نتيجة كثرة عدد السكان والفقر، لكن نسبة الإصابات للسكان قد تكون أقل من الدول الأوربية.

أعطت طبيعة التعامل الدولي مع الجائحة، عدة انطباعات في آلية توزيع وبيع اللقاحات، وكان أثر السياسة والعلاقات بين الدول مهماً في توزيعها، والشعوب الفقيرة أقلها في الحصول على اللقاح، ومنعت عن دول أو دول منعت الاعتراف بلقاح دولة ما لأسباب سياسية، لا علمية، وهكذا تبادلت دول تهمة بأنها سبب الوباء أو وسيطه الناقل للتأثير وتحقير دول وشعوبها، فكان العالم حتى في الوباء منقسماً الى تحالفات وخنادق.

هكذا تعامل العالم مع الوباء بسياق النظام العالمي القائم على القطبية الواحدة، ولكنه كشف أن الترسانات الحربية عاجزة ،ولا تنفع صواريخ عابرة للقارات، ولا البوارج التي تجوب العالم للتدخل في صراعات تفتعلها سياسات، والولايات المتحدة الأمريكية أو العاجزين وأكثر الخاسرين، وأن كل قوتها الاقتصادية والعلمية مسخرة لصناعة السلاح والموت، وهكذا من نعتقدها متقدمة، فهي من تسخر كل ما تملك للحروب وقتل البشر، أكثر مما تفكر بالبناء الإنساني والتعاون المشترك، وحتى تلك الأزمة استُغلت لتمرير مصالح، لا كارثة من المفترض أن تتآزر الدول للخلاص منها.

إن الحرب الروسية الأوكرانية، منذ فترة تدق طبولها، ودول العالم انقسمت الى معسكرات، وحتى من تعلن رفضها الحرب، الآن هي من دفع الطرفين للحرب، لكنها هذه المرة ستتجرع ويلاتها وستكون لها انعكاسات سلبية، عكس ما كانت تتوقع، وستكون المنطقة موبوءة بالمتطرفين والمتشددين والإرهابين، وتزداد حركة النزوح من مناطق القتال، ما له من انعكاسات اقتصادية واجتماعية وأمنية على دول كثيرة، ومئات آلاف يحتاجون الى عمل تعجز دول من القيام بها وسيكونون مصدراً لتهديد استقرارها.

ستعيد الأحداث رسم خارطة العالم من جديد، وتتضح الصورة أن الدول التي نسميها كُبرى ستحصد ما أنفقت عليه من أموال لصناعة الحروب والقتال في بقاع مختلفة من العالم، وهذه المرة سيعود خراجهم عليهم، ومثلما كشفت كورونا أن هناك تعاملاً غير عادل في مواجهة وباء وبلاء، فإن أحداث أوكرانيا ستكون محكاً حقيقياً واختباراً لقدرات تلك الدول من الجوانب العسكرية والإقتصادية والسياسية والإنسانية، لكنها ستغير الخارطة العالمية وستضعف أقطاباً وتظهر أقطاباً أخرى، ونحن على موعد مع نظام عالمي جديد.

 
عرض مقالات: