منذ أن استلم الرئيس جو بايدن السلطة من الرئيس السابق ترامپ وهو يحاول عبر مجموعة من الإجراءات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي يتخذها من بينها استخدام عصا العقوبات، أن يُظهر نفسه للشعب الأمريكي والعالم بأنه أكثر تشددا وصرامة نحو روسيا والصين.

وفجأة وجد العالم نفسه أمام خطر اندلاع حرب المدمرة عندما شنت الولايات المتحدة ودول حلف الأطلسي حملة إعلامية شرسة ضد روسيا متهمة إياها بتحشيد قواتها على الحدود المشتركة مع أوكرانيا بهدف التخطيط لغزوها، متوعدين روسيا بأشد العواقب إن تجرأت وعبرت حدودها الدولية مع أوكرانيا، والذي نفته موسكو جملة وتفصيلا، مطمئنين العالم من أنه ليس لموسكو النية أو المخطط للقيام بهذه المغامرة.. لكن بالمقابل فقد صرح وزير خارجية روسيا مؤكدا نفي بلاده صحة هذه الأنباء متهما الولايات المتحدة وحلف الناتو بتأجيج الأوضاع ونشر الأكاذيب محاولين إظهار روسيا كخطر يهدد السلم العالمي، وللتغطية على مخططات حلف الناتو للتمدد شرقا ووضع المزيد من المعدات العسكرية الهجومية على حدود روسيا، إضافة لذلك التنصل من المواثيق الدولية الموقعة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، وهذه المواثيق هي ( ميثاق إسطنبول عام ١٩٩٩) و (اعلان استانا عام ٢٠١٠) اللذان يوضحان العلاقة بين روسيا وحلف الناتو، إذ تمنع هاتين الوثيقتين تمدد حلف الناتو شرقا بهدف تهديد أمن روسيا حيث أعرب وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف "من ان الغرب يحاول تجاهل المبدأ الأساسي للأمن الجماعي في عدم قابليته للتجزئة في اوربا، كما ان تلك الوثائق لا تسمح بتعزيز أمن الغرب على حساب أمن الدول الأخرى.

ويبدو أن هناك نهجين رئيسيين ومترابطين: الأول، يحق لكل دولةً اختيار التحالفات العسكرية بحرية معترف بها. ثانيا، التزام كل دولة بعدم تعزيز أمنها على حساب أمن الآخرين، بمعنى أنه تستطيع الدول مثل اوكرانيا، وجورجيا وغيرها الانضمام الى الناتو ولكن على ألا تكون خصما وتهديدا أمنيًا لأي دولة اخرى من دول منظمة الأمن والتعاون في اوربا، بما في ذلك روسيا، وهذا هو منبع قلق روسيا وجوهر القضية من تصاعد حدة العداء لها والتهديدات الغير مبررة تجاهها من قبل الناتو والولايات المتحدة. وما يزيد الطين بله كما يقولون فإن وسائل الاعلام الغربية بدفع من إدارة الرئيس بايدن تضخ أخبار "الهجوم الوشيك" لروسيا ضمن حملة واسعة وضجيج اعلامي مرعب وخطير محاولين من خلاله حرمان روسيا من حقها في الدفاع عن أمنها القومي حيث رفضت روسيا مرارا اتهامات الغرب وأوكرانيا بارتكاب "أعمال عدوانية" ، قائلة إنها لا تهدد أحدا ولن تهاجم أحدا، وأن التصريحات بشأن "العدوان الروسي" تستخدم كذريعة لوضع المزيد من المعدات العسكرية للناتو بالقرب من الحدود الروسية.
من الملاحظ ان هناك فجوه كبيرة بين الموقف الأمريكي والغربي من جهة والذي يصر بأن روسيا حشدت قواتها الكبيرة على حدود أوكرانيا الهدف منه غزوها واحتلالها، وبين موقف روسيا الاتحادية  من جهة أخرى والذي ينفي تماما نية روسيا لغزو أوكرانيا وبالمقابل يتهم الغرب بتهويل القضية وبث الرعب في المنطقة من أجل صرف الأنظار عن تحشيد الناتو للأسلحة والمعدات العسكرية الهجومية في الدول الأوربية المحيطة بروسيا والتي تهدد أمنها وسلامتها خاصة وأن روسيا قد كشفت عبر وسائلها الاستخباراتية والصور التي حصلت عليها من أقمارها الصناعية بأن الولايات المتحدة وحلف الأطلسي قد زرعوا في أوربا رؤوسا نووية في عدد من البلدان الأوربية الغير نووية من أجل استخدامها ضد المرافق الحيوية في روسيا أو التهديد بها وحرمان روسيا من وسيلة الردع، وهذا هو جوهر غضب وهيجان حلف الناتو، ولربما هو السبب أيضا في طلب أميركا من روسيا عدم الكشف عن فحوى الرد الأمريكي على مذكرة الروس.

إن الجانب الروسي ليس فقط يستبعد نشوء نزاع عسكري بينه وبين أوكرانيا، لكنه أيضا يحذر الغرب من مغبة ارتكاب خطأ تهديد أمن روسيا لأنها لن تقف مكتوفة الأيدي حيال ذلك. وهذه الرسالة وصلت إلى الرئيس بايدن ودول حلف شمال الأطلسي، وإذا قرأنا جيدا البيان المشترك الذي نشر عن اجتماع ماكرون وبوتين اليوم فنستطيع التأكيد على ان شبح الحرب في البلقان لن تحدث وهناك فسحة كبيرة للحوار العقلاني الذي يزيل مخاوف الطرفين. كما ان تلويح الغرب بعصا العقوبات الاقتصادية وتهديد مشروع السيل الشمالي ٢ لن تجدي نفعا لأنه ليس روسيا فقط ستتأثر بها ولكن العديد من الدول الغربية ستخسر الرهان عليها. ورغم أن الحوار بشأن الضمانات الأمنية التي تطالب بها روسيا لم ينته بعد، إلا أن روسيا وعلى لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف قال "لن تسمح لأحد تجاهل مصالحها".

إذن فالحرب وضمن المعطيات الحالية والحوار وتبادل الزيارات بين الفرقاء تكاد تكون بالون اختبار لمدى جدية رفض الروس لتمدد حلف الناتو شرقا، وإن كان التهديد بالعقوبات سيليّن موقفهم منه. لذلك أجد بأن لا مفر من العودة إلى طاولة المفاوضات سواء بشأن اتفاقيات مينسك، او بشأن الضمانات الأمنية التي تطالب بها روسيا. فالجميع يعلم أن اندلاع حرب ثانية في القرم وضمن الأسلحة الحالية يعني بالتأكيد توسعها ويحل الدمار العالم كله. إن أوربا وروسيا وقد اصطلوا بمآسي الحروب يعون جيدا مخاطرها ومعانيها.

عرض مقالات: