وأنا أهمُ بالكتابة.. تأملت ُ في أوراق ٍ بيض ، فإذا به كأنه يستبق ويمثل بين يديّ:  أوّل دفتر ٍ امتلكته، اشتراه أبي وكتبَ عليه: دفتر الإملاء. - بطلب من معلمة القراءة – ثم توالت الدفاتر.. دفتر إنشاء .. دفتر قواعد .  دفتر رياضيات وآخر لل E ..

كانت دفاتر بسيطة  ومع  مراحلي الدراسية تطورت دفاتري  غلافٌ جميل وخط انيق ومواضيع تحتاج للكثير من الشرح والتعريف والتعليل وكتابة التجارب والنتائج.. وهناك دفتر المختبر وكراسة الخرائط الصامتة وكراسة درس الفنية..

 صارت دفاتري تمتلكني، صيرتني جندية ً تسيرُ على سطورها: مكرهة ً

 مجردة من حريتي في كيفية التعامل مع أوراقها . أحيانا  اتمرد .. ارسمُ وردة ً..  طائرا ً..  أو دوائر متداخلة أو كلمة ً .. في طرف الصفحة ولم يمر ذلك دون عقاب من المعلمة أو تأنيب أبويّ واتهامي بتوسيخ الصفحات..

الآن كلما اشتريتُ دفتراً، اتصفحه متسائلة لمن اشتريته؟ ماذا سأكتب ُ على صفحاته؟ .. افتح الصفحة الأولى اتركها للفراغ وأتجاوزها للصفحة الثانية اكتبُ تأريخ اليوم  وساعة بدء كتابتي على الصفحات الأخرى، ثم اختزل يوما مني وأدسه سطورا، اتذكر حلم َ البارحة واجعله يقظا ً في دفتري، في الصفحة الأخيرة وهي الصفحة الأولى بالمقلوب، أخزن ُ ذاكرتي، ادون فيها : مستلزمات الحياة اليومية .اتذكر وأنا مبتسمة البال: دفاتر طفولتي وصباي، الجهمة كالحراس. الآن تتنزه ممراحة حريتي بين صفحات الدفاتر.

 أحيانا نجعل الدفاتر قاحلة ً أو نصيرها مروجا  وثمة دفاتر تحرقها آهات ٌ وحسراتٌ وندمٌ .

 في دفاتري  حدائق من حياتي وأحلامي وألوان أزيائي.

 دفاترٌ كالقوارير، دفاتر كأوتار العود، وفي العود محبرة زرقاء لا تفنى

الدفاتر كما الشوارع.. ثمة شوارع تقيدنا ارصفتها  تأخذنا  كما تريد هندستها  وثمة شوارع تسيرنا في متاهاتها  ونخادع بعضنا: التيه حرية ٌ

الدفاتر تفتح لنا صفحاتها بكل بياضها تقول: ضع كل افكارك هنا بقلبي وانظر أينا أكثر صبرا ...

كم  مرة نفذت طاقتي وصبري ومزقتُ وعقجتُ  بعض دفاتري و أوراقي  ورميتها غير مبالية بألمها ويتمها وتشريدها..

هناك من يرى أن الدفاتر بغوايتها تسلبنا المكنون والمضنون... المكنوز فينا.

قلمي يحك جلد الصفحات، فتترتب بنات حروفي على السطور... 

وأنا اسحب بعض أوراق.. فنجان قهوتي..لا..

لا يندلق، ربما الصفحات تريد حصتها من البن، لتطلق كائناتها في روايتي.

يوقظني صوت في منتصف الليل أو يقودني قبيل المساء: اصغي لما تسولفه فيما بينها دفاتري.. فأدرك حقيقة كينونتها: أنها كائنات تتنفس.

دفاتري : مراياي المتوارية في مكتبتي

عرض مقالات: