نشرنا فصلا عن الصين في  جريدة الاتحاد الغراء – عدد 1264 السبت 10 / 4 / 2006 - نقلا عن مخطوطة ملحقة بكتاب طبائع الحيوان للمروزي  نشرها مينورسكي مصورة و مترجمة الى الانجليزية عن مخطوطة للمتحف البريطاني عام 1942م.

وننشر هنا الفصل الخاص عن الهند ، ولم نتدخل في التعليق او تصحيح ما ورد في المخطوطةـ سوى وضع بعض العناوين الفرعية ـ من اجل ان تتوفر كما هي في الاصل بين أيدي القراء ، ومن ثم يستطيع من يشاء من قراء وباحثين تصحيح وتصويب ما ورد في المخطوطة ، كما ورد في الفصل السابق ان المروزي توفي عام 1425 م والصحيح انه توفي بعد عام 1120 م.

  الهند أمة عظيمة كثيرة الاجناس مفتنة الانواع متباينة الاراء والديانات وهم ساكنو الربع الجنوبي من الارض المسكونة وبلادهم كثيرة ممتدة الارجاء متقاذفة الاطراف الى منتهى العمارة حيث ينقطع الحرث والنسل وينعدم كون الحيوان.
واجناسهم المشهورة سبعة وهم الشاكبيرية، وهم اشرفهم جنسا، يسجد لهم جميع الاجناس وهم لايسجدون لأحد وفيهم الملك، ومنهم البراهمة وفيهم الرياسة دون الملك وهم يسجدون للشمنية ، والشمنية لايسجدون لهم ومن جنسهم من لايشرب الخمر والانبذة، ومنهم الكشترية ـ الكشبرية ـ ، لايشربون فوق ثلاثة ولاتزوجهم البراهمة ويتزوجون منهم ، ومنهم الشودرية وهم اصحاب الزراعة والفلاحة تتزوج منهم الكشترية ويزوجونهم فاما البراهمة فيتزوجون منهم ولايزوجونهم، ومنهم البيشية ـ البشية ـ وفي جنسهم اصحاب الصناعات والمهن لايزوجهم أحد ممن ذكرنا ولايتزوج منهم، ومنهم السندالية وهم اصحاب اللحون واللهو وفي نسائهم جمال وربما افتتن بهن البراهمة حتى يتركوا دينهم من اجلهن ولايمسهن أحد من تلك الاجناس، ومنهم الدنبته قوم سمر أصحاب لعب ومعازف وهم في طريق السندلية عند الناس والسندلية لا يختلطون بهم ولا يزوجونهم ولا يتزوجون منهم ، واما آدابهم وعلومهم فمنها الرُقى يزعمون انهم يدركون بها ما ارادوا ويشفون بها السم ويخرجونه ممن سقي ويلقونه على غيره، ومنها الوهم والفكر يزعمون انهم يدركون بها العجائب ويفعلون بها في الغائب ويحلون ويعقدون ويضرون وينفعون، ومنها عمل النيرنجات وأخذ العيون واظهار التخاييل التي يتحير فيها الاريب ويبهر عقل اللبيب ومنهم السيمابندات وهي الطلسمات العجيبة التي يفعلونها ويبدعونها ومنها ادعاؤهم حبس المطر والبرد واقرار من هناك به لهم حتى يعطى صاحب ذلك العلم في كل سنة شيئا معلوما، ومنها علم الطب ودعواهم في الطب الامور العجيبة في حفظ الصحة ومنع الشيب وزيادة في القوة والذهن وابراء الادواء المزمنة الممتنعة، ومنها علم الحساب والهندسة والنجوم وحذقهم فيها، ومنها علم اللحون واللهو واتخاذ انواع المزاهر وعلم الرقص الذي لايبلغ مبلغهم فيه غيرهم ومنها علم الحروب وضروب التعبية وانواع الاسلحة والسيوف التي يضرب بها المثل في الجودة مع ضروب الطبول والنايات والبوقات الموضوعة على صوت الفيل والاسد والببر وغير ذلك من الآلات التي صوتها يفزع قلوب الرجال ، وفي هذا الجنس قوم يجاورون جبل الدائر في شرقي الهند في بلاد يقال لها قامور (قامرون !) لهم حظ من الجمال فوق ما لجميع الامم، فاما الملل والأهواء التي في هذه الاجناس فهي تسع وتسعون فرقة يجمعها اثنان واربعون مذهبا فمنهم من يثبت الخالق ويعترف بالانبياء ومنهم من يثبت الخالق وينفي الرسل والانبياء ومنهم من ينفي الخالق والرسل ومنهم من ينفي الكل ويثبت الثواب والعقاب وهم الشمنية ومنهم من قال ان الثواب والعقاب التناسخ في السعادة والشقاوة والجنة والنار على قدر العمل بلا دوام. فممن اثبت الخالق البراهمة زعموا ان رسول الله اليهم ملك من الملائكة يقال له باسديو أتاهم في صورة البشر برسالة من غير كتاب له أربع أيد في احدى يديه سيف مسلول وفي الثانية سكة الفدان وفي الثالثة سلاح يقال له شكرة ـ شكر ـ على هيئة حلقة كبيرة حادة الطرف وفي اليد الرابعة وهق وهو على العنقاء وله اثنا عشر رأسا كل رأس يشبه رأس حيوان ، ولهم في هذه تأويل يطول تفسيره وقالوا إنه أمرهم ان يتخذوا على مثاله صنما يعبدونه ويطوفون حوله كل يوم ثلاث مرات بالمعازف و وقود الدخن وأن يعبدوا البقر ويسجدوا لها حيث لقوها وأن لايجوزوا نهر كنك و لادين لمن جاوزه من البراهمة.
المـهادويـة
ومنهم المهادوية زعموا ان رسول الله اليهم ملك من الملائكة يقال له مهادوية أتاهم في صورة البشر وهو راكب الثور على رأسه إكليل مكلل بعظام الموتى متقلد بقلادة منها باحدى يديه قحف انسان وبالاخرى مزراق ذو ثلاث شعب ويستظل بظلال من ذنب الطاووس امرهم بعبادة الله وأن يتخذوا على مثاله صنما يعبدونه وهو سبيلهم الى الخالق ولايعافوا من شيء لان الاشياء كلها من صنع الخالق وان يتقلدوا بأعظم الناس ويتخذوا منها اكاليل وان يمسحوا وجوههم واجسادهم بالرماد وان يستروا من اوساطهم الى أقدامهم بخرق عرضها اصبعان على طول ما بين الكعب الى اوساطهم على ضروب من الالوان غير مركبة ولا مخيط بعضها على بعض الا عند اوساطهم محرم عليهم الذبائح والنكاح وجمع الاموال ومعاشهم من الصدقة وهم مهرة بعجيب الرُقى ، ومنهم الكابالية زعموا ان رسولهم ملك من الملائكة يقال له شِب أتاهم في صورة انسان يتمسح بالرماد على رأسه قلنسوة من لبود حُمر طولها ثلاثة أشبار مخيط عليها صفائح من قحف انسان قد تقلد وانتطق وتسور وتخلخل من أعظُم الناس باحدى يديه قحف انسان وبالاخرى طبل مثل المهادوية وامرَهم ان يتخذوا على مثال ذَكَر الانسان شيئا مدورا طوله ذراعان وقطره ذراع واسمه شيلند وتفسيره ذَكر المبعوث وأن يعبدوا ذلك الذكر لزعمهم ان سبب التناسل في العالم الذَكَر ، فهم عراة ليس لهم الا قلنسوة على ذلك المثال وقد علقوا من طرف ذكرهم جرسا عظيما ثقيلا لايمكن معه الانعاظ لتحريمهم النساء ، لايمرون بأحد من اهل ملتهم الا سجدوا له وحرّكوا ذلك الجرس المعلق من ذكرهم تقربا اليه ، ومنهم من يثقب جسده ثقبا ويعلق منها حلق النحاس أو الحديد أو الرصاص كما يعلق من الاذان وقد ركب بعض الحلق على بعض كأن عليه الدرع .
الرامـانـيـة
ومنهم الرامانية وكان رامان ملكا جبارا فتعدى طوره وادعى الرسالة وامر قومه بعبادته وزعم ان ذلك يؤديهم الى ارضاء الخالق وترهات كثيرة، ومنهم الراونية ذكروا انهم استدلوا براون على الخالق لقبوله توبته والحربة التي أعطاه فصيروه نبيهم .
واما الذين اثبتوا الخالق والثواب والعقاب وما اثبتوا الرسالة فزعموا ان الله قد دعا الخلق الى عبادته ولم يحوجهم الى أحد بما جعل في قلوبهم من حب الخير وبغض الشر أن لا يأتوا الى أحد لايرضونه من غيرهم فذلك شريعة لهم في عقولهم ولا حاجة بالله الى عبادة الناس وزعموا ان الوصول الى الجنة باستعمال العقول ومخالفة طبيعة الابدان ومن هؤلاء من قال انه لايجزيه ذلك حتى يعذب جسده ويشغل طبيعته بانواع العذاب التي لايكون معه فراغ للطغيان ولا تشوف الى مجون ، ومنهم من يزعم ان إصابة الحق والهجوم على حقيقة الامر في إتلاف الابدان والنجاة منها اذ كانت الانفس تكتسب كل إثم وهي التي تزين كل قبيحة وتثبط عن كل كريمة ، ومنهم اهل ملة الرشية وهم قوم عطلوا الحواس بطول الفكر وزعموا انه تجلت لهم الملائكة حتى استفادوا منهم ما وضعوا به الكتب والاداب والرُقى خاصة وموضعهم الجبال يتخذون لانفسهم الاكنان من النبت والحشيش ويأكلون الثمر والحشيش عامة دهرهم مغمضة اعينهم مجيلة فكرهم ومنهم النكربنتية يعنى المصفدون بالحديد يحلقون رؤوسهم ولحاهم لايسترون من أبدانهم الا العورة ويصفدون أوساطهم الى صدورهم بالحديد لان لاتنشق بطونهم من كثرة العلم وليس يعلّمون أحد ولا يكلمون حتى يدخل في دينهم .
الكـنـكايـاتـريـة
ومنهم اهل ملة الكنكاياترية وهم متفرقون في جميع بلاد الهند من سنتهم إذا أذنب رجل ذنبا أو عق والدا او اجترح سيئة شخص من حيث كان من اقاصي الهند وادناها حتى يأتي نهر كنك ويغتسل فيه فان فيه كفارة لذنبه وان مات في سفره قُبل ذلك منه ، ومنهم الراجترتية وهم شيعة الملك في دينهم خدمة الملوك وتأييد سلطانهم ، يقولون مانصنع بالعذاب لانفسنا بلا دفع مضرة ولا جذب منفعة وهم أثقف امة على الحرب بالسيف والترس وأصبرهم عند اللقاء وأقلهم جزعا وأقنعهم باليسير الى وقت الاستحقاق ، ومنهم البهادرية ومن سنتهم تطويل الشعور وارسالها من جميع جوانب الراس بالسواء وينظرون من تحت شعورهم ، عليهم اقبية أخرجوا ايديهم من اكمامها فهي معلقة بين ايديهم وخلفهم وعروا صدورهم وظهورهم وشدوا اوساطهم بالسلاسل مع كل رجل منهم رجل بيده تلك السلسلة يحفظه ان يهيم لما قد اتاه من القوة والأيد لشدة دخوله في الدين، لايشربون الخمر ويحجون الى جبل لهم يقال له حورعر وينوحون على بهادرز ويمدحون جون ـ حون ـ الذي اتخذ الارض من جلد بهادرز والجبال من عظامه والماء من دمه والشجر والنبات من شعره و يزعمون انهم كانوا ثلاثة إخوة : بهادرز وجون ومرش ، ومنهم المهاكالبكتية، لهم صنم يقال له مهاكال يزعمون انه عفريت يستحق العبادة لعظم قدره ولهذا الصنم أربع أيدي ولونه اسهانجون كثير الشعر كاشر الناب كاشف البطن على ظهره جلد فيل يقطر منه الدم وفي اذنيه ثعبانان مع ترهات أُخر .
الـديـوياتريـة
ومنهم الديوياترية- الديواثرية - ومن سنتهم أن يتخذوا صنما يحملونه على عجل قد ضرب فوقه قبة رفيعة ويجرون العجلة ويطوفون به على الناس معهم المعازف وضروب اللعب ولا تبقى يومئذ زانية في البلاد الا حضرت مع اكثرهن رجالة بين يديهن وهن على الفيلة والخيل عليهن الحلي النفيس الكثير فلا يزالون يطوفون به وذلك في فصل الربيع ثم يردون الى موضعه ولهذا الصنم خزائن فيها صور وجوه الناس ممن مضى من الملوك ورؤساء البلد واصحاب الملك وصور الدواب والطير والسباع فيلبسهم الناس في ذلك اليوم وهو عيد لهم فاذا انقضى العيد رُد ذلك كله الى خزائنه ، ومنهم البهكمتية – الدهكينية – ومن سنتهم أن يتخذوا صنما على صورة امرأة على رأسها تاج وفيما بين ايديها سيف مسلول وأِشياء أُخر من الاسلحة وغيرها فاذا دخلت الشمس الميزان يتخذون عرسا وعيدا عظيما بين يدي الصنم ويجمعون من الثياب واغصان الشجر ما قدروا عليه وكذلك انواع الطيب ويأتون بالقرابين من الغنم والبقر والجواميس ويطرحون لها العلوفة فاذا طامنت رؤوسها ضربوا أعناقها بالسيوف بين يدي الصنم ويقتلون من أصابوا بالغلبة – بالغيلة – قربانا له حتى ان الناس يتحرزون من الغلبة في تلك الايام واما ملوكهم فانهم يأخذون رجلا أشقر أزرق وينصبون بين يدي الصنم خنجرا أو شيئا مثله ويأمرون بالسجود للصنم على الخنجر وقد شُد كتافا فاذا وصل جبهته الى الخنجر ضربوا على رأسه ضربة يدخل الخنجر بها في رأسه حتى يصل الى دماغه ويعتقدون انهم ينالون به ثواب الدنيا والاخرة ثم يعتزفون وبهم سرور عظيم ولهو ولعب وأكل وشرب ، وهذه ملة مذمومة عند جميع الهند.
الجـلـبهـكـتـية
ومنهم الجلبهكتية يعني عباد الماء ، وهم يزعمون ان مع الماء ملكا وانه اصل كل نشوء وبه قوام الحيوة وبه يكون البقاء والعمارة و الولادة والطهارة ويدخل الرجل فيه الى وسطه ويعوم فيه ساعتين أو اكثر وبيده انواع الرياحين ثم يقطعها صغارا ويرمي القطعة بعد القطعة في الماء وهو يسبح ويقرأ فاذا أراد الانصراف اخذ من الماء فقطّره على رأسه وعلى ما ظهر من بدنه ثم يسجد له وينصرف .
الاكـنـهـوطـريـة
ومنهم الاكنهوطرية وهم عبدة النيران ويحفرون لها اخدودا مربعا ويجتمعون عليها ويطوفون حولها ويطرحون فيها من الاطمعة والكسوة والطيب والذهب والفضة والجواهر ما وجدوا ولهم ملوك وعظماء ويقولون ان النار اشرف العناصر الاربعة واكرمها جوهرا و يثلبون من أحرق نفسه بالنار ويقولون إنه ملك من الملائكة ويتخذون له صنما على عَجَل يجره اربعة بطوط وبيد الصنم جوهر وهم يصومون النصف من كل شهر ولا يفطرون حتى يروا الهلال و يصعدون السطوح عند الهلال ويدخنون الدخن ونظروا اليه على وجه حسن ثم نزلوا وأفطروا ولعبوا ورقصوا بين يدي الصنم ومنهم قوم يعبدون الشمس وقد اتخذوا لها صنما يجره اربعة أفراس وبيد الصنم جوهر على لون النار ويزعمون ان الشمس ملك من الملائكة ويتقربون اليها بالسجود والطواف والدُخَن وانواع المزاهر وله ضياع وغلات ولهم فيه ضروب من التهاويل والفتن .
الـبهابـريـنـية
ومنهم البهابرينية ومن سنتهم ان الرجل منهم يدخل المقابر ويحمل من الموتى أفظعهم حالا لانهم لايدفنون موتاهم ثم يدخل البلد ويوبخ الناس وينادي ويقول أيها العصاة المذنبون الذين أسرهم الحواس واستعبدهم الطباع حتى متى تنكحون امهاتكم وتقتلون آباءكم ومثل هذا الضرب من الكلام .

الحـبراسـرادهـريـة

 – الحيرانبرادهرية – يعني الذين يلبسون ورق الاشجار وهم فرقة يسكنون الغياض ويلبسون ورق شجر يقال له حير – جير - واوراقه عراض كالثوب الواسع ولايخالطون الناس ويبرزون للرياح والمطر ويقولون إنا نعتاض بهذا ريح الجنة والفوز فيها بالحور العين وملابس الجنة.
ومنهم الامير كجرية يعني المتشبهون بالوحش يمشون على اربعة ويأكلون الحشائش بأفوافهم لايحلقون رؤوسهم ولا يستعملون حيلة في دفع ضرّ كانهم الوحش ولهم سوى ذلك طرق ومذاهب شنيعة. ومنهم فرقة يحرقون انفسهم بالنيران ومنهم فرقة يغرقون انفسهم في الماء ومنهم فرقة يمتنعون من الطعام حتى يموتوا فربما ماتوا في عشرين يوما وربما بقوا الى ثلاثين يوما.
ومنهم فرقة يهيمون على وجوههم في البراري حتى يموتوا ومنهم من يرمي نفسه من جبل شاهق عندهم وقد نصب تحت الجبل شجرة من الحديد لها شعب وشجون محددة فيطرح نفسه عليها من الجبل حتى ينقطع قطعا، ولهم مقالات كثيرة في البدية والبوذسفية يهذون بها و اكثرهم يعتقدون التناسخ واكثر ملوكهم يرون الزناء مباحا الا ملك قِمار فانه يحرم الزناء وشرب الخمر ويعاقب عليهما بالقتل وليس احد من ملوكهم يطنب في شرب الشراب الا ملك سرنديب فانه يدمن الشرب ويحمل اليه الشراب من بلاد العرب، ووراءه ملك رتيلا – رسلا – ويقال له فاندين – ماندين – ثم يليه ملك يقال له الماريطي ثم يليه ملك يقال له الصيلمان وهو أعظم من الذين ذكرناهما واكثر جيشا وجيشه يبلغ مبلغا عظيما الا ان فيلته قليلة ، غير ان الهند يقولون ان فيلة الصيلمان أجرأ على القتال وأقوى من جميع الفيلة ويقال ان عنده من الفيلة ما يزيد سمكه على عشرة اذرع وقيل ان فيلته لاتزيد على تسعة اذرع الا ان دونه بلادا يقال لها الاغباب وملكهم كانت امرأة في القديم ولها من الفيلة ما يزيد سمكه على عشرة اذرع الى احد عشر ذراعا .
وبعدهم ملك يقال له بلهرا في بلاد يقال لها الكمكم – الكمكمي – وهي مملكة واسعة كثيرة الرجال ومن حوله من الملوك ينقادون له ، وفي هذه المملكة ملوك فمنهم ملك يقال له الطاقن – الطافر – وهو قليل المملكة الا انه كثير المال عامر البلاد وأهل مملكته سمر وبيض وفيهم جمال مستفيض ورقيق بلادهم فيهم جمال لا يشركهم فيه غيرهم وبعده ملك يقال له بجابة وهو شريف فيهم وبلهرا الذي هو الملك الكبير يتزوج منهم ولا يتزوج من غيرهم وفي غياضهم الصندل الاحمر، ثم يليه ملك يقال له الجرر وفي مملكته عدل وامن حتى لو طرح الذهب في وسط الطريق لايجسر أحد ان يأخذه وبلاده واسعة و التجار من بلاد العرب يقصدونهم في التجارات ويعاملونهم ويروى عنهم حسن المعاملة والاحسان والمبرة ومعاملاتهم بقطع الذهب والدراهم التي يقال لها الطاطرية عليها صورة الملك وزن كل درهم مثقال واذا تنجزت تجارتهم بعث الملك معهم من يحفظ متاعهم ويخرجهم من بلاده وليس بعده ملك آخر أوسع حالا منه وأصدق عدلا وهو يقول للتجار والسابلة اخرجوا حيث شئتم فان حدث حادث وخسرتم شيئا فخذوا مني وانا ضامن لكم ، وله جيش كثير وفيلة كثيرة وهو يقاتل بلهرا وغيره من الملوك ، وبعده ملك يقال له دهم – دهرم – وله جيش عظيم جرار تزيد عدتهم على ثلثمائة الف ولا يخرج الا في الشتاء لئلا تقصر المياه عن حاجتهم لانهم يستنزفون الاودية وفي بلادهم القطن الجيد الذي لايكون في غيرها مثله ومنه يتخذ المناديل التي يقال لها ( شارة شاهي) وغيرها من الثياب التي اذا ادرجت تسع حلقة الخاتم .
المـلـك قامـرون
وبعده ملك يقال له قامرون ومملكته تتصل ببلاد الصين وهو ملك قليل الجيش وفي بلاده اراضي ينبت فيها الذهب قطعا مثل أكف الانسان وذهبهم اجود من ذهب الصين ، وهؤلاء الملوك كلهم مخرمو الاذان . وللملك المسمى دهم – دهرم - بلاد كثيرة وفيها مدينة يقال لها هدكيرة ولها سوق نحو من فرسخ وفيها يكون الكركدن والبقر المسمى غز غاو وبلاده متصلة بساحل بحر الاغباب وهو بحر خبيث وعلى سواحله مدائن كثيرة واسعة ويتعاملون فيها بالذهب والودع الا ان الودع عندهم أروج من الذهب ويسمونه الكنج وفيها انهار تنصب في البحر فيها المد والجزر من الماء العذب ، وتليه بعد ذلك فرقة يقال لها بنو المنبه ويزعمون انهم ولد سام بن لؤي وهم ملوك الهند ويخطبون لامام المسلمين وبلادهم تلي المنصورة ودخل هؤلاء الملوك من مال الصنم بالملتان له دخل عظيم و أمواله في ايدي بني المنبه وهم يستظهرون بتلك الاموال ويتغلبون على ملوك الهند وهذا الصنم فيما حكي طوله عشرون ذراعا و اكثر وهو على صورة رجل وفوقه سقف عظيم والهند يزعمون ان هذا الصنم نزل من السماء وأمرنا بعبادته وان السقف بُني منذ ألفي سنة وله سدنة يقومون عليه والهند كلهم يرون الحج اليه ويحجون اليه من مسيرة سنة او سنتين فيحلقون رؤوسهم عنده ويطوفون سبعا على اليسار ويتمرغون بين يديه ويتضرعون ويخضعون وللصنم اربعة اوجه حيث ما داروا استقبلهم وجه فاذا طافوا به سجدوا له عند كل وجه واذا مات الرجل منهم موسرا اوصى للصنم بشطر ماله او بجميع ماله ومنهم من يحمل اليه المال من مسيرة سنة ومنهم من يستأذن الصنم فيقول ايذن لي في الموت ثم يقتل نفسه بين يديه وله سدنة لا يأتون النساء ولا يذبحون شيئا ولا يلبسون الا الثياب النظيفة ويتطيبون اذا صاروا الى الصنم واذا دخل اليه الداخل جثا على ركبتيه ويبسط كفيه ويسأله ان ينظر اليه ويرحمه ويبكي ويتضرع وللصنم مطبخ يطبخ فيه كل يوم انواع من الطبيخ ويطيب ثم تبسط بين يديه ورقة موز وهي عريضة جدا ويضعون عليها الاطعمة مقدار قامة الرجل فيطوفون حول بيت الصنم بالصنوج والطبول والمزامير وربما دارت حوله مائة جارية ويقف عند الطعام واحد من السدنة ويروّح بورق موز كانه يبرّد الطعام ويغلق باب البيت ثم ينادي ويقول قد اكل فانه لايأكل بيده ثم يفتح الباب ويقول قد تصدق به ولم ينقص منه شيء ثم يطعم منه كل من حضر من الناس والدواب والسباع والطيور ولايمنع منه احد و يقولون ان ذلك صدقته في كل يوم . ويحكون ايضا ان بوادي الجنج بيت صنم اخر قديم البناء وان اهل مملكة دهم الملك يحجون اليه وانما تقصده العباد منهم فياتون و هم عراة مهازيل قد غارت اعينهم وقهلت جلودهم من كثرة الرياضة فيطرحون انفسهم بين يديه وفي ذلك الموضع نسور ضاربة تعودت أكل جيف الناس ومنهم من يتماوت هناك حسبة فتأتي النسور وتقلع أعينهم اولا وهم يصبرون على ذلك ثم يقلعون اللحم اولا فاولا حتى تأتي على جملته وربما بقرت بطونهم وتأكل امعاءهم وهم يرون ذلك تقربا وعبادة .
ووراء هذه المملكة ملك يقال له الطرسول واهل مملكته كثير و مدائنه كثيرة وهم بيض ولهم شعور طويلة يسدلونها ولهم خيل كثيرة ودواب ومملكة واسعة ووراءهم ملك يقال الموسه ومدائنه مبنية بالحجارة وعندهم مسك كثير ووراءه ملك يقال له المانك تتصل مملكته ببلاد الصين ويقال ان هذه الملوك اللاثة الطرسول والموسه ومانك يقاتلون الصين ولا يقاومونهم لان ملك الصين اكثر جندا واقوى سلطانا واوائل بلاد هذه الممالك واواخرها متصلة ببلاد الصين وملوك الهند كلهم يلبسون الحلى والجواهر والقلائد والاسورة والوشاحين.
المـلكة رانـيـة
ومن مملكة دهم بلد يقال له اورفشين على ساحل البحر وملكتها كانت في القديم امرأة يقال لها رانيه ومملكتها وبيئة واكثر من دخلها من الهنود مات وفيها للتجار ربح كثير وكانت ملكتها مكارة يعجز من قتالها دهم مع كثرة جيشه وشدة شوكته وكانت تحارب بنفسها وهي عظيمة الجثة لم يُر احد في عظمها، فهذا ماعرف من سواحل بحر الاغباب وسكانها، ثم يتلوها بلاد الزابج والملك الكبير بالزابج يقال له المهراج وتفسيره ملك الملوك وبلاده جزائر ولا نعرف ملكا اكثر خيرا منه ولا أقوى عدة وجيشا ولا اكثر دخلا ويقال انه يدخل له كل يوم من قمار الديوك خمسون مَنا ذهبا لان ذلك يكثر في بلاده وكل ديك غلب يكون فخذه للسلطان فيفتدى صاحبه ذلك منه بدينار او أقل او اكثر ويقال ان دخله يبلغ كل يوم مائتي مَنا ذهبا وله جزائر كثيرة ومنها جزيرة يقال لها برطايل واهل البحر يقولون ان الدجال فيها واهل هذه الجزيرة حسان وجوههم كالمجان المطرّقة يفتلون شعورهم كأذناب دواب البريد ويسمع في الجزيرة اصوات المعازف بالليل ويرون وقود النار ويسمعون أصوات الناس واهل المهراج يتحالفون بالنار فاذا تخاصم اثنان عند السلطان ياخذون حديدة قدر رطل ويحمونها بالنار حتى يتطاير منها الشرر ثم تؤخذ أوراق من شجر عندهم يشبه الغار فيوضع على كف المدعي عليه منها تسع ورقات ثم تؤخذ الحديدة المحماة بالكلبتين وتوضع على تلك الاوراق في الكف فيمضي بها سبع مرات ذاهبا وجائيا في مقدار مائة خطوة فان احترقت الاوراق وكفه جميعا لزمه الذنب فان كان يوجب القتل قتل وان كان الذنب يوجب الغرم فان كان موسرا يغرم المال وان كان معدما يصير عبدا للسلطان يبيعه كيف يشاء.
ومن احكام الهند ان من ذبح بقرة يقتل بها، وحدّث بعض من دخل بلاد الهند قال حصلت بالقندهار فاذا ملكهم جبار شديد العقوبة شديد الغيرة ومن شرب الخمر من قواده وجيشه فعقوبته ان تحمى مائة حلقة من حديد بالنار ثم توضع على يديه فربما هلك فيه ومن عقوبته قطع اليدين والرجلين والانف والاذنين والشفتين واذا ظفر بواحد ممن يقاتله يقطع أذنيه وشفتيه ثم يطلقه ويقول انه لايصلح للملك بعد ذلك، ومن دخل بلاده و اهدى اليه شيئا كافأه باضعاف ذلك لانه يعطي للواحد مائة، واصل العباد في الهند من قِمار ويقال ان فيها مائة الف عابد وهم الرمادية اصحاب تسبيح وقال جلست الى واحد منهم فتنحى عني قليلا لانهم لايقربون من المسلمين ويقولون انكم ادناس لانكم تأكلون لحم البقر ورأيت يوما بعضهم وقد جاءه رجل من عبادهم الكبار فجعل يتكلم بالهندية بكلام فهمته كان تفسيره يامن ليس كمثله شيء فصحت وقلت اتعرف ماتقول ؟ وقال واعجباه ! وانتم تعرفون ماقال ؟ قلت نعم اذا كنتم تعلمون انه ليس كمثله شيء فلم تعبدون الاصنام من دونه ؟ فقال انه قِبلتنا كما ان قبلتكم حجارة مبنية منضدة فانتم تعبدونها !
ولملك قمار جبل يكون فيه العود وهؤلاء العباد يكونون فيه وهو جبل طويل عريض، ولملك قمار قضاة عدة يقضون بين الناس فلو ورد ولد الملك اليهم في خصومة اجلسوه بجنب خصمه وحكموا عليه بما يجب في دينهم غير مائلين عن الحق بشيء البتة ، ومملكة قمار ليست بكبيرة كسائر ممالك الهند الا ان ملكه عظيم القدر مظفر والفيلة عنده كثيرة وعطيته للعرب انياب الفيلة .
ويلي مملكته بلاد الارهن- الارمن – وهم بيض وفيهم جمال وهم يزوجون ابناءهم كما يزوجون بناتهم ويرون ذلك مصلحة ، وفي اراضي لوهوور مدينة يقال لها راميان فيها صنم مضطجع و حوله اصنام قيام وفيها صنم من صفر مموه بالذهب وهو صنمهم الاعظم وله غلات كثيرة من العقار والحوانيت في السوق وله ثلاثون قحبة تجري عليهن الجراية من غلاته والناس يتمتعون بهن مجانا ويطلبن به الثواب ولا يبرحن من موضعه الليل والنهار .
وتلي هذه المدينة مدينة يقال لها جالهندر وفيها صنم له غلات كثيرة وقرى وبيت قحاب وهذه المدينة من حدود الراي الكبير وتليها مدينة يقال لها سلابور وهي ايضا من حدود الراي الكبير وفيها تجار واموال كثيرة جدا وفيها بيوت اصنام كثيرة العدد ولها غلات كثيرة تبلغ كل واحدة مائة الف درهم واقل واكثر ولهم بيوت قحاب ولها ثلاثة اسواق كلها أسواق القحاب اجرتهن للصنم فمنهن من اجرتها دانق ومنهن من اجرتها دانقان واكثر أجرتهن درهم لا تزيد عليه وعلماء هذه المدينة البراهمة.
ومدينة اخرى يقال براهون وبها سوق عظيم في السنة اربعة ايام يجتمع اليه الناس من جميع النواحي وفيها سبعمائة بيت للاصنام ولها غلات وقد رتب لها بيوت قحاب في كل بيت عشر أو اثنتاعشرة منهن ، ومن مات منهم من الاغنياء يوصى لبيت الصنم شيئا من ماله ويتزوج العظيم من عظمائهم من النساء عشرين امرأة الى مائة والراي عندهم مثل الخليفة عندنا او السلطان الاعظم وهو اذا ركب ركب معه من العظماء مائة كل واحد منهم صاحب عشرة آلاف فارس وهذا الراي يعتقد ان الارض كلها مملكة له ولا يجسر احد ان يقول بين يديه ان في الدنيا ملكا مطلقا غيره .​

  .........................................................

* فلاديمير فيودورفيج مينورسكي : مستشرق روسي شهير (5 شباط 1877 – 25 آذار 1966م), تخصص في الإيرانلوجيا والكردلوجيا وآسيا الوسطى.

Marwazī, Sharaf al-Zamān Ṭāhir, Sharaf Al-Zamān Tạ̄hir Marvazī on China, the Turks and India , edited and translated by Vladimir Minorsky (London: Royal Asiatic (Society, 1942

** شرف الزمان طاهر المروزي  (عاش خلال الفترة ١٠٥٦-١١٢٥م).طبيب ، عالم ومؤلف في  الحيوان ، جغرافي ، كاتب ، نسبته الى مدينة مرو بخراسان ، فارسي .

من آثاره: «كتاب طبائع الحيوان» طبع بتحقيق من عبد الحميد صالح حمدان (القاهرة: عالم الكتب، 2002 م). كما نشر المستشرق فلاديمير مينورسكي أحد كتبه عن الصين والهند والترك. وهذا الفصل نقلا عن المخطوطة التي  نشرها مينورسكي واطلعت عليها في مكتبة الدراسات الشرقية في سانت بطرسبرج  ليننغراد سابقا .

عرض مقالات: