تحليق أوّل إنسان للفضاء- بطولة نادرة

الأرض مهد البشرية، ولكن لا يمكن العيش في المهد إلى الأبد-تسيالكوفسكي قسطنطين إدوادوفيج

عندما نظرت إلى الأرض من المركبة الفضائية، رأيت كم هو جميل كوكبنا. أيّها الناس، لنحافظ عليه ونقاسم هذا الجمال، لا ندّمره- يوري غاغارين

 تمر على البشرية اليوم الذكرى الستون لتحليق أول إنسان إلى الفضاء. في الساعة التاسعة وسبع دقائق بتوقيت موسكو من يوم 12 نيسان 1961إنطلق أول إنسان إلى الفضاء من أراضي الإتحاد السوفييتي من قاعدة إطلاق الصواريخ " بايكانور " في جمهورية كزاخستان، وهو المواطن السوفييتي يوري ألكسييفيج غاغارين على متن المركبة الفضائية " فوستوك 1”، وتعني الشرق بواسطة الصاروخ الحامل "فوستوك". وفي الساعة العاشرة و55 دقيقة   عاد سالما إلى الأرض بعد أن دار حولها دورة كاملة، استغرقت 108 دقائق، منها 50 دقيقة خارج نطاق الجاذبية الأرضية.

 من هو يوري غاغارين؟

ولد غاغارين في 9 آذار 1934 في قرية كلوشينو، في مقاطعة سمولنسك غرب روسيا الاتحادية من عائلة فلاّحية. بعد احتلال القرية من قبل الألمان عام 1941 انقطع عن الدراسة وهو في السابعة من عمره وحتى تحريرها من قبل الجيش الأحمر عام 1943. في عام 1949 دخل إحدى المدارس المهنية، وفي نفس الوقت درس في مدرسة "الشباب العامل" المسائية. عام 1951 حصل على اختصاص السباكة بدرجة امتياز. في أكتوبر 1954 انتمى غاغارين إلى نادي ساراتوف للطيران. في أكتوبر 1955 أستدعي غاغارين الى الجيش وأرسل إلى أكاديمية فوروشيلوف الأولى للطيران. وفي أكتوبر 1957 أنهى دراسته بامتياز. وفي هذه السنة تزوّج غاغارين من فالنتينا إيفانوفنا غورياجيفيا وأنجبت له بنتان. بعد الدراسة مباشرة نسّب غاغارين إلى الأسطول البحري الشمالي وعمل في كتيبة لطائرات ميغ المقاتلة برتبة ملازم أول. حتى أكتوبر 1959 نفذّ غاغارين 265 ساعة طيران. في 9 أكتوبر 1959 قدّم يوري غاغارين طلب الانتماء إلى "فصيل روّاد الفضاء" ضمن الآلاف من الشباب السوفييت. حينها كان الفصيل قيد التشكيل تنفيذا لقرار الجنة المركزية للحزب في 5 كانون ثاني 1959 وقرار الحكومة السوفييتية في 22أيار 1959. بعد اجتياز مختلف الفحوص اختير عشرين شخصا ومن ضمنهم غاغارين. وبعد أسبوع أستدعي غاغارين الى موسكو لإجراء مختلف الفحوص الطبية في المستشفى المركزي للبحوث التابع للقوّة الجوية، ثمّ اجتاز فحوصات طبية إضافية من قبل لجنة خاصة. 

الإعداد للطيران الكوني، والانطلاق                                  

في الثالث من آذار 1960 أصدر قائد القوة الجوية السوفييتية المارشال فيرشينين أمرا بضم النقيب يوري غاغارين الى فصيل رواد الفضاء. كان هذا اليوم حاسما في حياته وعمله، حيث انتقل مع رفاقه الآخرين إلى مركز إعداد رواد الفضاء للتدريب وفق برنامج أعدّ لذلك. وتمّ اختيار عشرين شخصا لهذه المهمة من قبل مصمم السفن الكونية السوفييتية والعالم الكبير سيرجي بافلوفيج كوروليوف (صورة رقم 3) وفق مواصفات خاصة، أهمّها أن يكون طيارا مقاتلا يتميّز بلياقة بدنية عالية، ذو خبرة في تحمّل الإجهاد والتوتر، يتكيّف لاجتياز طبقات الجو العليا ومنطقة الستراتوسفير، له ردود فعل سريعة، وتوازن عقلي ونفسي جيّدان، أن يكون عمره بين25 و30 سنة، لا يزيد وزنه عن 70 كلغ ولا يزيد طوله عن 70 سم. والشرطان الأخيران فرضتهما قياسات المركبة الفضائية وقدرة الصاروخ "فوستوك" الحامل لها

 من بين العشرين طيّارا من الفصيل، نمّ اختيار ستة منهم، ومن هؤلاء الستة تمّ اختيار يوري غاغارين وغيرمان تيتوف. وأخيرا اختير يوري غاغارين لمواصفاته الأكثر تطابقا لتلك التي وضعها المصمم كوروليوف بالإضافة إلى تمتعه بنشاطات اجتماعية وسياسية أكثر من رفاقه الآخرين. وكان البديل الأول ليوري غاغارين هو غيرمان تيتوف، الذي أطلق بعد يوري غاغارين يوم 6 آب 1961 وعاد الى الأرض بعد أن قام ب 17 دورة حول مدارها استغرقت 25 ساعة قطع خلالها 700 ألف كلم، أي بسرعة 28000 كم/ساعة.

 إنّ إطلاق أول إنسان إلى الفضاء، كان حصيلة عمل شاق وطويل، بدأ قبل آلاف السنين منذ حلم الإنسان في الطيران سواء في تقليد الطيور أو الوصول إلى القمر والنجوم، وعبّر الإنسان عن ذلك بالأساطير والقصص الخيالية، وحاول البعض تقليد الطيور بارتداء أجنحة اصطناعية ولكن بدون جدوى. وبمرور الزمن وضعت، من قبل العلماء، نظريات وفرضيات وتجارب للطيران ضمن المجال الجوي للأرض (المناطيد ثم الطائرات باختلاف أنواعها ومواصفاتها ومهامها) أو إلى الفضاء الخارجي (الأقمار الصناعية والسفن المأهولة وغير المأهولة والتلسكوبات، المختلفة الأنواع والمهام). كان إسحاق نيوتن من أبرز العلماء الذين وضعوا نظرية الحركة المعروفة ب” قوانين الحركة الثلاثة"، وألبرت إنشتاين مؤسس النظرية النسبية وعشرات غيرهم. ومن ضمن عشرات العلماء من مؤسسي نظرية الطيران الكوني ومصممي السفن الكونية والصواريخ في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين -عالم الرياضيات الروسي- السوفييتي قسطنطين تسيالكوفسكي -1857 -1935، وضع نظرية الدفع النفّاث عام 1896 على أساس المعادلة بين سرعة الصاروخ وكتلته وكمية الوقود المستخدمة وحدد السرعة الكونية الأولى ب 7،8 كم/الثانية، وسمّيت بمعادلة تسيالكوفسكي وفي عام 1926 استطاع حلّ مسألة كمية الوقود التي يحملها الصاروخ كي تؤهله لترك الأرض، وعلى أساس هذه النظرية دار أول قمر اصطناعي سوفييتي حول الأرض ، ثمّ تبع ذلك آلاف الأجهزة التي أطلقت إلى الكون،

-العالم الفرنسي أسنو- بيلتري   1881 - 195العالم الأمريكي روبرت غودّارد 1982 – 1945،

-العالم الأمريكي روبرت غودّارد 1882- 1945

-العالم الألماني أوبرت غيرمان 1894 - 1989 مصمم الصاروخ الألماني "فاو"، وقد ألقي القبض عليه من قبل القوّات الأمريكية أثناء احتلال ألمانيا عام 1945، وأدخل معسكر الاعتقال في فرنسا وبلجيكا ثمّ في أميركا. وفي بداية خمسينات القرن الماضي أخذ يعمل في مجال تصميم الصواريخ والسفن الكونية الأمريكية لدى "ناسا".

-العالم الرروسي يوري كوندراتيوك 1897 - 1942 وعشرات غيرهم.

تمهيدا لإطلاق أول إنسان إلى الفضاء قام الإتحاد السوفييتي بإطلاق مجموعة من الأقمار الصناعية ومركبات غير مأهولة ومأهولة على متنها حيوانات ونباتات لدراسة كافة المؤثرات عليها من حرارة وضغط ومكوّنات الهواء داخل الكبسولة، التسارع أثناء الانطلاق فقدان الجاذبية والحالة البيولوجية. وكذلك مدى نجاح عمل الأجهزة داخل المركبة وكمية استهلاك الوقود والتحكّم بسرعة المحرك الدافع وتأثير الحرارة والأشعة على غلاف المركبة، أقصى وأدنى نقطة تصلها المركبة عن سطح الأرض. بالإضافة إلى الأخذ بآراء علماء النفس في حالة طيران الإنسان إلى الفضاء، وغيرها من المسائل المتعلقة بسلامة الإنسان إثناء الطيران. وكان الإتحاد السوفييتي أول من دشّن، عمليا، دراسة الفضاء الكوني بإطلاقه أول قمر صناعي في 4 أكتوبر 1957 وعاد (سقط) إلى الأرض يوم 4 نوفمبر 1958، وكان يزن 83،6 كلغ. وبلغ عدد الأقمار والمركبات الفضائية حتى ساعات انطلاق غاغارين 10، منها خمس مركبات، نجحت ثلاث، ومنها التي حملت الكلبتين " ستريلكا وبيلكا " يوم 19آب 1960. كما فشلت محاولات مات خلالها عدد من الحيوانات، منها ثلاثة كلاب. والسبب الرئيسي في هذا الفشل هو زيادة سرعة المحرك الدافع، حيث تندفع المركبة إلى مدار أعلى وتفشل قيادتها من الأرض وتبقى أشهر أو سنين تائهة في الفضاء حتى سقوطها على الأرض، وكذلك عدم مقاومة الحيوانات درجات حرارة عالية. وأطلق الإتحاد السوفييتي ثلاث مركبات إلى القمر وهي: لونا 1 أطلقت يوم 4 كانون أول 1959 واقتربت من سطح القمر لمسافة 6000 كلم ثمّ اختفت بين كواكب المجموعة الشمسية. تلتها لونا 2 أطلقت يوم 14 أيلول نفس السنة وحطّت على سطح القمر ووضعت شعار الإتحاد السوفييتي على سطحه. وتلتها لونا -3 أطلقت يوم 4 تشرين أول   1959وصورت لأول مرة الجزء الغير المرئي من القمر، كما قامت المركبة بمناورة تحت تأثير جاذبية القمر، أي عملية تباطؤ وتسريع أو تغيير اتجاهها. وآخر مركبة أطلقت قبل انطلاقة غاغارين كان يوم 25 آذار 1961.

 المركبة التي حملت النقيب الطيّار غاغارين الى الفضاء تتكون من جزئين : قمرية الطيار (الصورة رقم 1) ، وهي عبارة عن كرة ، قطرها الخارجي 2،3 م ووزنها 2460 كلم ووزن الغلاف الذي يحميها من الحرارة المرتفعة ( 2000 - 3200 درجة مئوية ) حوالي 1300 كلم وتتكون من سبيكة الكربون والسيراميك ، وتحتوي على كرسي الطيّار المعدّ لتحمّل الاهتزازات الناتجة أثناء الإقلاع والهبوط وفترة الطيران وجهاز قذف الطيّار وزورق مطّاطي في حالة نزول المركبة في المياه ، وأجهزة الاتصالات وأجهزة بصرية لرؤية أجزاء من الكون بالإضافة إلى الكوّة المثبّت عليها زجاج خاص أقوى من المعدن ومزودة بستائر واقية من مختلف الأشعة ، وحافظة الطعام والماء . والجزء الثاني هو المرحلة الثالثة للصاروخ الحامل الذي يحتوي على محرك نفّاذ يعمل بالوقود السائل وأجهزة ضبط عمله وأجهزة توجيه المحرك. وربط الجزءان بشريط معدني وقفل حراري مؤهلان لفصل المرحلة الثالثة أثناء هبوط المركبة إلى الأرض. وجعل الجو داخل الكبسولة من درجة الحرارة وضغط جوّي والرطوبة كما هو على الأرض. كما أنّ الأجهزة عملت بشكل اوتوماتيكي، أمّا في حالة التشغيل اليدوي من قبل غاغارين عليه قراءة الكود (المفتاح السرّي) الموجود في ظرف داخل المحطة ضمن تجهيزاتها.

 لماذا اختير يوم 12 نيسان؟ حصلت المخابرات السوفييتي "لجنة أمن الدولة " بأنّ الأمريكان أصبحوا مستعدين لإطلاق الإنسان إلى الفضاء يوم 20 نيسان 1961. لذلك طلب كوروليوف الاستعجال بالموضوع واقترح أن يقوم الإتحاد السوفييتي بذلك في الفترة بين 11 و17 نيسان 1961. وبعد أن تقرر أن يكون يوم 12 نيسان هو موعد الطيران تمّ إعداد ثلاثة أخبار لثلاث احتمالات تقوم وكالة تاس بنشر أحدها. أولها في حالة نجاح مهمّة غاغارين، والثاني في حالة سقوط المركبة في أراضي بلد آخر أو في المحيط، حينها توجّه الحكومة السوفييتية طلبا إلى ذلك البلد للمساعدة في إنقاذ حياة الطيّار، والثالث في حالة وقوع كارثة تؤدّي إلى موته بعد الرجوع إلى الأرض.

 قبل طيرانه بدقائق، وجه غاغارين رسالة إلى المواطنين السوفييت وشعوب العالم أجمع يعبّر فيها عن فرحته في المهمة التي أوكلت إليه وسعيد بها كونه يحقق حلم البشرية منذ قرون في الطيران الى الفضاء، وهي مسؤولية كبيرة أمام الشعب السوفييتي وشعوب العالم من أجل حاضرها ومستقبلها، لأنّ السعادة لدى الناس هي عندما يشتركون في الاكتشافات الجديدة. ويضيف: إني قررت القيام بهذه المهمة لأنّي شيوعي، وخلف ظهري تقف المآثر البطولية للناس السوفييت. الى اللقاء أيّها الأصدقاء أنا سائر في طريق بعيد، وكم أنا مشتاق لأحضن الكلّ القريبين مني والبعيدين عنّي، والذين أعرفهم أو لا أعرفهم. وإلى لقاء قريب.

 قبل الصعود إلى منصّة الإطلاق توجه غاغارين الى رئيس لجنة الطيران الكوني كوروليوف ووقف كأي جندي أمام الضابط ليطلب منه السماح بالطيران بعد أن أكّد استعداده لذلك، فردّ عليه الرئيس بالموافقة. وبعد انطلاق الصاروخ بثواني تمنى كوروليوف لغاغارين النجاح في مهمّته، فردّ عليه بكلمته المشهورة والتي يرددها رجال الفضاء قبل الانطلاق " لننطلق "

 بدأ انطلاق المحطة من مطار بايكانور بإتجاه سيبيريا ثمّ فوق جزر كيريل وشرق اليابان فوق المحيط الهادئ ثمّ غرب ساحل الأميركيتين وفوق جزر الفوكلاند، بعدها فوق المحيط الأطلسي باتجاه كونغو وفوق مصر وتركيا، وأخيرا الهبوط لمسافة 110 كم من مدينة فولغاغراد وعلى بعد 1،5كم من ساحل نهر الفولغا،

 منذ لحظة انطلاق غاغارين حتى هبوطه على الأرض كان كوروليوف يتابع طيرانه دقيقة بعد دقيقة ويسأل مختلف الأسئلة سواء التي تخص حالته أو عمل أجهزة المحطة وموقعها فوق سطح الأرض. قطعت المركبة حوالي 50000كم في 108 دقائق، وسرعتها تعادل 7،8 كم/ثا، وهي السرعة الكونية الأولى التي وضعها العالم تسيالكوفسكي. كانت أعلى نقطة عن سطح الأرض وصلتها المركبة 327 كم وأدنى نقطة 181 كم، لكنّ المركبة خرجت فوق المدار المطلوب ب 100كم بسبب استخدام كابح - ديناميكية الهواء، وهذا ربما يجعل المركبة مستمرة في الطيران لمدة عشرة أيّام إذا اتّجهت أكثر إلى الأعلى. على هذا الأساس أعدّ كل شيء في المركبة للعيش في الفضاء لمدة 10 أيّام. عندما بدأت المركبة بالتحليق فوق أفريقيا أخذت تدور حول محورها بشكل سريع وغير متوقع (دورة واحدة في الثانية)، ولم يستطع غاغارين عمل شيء إلى أن استقرّت ولم يبلغ مركز التوجيه على الأرض بذلك لتفادي إرباكهم. عندما بدأت المركبة بالهبوط ودخلت الغلاف الجوي للأرض احترق جزء من غلافها بسبب الاحتكاك به، ولم يتم تبليغ غاغارين بذلك من قبل القيادة. وعندما توغلّت المركبة في الغلاف الجوي الأكثر كثافة انصهر الشريط المعدني الرابط بين المركبة والمحرك وانفتح القفل الحراري وانفصلت الكبسولة عن بقية المركبة. وعلى ارتفاع 7000م انفتحت مظلّة الكبسولة. في هذا الأثناء تأخّر غاغارين في غلق بدلته الفضاء، مما كان قد يؤدي إلى اختناقه. وعلى ارتفاع 4000م انقذف غاغارين من الكبسولة وفتح مظلّته الشخصية ونزل إلى الأرض بشكل سلس وبطيء وبسلام.

 بعد مرور 50 دقيقة من انطلاق غاغارين إلى الفضاء نشرت وكالة أنباء تاس السوفييتية الخبر في جميع أنحاء العالم عن طريق الراديو والصحافة والبعثات الدبلوماسية، وعمّت الفرحة المواطنين السوفييت وكافة شعوب العالم، ولكن الحكومة الأمريكية صعقت بالخبر، وخاصة الرئيس جون كندي، لأنها في سباق غزو الفضاء مع الإتحاد السوفييتي منذ أن أطلق الأخير أول تابع للأرض في 4 تشرين أول 1957. لهذا الغرض أسست أمريكا وكالة الفضاء " ناسا " وتمّ رصد مبالغ إضافية لدراسة الفضاء الكوني من كلا المتنافسين، حتى التقيا في الفضاء في 15 حزيران 1975، عندما التحمت المركبة السوفييتية "سويوز 19" مع الأمريكية "أبولّون 18”. وكان الإتحاد السوفييتي قد تقدّم على أمريكا في مجال الفضاء بسنتين وقام بإطلاق العديد من رجال الفضاء من مختلف دول العالم (بلغاريا، جيكوسلوفاكيا، المانيا الديمقراطية، هنغاريا، بولونيا، رومانيا، كوبا، فيتنام، أفغانستان، سوريا.

 بعد تسلّم بريجنيف قيادة الدولة والحزب في الإتحاد السوفييتي عام 1964 لم يتمكن من حلّ المشاكل التي كان يعاني منها، وخاصة الاقتصادية، بل تفاقم الوضع ودخل الاقتصاد السوفييتي مرحلة الركود حتى انهياره عام 1991. واستطاع الأمريكان تجاوز السوفييت في مجال اكتشاف الفضاء.

أشرنا إلى الصعوبات التي صادفت رحلة أول رائد للفضاء، لقد كانت مهمته خطرة جدا، ليس لأنه من المكن أن يفقد حياته، ولكن لكانت نكسة لعلم الفضاء السوفييتي وسمعته الدولية لأنّها أول تجربة فريدة في العالم. وبهذا الصدد يقول أحد مصممي السفن الكونية السوفييتية باريس جيرتوك: " لو وضعنا المركبة "سويوز1” إلى جانب المنجزات العصرية ونظرنا إليها، إنّ أحدا لم يصوّت لإطلاق مثل هذه المركبة الغير موثوق بها. ولكن أنا أيضا وقّعت حينها الوثائق بأنّ كل شيء عندي على ما يرام، وأضمن سلامة الطيران. لقد حصلت على تجربة وفهم كبيرين، كيف خاطرنا إلى حدّ كبير”.

 أثناء استقباله من قبل قيادة الدولة والحزب الشيوعي السوفييتي، وفي مقدّمتهم نيكيتا خروتشيف قدّم غاغارين تقريره: " الرفيق السكرتير الأول للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي أقدّم تقريري: الطيران الكوني الأول في العالم على متن السفينة الفضائية "سويوز1" يوم 12 نيسان 1961 نفّذت بنجاح. كلّ الأجهزة والأنظمة على متن السفينة عملت بدقة وبدون توقف. الشعور ممتاز. مستعد لتنفيذ أي مهمة جديدة للحزب والدولة. المقدّم يوري غاغارين. " وعندما سأله أحد الصحفيين الغربيين كم هو سعيد بنجاح مهمّته، أجابه غاغارين: "إني جدا سعيد، ولكن كانت سعادتي أكبر عندما نلت عضوية الحزب الشيوعي السوفييتي".

بعد مأثرته هذه أصبح يوري غاغارين شخصية عالمية كبيرة، أستقبل من قبل الكثير من رؤساء الدول، ومنهم جمال عبد الناصر، وسلمّ المفاتيح الرمزية لعدد من المدن، ومنها القاهرة والإسكندرية. التقى أعدادا من الفنانين والرياضيين والكتّاب والسياسيين وغيرهم من مختلف دول العالم. كتب عنه الكثير في الصحافة، وصدرت العديد من الكتب عن حياته ومأثرته، غنى له العديد من المغنين المشهورين في العالم، منح شرف عضوية الكثير من المؤسسات العلمية العالمية، وسميت الكثير من شوارع وأحياء في بعض دول العالم باسمه، واختير مواطنا رمزيا لبعض مدن العالم، مثل اليونان وفرنسا وبلغاريا وجيكوسلوفاكيا وغيرها وأصبح غاغارين رمزا للسلام العالمي، حيث كتب بعد أيّام من تنفيذ مهمّته: " عندما نظرت إلى الأرض من المركبة الفضائية، رأيت كم هو جميل كوكبنا. أيها النّاس، لنحافظ عليه ونتقاسم هذا الجمال، لا ندمّره”.

 كان لغاغارين موعدا للطيران مع مدربه المهندس - العقيد فلاديمير سيريوغين. بعد 20 دقيقة من الطيران على متن المقاتلة ميغ 15 وفي الساعة العاشرة والنصف أبلغ غاغارين القيادة في القاعدة الجوية بانتهاء المهمة والسماح له بالعودة، وانقطع الاتصال مع القيادة. بعد ثلاث ساعات من التفتيش عثرت إحدى الطائرات السمتية على حطام الطائرة على بعد 90 كم عن موسكو. وضع رفات غاغارين في جدار كريملين بجانب القادة السوفييت ومهندس الطيران الكوني سيرغي كوروليوف في الساحة الحمراء. وأعلن يوم حداد عام في جميع أنحاء الاتحاد السوفييتي.

وبهذه المناسبة وتخليدا للذكرى 60 لتحليق يوري غاغارين، أطلقت هذا اليوم 9/4/2021 مركبة فضائية من طراز "سويوز" تحمل اسم يوري غاغارين وعلى متنها ثلاث روّاد فضاء، روسيين وآخر أمريكي لتلتحم مع محطة الفضاء الدولية

 إنّ كوكبنا يتعرض إلى تغيير تدريجي سوءا من قبل سكنته أو بفعل العوامل الطبيعية. فالأرض منذ نشأتها في تغيّر دائم بسبب العوامل المناخية والجيولوجية والبيولوجية والتأثيرات من قبل منظومتنا الشمسية، بالإضافة إلى التغيير الحاصل على سطحه الذي يقوم به الإنسان من أجل ضمان عيشه. ولكن هل يستطيع الإنسان من درء المخاطر التي يتعرض لها كوكبنا، سواء بفعلته أو بفعل الطبيعة؟ وكيف يستطيع حمايته والكثير من الدول تستثمر مبالغ هائلة لإنتاج مختلف الأسلحة التي لا مبرر لها (سمّيها ما شئت دفاعية، هجومية، كلاسيكية، عصرية، دمار شامل، دمار محلّي، خفيفة، ثقيلة) فهي أسلحة لقتل البشر وهي التي تشجّع على حروب من صنعها، والحروب تشجّع إقامة الديكتاتوريات، والديكتاتوريات تقتل وتسجن وتغتصب وتسرق وتنشر الفساد لأنها عديمة الأخلاق والضمير. ماذا لو سخّرت هذه الأموال الطائلة على صحة الإنسان وتعليمه وتغذيته وسكنه بشكل أفضل وإضافة مبالغ لدراسة الفضاء الكوني وتمكين الإنسان من الانتقال إلى كواكب أخرى أو الحفاظ على الغلاف الجوّي للأرض وحمايتها من الكوارث الطبيعية، والتنبؤ بالكوارث الكونية إلى حين تقلّنا أحلامنا إلى كواكب أخرى أو نلتقي بحضارات ومخلوقات أخرى في هذا الكون. لقد مهّد يوري غاغارين الطريق أمام البشرية لمواصلة حلّ هذه الأسئلة التي ستطول لمئات وآلاف، ربّما لملايين السنين. ولكن، هل ستبقى البشرية في مهدها حتى نهايتها الحزينة؟ إذن علينا التفكير بالأجيال القادمة.  

 

عرض مقالات: