الى كفاح الأمين

" كويسنجق".... قرية تشبه مدينة، تنام تحت ثنايا جبل عملاق يحمل مسمى له علاقة بالهيبة والتعملق "هيبة سلطان" هذا الهيبة جبل كبير يشبه مدينة كبيرة يخترقه شارع يدور حول كتف الهيبة العملاقة... الطريق يتلوى كثعبان اسود يخترق بياض وخضرة الجبل، حينما تصل الى القمة تشعر أنك تدخل بسلاسة وسط غيمة من دخان ابيض تكتشفه وانت تلامسه بيدك باردا وشفافاكالماء. كنا نعسكر في اطراف المدينة، نعيش فرحة تلك الاختراقات الجميلة للغيوم في ذهابنا وعودتنا في اجازاتنا الشهرية، ربما نتسلل خلسة تقودنا رغبة الخروج من أسرجبروت القوانين الصارمة في المعسكر، نمارس بعض من انسانيتنا. ولهذا كنت افعل بين يوم وآخر أو كل اسبوع مرة سالكا الطريق الى المطعم الذي يقابل الفلكة الصغيرة، حيث اللبن الخاثر والشاي الساخن، ومن ثم إلى المكتبة العامة في كويسنجق التي يديرها رجل طيب اسمه " كاكه عثمان " تحول بالتدريج إلى صديق لأننا كنا نلتقي وربما نتحدث قليلا رغم نظرة الحذر المرسومة على وجهه التي سرعان ماذابت وحلت محلها ابتسامة صداقة انسانية هائلة، بدأت استعير منه الروايات التي كانت موضوعة في زاوية مغرية جدا بالنسبة لقارىء نهم مثلي يمضي أغلب وقته عاطلا في المعسكر المترامي الاطراف الذي يحيط المدينة ، فكنت استعير الروايات من المكتبة العامة، ولم يكن مسموحا اخراج الكتب خارجها، لكن "كاكه عثمان" كان يتعاطف معي كثيرا، ربما لآني العسكري الوحيد الذي يرتاد المكتبة و يستعير منه الكتب واعادتها اليه في المواعيد المحددة، أما الطلاب والقراء من سكنة كويسنجق فكانوا قلة، لان المدينة كانت تعيش ظرفا استثنائيا فهي في حرب مع الجنود والعساكر الذين من ضمنهم انا كوني عسكريا شئت أم ابيت فانا عدو يسير على ارض شوارع المدينة رغما عنهم، لذا كانت الحدود المتاحة المتفق عليها ضمنا بالنسبة للعسكريين الذين يتسللون من المعسكر إلى حد الفلكة أما مابعد الفلكة الصغيرة فهناك يمكن أن يخطف الجندي او يقتل او يسلب منه سلاحه ويترك وهذا نادر جدا، لكن علاقتي مع امين المكتبة كانت استثناء، وأي استثناء، كان يفتح بوابات ودهاليز المكتبة العامرة امامي، أحتار ماذا أستعير.. كتب دوستويفسكي أو بلزاك أم نجيب محفوظ أو خيرة الكتب الفلسفية والموسوعات الهائلة، روايات الجيب.. روايات دار الهلال.. كتب ريمارك كلها، يالله... كم قرأت من الكتب في كويسنجق.. في ذاكرتي وبلا وعي مني كلما أسمع كلمة " كويسنجق " تتصاعد رائحة الكتب التي كانت مرصوفة في اروقة ورفوف مكتبة تقابل الفلكة الصغيرة التي تتوسط كويسنجق، وكلما ارى رجلا بشروال اتذكر كاكه عثمان وهو يستقبلني بابتسامة قريبا من بوابة مكتبة.

عرض مقالات: