هل ثمة ما يجمع بين “الوردة والسكين” على صعيد واحد، وهما على طرفي نقيض في المعنى ودلالة الاستخدام ؟ نعم، فها هي الناقدة “رنا صباح خليل” توظفهما معاً وتتخذهما عنواناً لكتابها الجديد الذي صدر ضمن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق مؤخراً، وكأنها تعمد إلى استخدام مبدأ الثواب والعقاب فتقدّم الوردة مكافأة للنصوص التي ترضيها وتستخدم السكين لتشريح النصوص التي لا تلقى قبولاً لديها.

يقع الكتاب، وهو مقاربات نقدية في القصة والرواية، في مئتي صفحة تتوزع على خمسة فصول يحمل كل منها عنواناً، يتناول الكتاب بالقراءة النقدية ما يقرب من ثلاثين رواية ومجموعة قصصية. تقول الناقدة في تقديمها لكتابها وهي تلخّص رؤيتها “ لقد توخيت في عملي هذا التمسك بروح الابتعاد عن اللهاث خلف أشكال حكائية لا دور فكري لها أو تاريخي أو ربما لا تُعد انجازاً على المستوى الشخصي للروائي والقاص، ذلك ان كليهما يؤمنان بأن أهمية النص تكمن في الرؤى والأفكار والخيالات المطروحة بدراية تامة وتقنية عالية مدركة تماماً عيوب الواقع ومتطلباته فضلاً عن اجادتها في رسم همومه عبر النصوص السردية”، مما يشي بأنها اعتمدت الانتقائية في اختيار النصوص التي تناولتها من بين ما كانت قد قرأته وهو كثير بلا شك، مع أنها جمعت في اختياراتها بين نصوص لكتّاب متمرسين وأخرى لكتّاب لم  تكتمل تجاربهم تماماً بعد،

يحمل فصل الكتاب الأول عنوان “فرادة البنية السردية النسوية ومضمراتها” تحدثت فيه الناقدة عن سبع روايات غلب عليها الموقف من المرأة: روايات كتبتها المرأة وأخرى كُتبت عن المرأة، وتشكّل المرأة مادتها جميعاً. تقول الناقدة، وهي تفصح عن انحيازها للمرأة بالتأكيد، أن الرواية النسوية شكلت “انعطافة في المضمار الروائي بما استعملته من ضرورات فنية وما كشفت عنه جمالياتها الابداعية وهي في ذروة ممارساتها التخييلية من نضوج، معلنة عن ادانتها للواقع” (ص 15). وجاء فصل الكتاب الثاني بعنوان “لأنسنة وفعل الخطاب” قدمت الناقدة فيه قراءات لثلاث روايات. وترى الناقدة أن “هناك وظيفة للأنسنة تحددها العلاقة بين المكان والذات، والعلاقة بين الزمان والذات وهي علاقة متشابكة ومتفاعلة ولها محمولات ايديولوجية تفسر سايكولوجية الذات المخاطبة داخل النص” (ص 52). وتقترب رنا صباح من مفهوم الواقعية السحرية في فصل الكتاب الثالث وقد جاء بعنوان “ثقافة الرواية الفنتازية” تناولت فيه ثلاث روليات تقول عنها انها جميعاً “قامت على الفنتازيا منذ العنوان حتى النهاية إذ يظهر فيه العجائبي من أول وهلة على انه مرادف لكل ما هو مدهش، رائع مغاير، مختلف، مذهل” (ص 81). وبدا في اختيارها لرواية “جمود” المترجمة عن كاتبة صينية ما يمكن أن يشكّل خروجاً عن السياق العام للكتاب الذي يتناول السرد العراقي بشكل خاص. أما الفصل الرابع فقد جاء بعنوان “جماليات القبح في مضامين روائية” وتناولت الناقدة فيه ثلاث روايات عراقية وتقول فيه: “إن هناك افتتاناً بالقبح يشبه الافتتان بالجمال ذلك ان للقبيح أهمية مساوية لأهمية الجميل ويكون موجوداًعلى نحو مستقل عن الجمال” (110). وقد تجد الناقدة من يعترض على اشارتها ألى “الافتتان بالقبح” فترد بتعداد عناوين عدد من الروايات المهمة التي تراها تؤكد ما ذهبت إليه. أمافي الفصل الخامس من الكتاب والذي جاء بعنوان” مقاربات نقدية في اشتغالات القصة “ فقد تناولت عشر مجموعات قصصية لعشرة قاصين ينتمون إلى أجيال مختلفة، وهو أطول الفصول الخمسة وقد جاء في سبعين صفحة.

  إن ّ هذه القراءة تهدف إلى التعريف بالكتاب الذي يشي بسعة قراءات الناقدة رنا صباح وتعدد وتنوع المصادر التي اعتمدتها وتكشف عنها الإقتباسات التي أوردتها من هذه المصادر، منها “ السرد النسوي ـ الثقافة الأبوية (الهوية الأتثوية والجسد)” للدكتور عبد الله ابراهيم و“ الفضاء الروائي في الغربة (الإطار والدلالة) لمحمد منيرالبوريمي، و“الكلام والخبر” مقدمة السرد العربي “ لسعيد يقطين، و“جماليات المكان” لجاستون باشلار ــ نرجمة غالب هلسا، و”سرد ما بعد الحداثة “ لعباس عبد جاسم، و“في النقد القصصي” لعبد الجبار عباس.

ان كتاب “الوردة والسكين” يؤكد ظهور صوت نقدي رصين: ناقدة تعد بالكثير !