خلفت الحرب العالمية الثانية ( 1945 - 1939) الافا مؤلفة من الضحايا، سواء من دول المحور الفاشي (المانيا، ايطاليا، اليابان) او من الدول التي وقعت تحت احتلالها.
وبادرت الدول التي كانت ضحية لتلك الحرب الى الاحتفاء بشهدائها، وخاصة اولئك الذين شكلوا فرقا للمقاومة الشعبية ضد المحتل النازي. وكانت فكرة الاحتفاء بسيطة جدا من خلال اطلاق اسماء الشهداء على الساحات والشوارع، او وضع الواح نحاسية في مواقع الاستشهاد تحمل كل منها اسم وتولد وتاريخ استشهاد المعني، بغض النظر عن انتمائه الفكري والعقائدي او السياسي. ومنذ ذلك التاريخ حافظت الحكومات المتعاقبة هذا التقليد، دون ان تتدخل في تغيير اسم هذا الشارع او رفع هذه الدالة، وليس كما حدث ويحدث في بلداننا المكتوية بنار الحكومات الشمولية تارة، والطائفية-الفاسدة تارة اخرى. فالمدينة التي بناها الشهيد الراحل عبد الكريم قاسم للعوائل الفلاحية الفقيرة والمهاجرة من الجنوب، أسماها مدينة “ الثورة “ نسبة الى ثورة 14 تموز 1958 الخالدة، لكنها تحولت إلى اسماء اخرى ليس لها علاقة بهذه المدينة ولا بسكانها لا من قريب ولا بعيد!
وفي العودة الى تخليد الشهداء فإننا نذكّر بان ثورة 14 تموز ردت الاعتبار يوم 24 /2 /1959 للشهيد الخالد مؤسس الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان يوسف “فهد” ورفيقيه عضوي المكتب السياسي للحزب زكي بسيم وحسين محمد الشبيبي، حيث اصدرت حكومة الثورة قرارا باعتبار الاعمال التي حكموا بسببها من اعمال الكفاح الوطني، التي تستحق التقدير واعتبارهم “شهداء الشعب”. وكانت هذه اول عمليةاعدام في تاريخ العراق الحديث بسبب نشاط سياسي سلمي، هدفه الاساس الدفاع عن العراق ومواطنيه من اجل حياة حرة كريمة.
واذا تعذر اليوم تسمية ساحة او شارع باسمائهم، فمن الممكن وضع لوحة نحاسية في الاماكن التي اعدموا فيها، تعرّف بهم وبنضالهم وهذا اضعف الايمان. واذا كانت الجرائم لا تسقط بالتقادم فان “الشهادة” من اجل الوطن لا تسقط ايضا بالتقادم، ومن هنا نتذكر الشهداء الذين سقطوا غداة انقلاب 8 شباط 1963سيء الصيت!
اما الشهداء الذي سقطوا بعد اندلاع انتفاضة تشرين 2019 فحدث ولا حرج! تجاوز عددهم سبعمائة شاب وشابة معظمهم بعمر الورد، لم يمارسوا عملا مسلحا ضد الدولة، ولم يمتلكوا سوى صوتهم النقي الذي عبر عن مطالبهم بتحقيق العدالة الاجتماعية! وخيرا فعلت حكومة الكاظمي باعتبار هؤلاء الشبان شهداء للوطن، ولكنها خيبت الآمال بعدم ايفائها بملاحقة القتلة وتقديمهم الى القضاء، رغم مرور اكثر من ستة أشهر على تشكيلها!
واذا ما استمر الحال على ما هو عليه من قتل وخطف وتغييب من قبل “الطرف الثالث المندس!” فلا اعتقد ان ساحاتنا وشوارعنا ستكفي لاطلاق اسمائهم عليها!

عرض مقالات: