هو بيتنا الحصين، الذي بنيناه بدمائنا وأعمارنا وأحلامنا، فأنارَ وأزهى وابتسم له الزمان. هو مسكن العائلة الفسيح، الذي يجمعها على موائد الألفة والمحبة وحكايات شهرزاد. هو مأوانا الذي نلجأ اليه حين تداهمنا عاصفة المطامع والأهواء، وحين تغزو النفوس إغراءات الحقائب ودفء الكراسي. هو الحارة والجيران وبيوت الطيبين واللّمة التضامنية التي تشعرنا ببساطة وكرامة وكبرياء الفقراء. وهو الصف والمدرسة التي علمتنا كيف ندفع ضريبة الانتماء للوطن ونحن نردد (أغاني الحياة) التي يبدأها ابو القاسم الشابي (اذا الشعب يوما اراد الحياة / فلابدّ ان يستجيب القدر..).
ليس مجرد حزب
هو الطفل الجميل الذي يظهر بيننا كما لو أنه حلم، ويصنع بضحكته البريئة فرحة الشارع. هو الصبي المتوهج الجسور الذي لا يعرف الخوف والاوهام، فيجعل احساسنا في الحياة حلوا وعميقا وذا هدف. هو المرأة الباذخة في حسنها، الرقيقة في نفسها، المتحررة من قيود الخطيئة والناجحة في شقّ طريقها والتي يخدش ذكاؤها كبرياء الذين يكرهون المواهب. وهو الشيخ الجليل الوقور الذي يحمل المصباح المضيء في الليل البهيم ويرشدنا الى تأملات وحكمة (اوديب) في رائعة شكسبير حين يقول: (بالرغم من كل هذه المأساة، فإنّ تقدم سني ونبل روحي يجعلانني انتهي الى انّ كلّ شيءٍ حسن).
ليس مجرد حزب
هو الربيع الذي تتعانق فيه الشمس والمطر ويملأ الطبيعة بالحياة والندى والخيالات البنفسجية. هو الوردة البيضاء التي رسمناها على ظهور دفاترنا وفاح عطرها في سماء العراق وأرضه. هو قوس قزح الذي يسحر الحواس حين تمتزج فيه كلّ ألوان البلاد واطيافها وجواهرها وكلّ ما فيها من جمال وتاريخ وانسانية. وهو نور الحقيقة التي يبحث عنها التائهون والجياع مثلما يبحث عنها المثقفون والشعراء والمبدعون فتتجلى امامهم لامعة من دون اسرار ولا علامات استفهام.
ليس مجرد حزب
فهو بئر المعرفة العميق الذي غرقنا فيه، فتعلمنا الفرق بين الكلمة والبهرجة، وبين العزف على الكمنجة والعزف على العواطف، وبين سياسة ادارة البلاد لمصلحة المواطن وسياسة نهب ثرواته. وتعلمنا معنى العدل والحرية ومقارعة الذين تخصصوا بأكل لحمة الكتف. في هذا البئر تفتحت عيوننا على وجع المسحوقين والمحبطين والذين يعيشون داخل الاقفاص، وتعلمنا فيه ايضا أن سياسة الكواليس والصفقات تسلبنا انسانيتنا وتجعل قيمنا الحضارية والاجتماعية على المحك. وهو كل هذا وذاك، فحزبنا الشيوعي الذي تتعطّر باسمه محافلنا ليس مجرد حزب!.