"نازل آخذ حقي"، "أريد وطن"، وغيرها من الشعارات التي رفعها ابناؤنا واخواننا المتظاهرون في شوارع بغداد والمحافظات بعد ان ضاقت بهم سبل العيش، وتقطعت خيوط الامل طول فترة الـ 16سنة الماضية، تحت وطأة المصالح الضيقة للأحزاب والأداء الحكومي المتواضع والفساد المالي والإداري الذي تفشى في كل أروقة الدولة العراقية.
ولعلي في سطوري هذه وما سبق الذي كتبته في مناسبات عديدة قد تصل الى عشرات المقالات، أكون من ضمن العديدين من الكتاب والباحثين والمثقفين الذين طالما حذروا الحكومة العراقية الحالية والسابقة وما سبقها من خطورة الكبت الاجتماعي الحاصل بين معظم فئات المجتمع وضيق افق الامل والسوداوية في الرؤيا المستقبلية للشباب الذين مّلوا الجلوس على دكة الصبر في انتظار العمل، وملتهم الشوارع التي طال وقوفهم فيها وهم يبحثون عن أية فرصة تضمن لهم الحياة الكريمة في بلد توصف معظم موازناته بانها انفجارية، بل انها قد تكفي وتوفر فرص العمل لثلاث او اربع دول إقليمية لكنها وبمنطلقاتها الحالية لم ولن تستوعب الشباب العراقي العاطل !!!
ان هذه التظاهرات والاحتجاجات ليست الأولى من نوعها، فقد سبقها العديد من الاحتجاجات في سنوات عديدة سابقة وفي أماكن مختلفة من البلاد سواء عام 2011 او 2015 او احتجاجات سابقة في محافظة البصرة والمحافظات الجنوبية احتجاجاً على تلوث المياه وتراجع مستويات تجهيز الطاقة الكهربائية والبطالة وسوء الادارة المحلية وغيرها، ولكن بالرغم من ذلك فإنها تختلف عما شهده العراق اخيراً من احتجاجات وتظاهرات، ولعل الفرق بينهما هو حجم وعفوية التظاهرات من جهة، وحجم وعدد الضحايا الذين سقطوا في الاحتجاجات الأخيرة وما رافق ذلك من عنف وعنف مضاد من جهة أخرى.
ولعل من المهم الإشارة في هذه الاسطر الى الجيل الجديد الداخل في النسيج الاجتماعي المطالب بحقوقه وصوته المضاف الى باقي الأصوات وهم من يمثلون الان الاعمار من 16 - 20 والذي اثبتت الاحداث الأخيرة انهم الصوت الأعلى والأخطر ان لم توضع الحلول المناسبة لمطالباتهم المشروعة، لكون هذا الجيل ممن لم يكتوِ بنار الديكتاتورية ولم يعِ سنوات الخوف والكبت، وقد استنشق هواء الحرية في الرأي، والجرأة في الطرح والتعبير، وسيكون من المستحيل السيطرة والتأثير عليه وثنيه عن اهدافه، وحثه على تحمل فشل السياسات الحكومية وفساد الأحزاب وتمدد حيتانها، ودفعه باتجاه اجترار مرارة الواقع، فيما ينعم الفاسدون بأموال مشبوهة استلت من ثروات البلاد لمحو كل امل بمستقبل مزدهر ومستقر، بخلاف اعمار واجيال الذين سبقوهم والذين عانوا الامرين خلال الـ16 سنة الماضية، ولاتزال الام العراقية ولادة ولاتزال الأجيال تتواتر جيلا بعد جيل وهم يتواصلون في كل يوم وفي كل ساعة مع العالم الخارجي بواسطة الانترنت وبرامج التواصل والقنوات الإعلامية المختلفة ويقومون بالمقارنة بين واقعهم المزري وواقع اقرانهم من الشباب في دول العالم المختلفة، ويصعب بذلك في كل يوم يمر التأثير عليهم ومنعهم من فورة وغضب عارم يزعزع كل ما هو امامه وقد لا يكون بالإمكان توجيههم وكبح جماح غضبهم حتى من قبل كل المؤسسات المعنية بذلك سواء الاجتماعية او العشائرية بل وحتى الدينية .
وخلاصة نقول لابد من التأكيد على ان الأصوات التي خفتت، والانين الذي كتم، والمتظاهرون والخريجون وأصحاب الشهادات العليا والعاطلون الذين رجعوا الى بيوتهم وهم يحملون في جعبتهم الآمال في الوعود الحكومية سواء على لسان رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء او رئيس البرلمان في محاربة الفساد وتوفير فرص العمل، وضمان الحياة الكريمة، فان هذا لا يعني ان النار قد اطفأت، وان الجراح قد اندملت، لا بالعكس ولكنه غضب قد أجل اوانه، وصوت عالي انطلق وهو ينتظر ان يرجع صداه ولكن بحجم اكبر وصورة أوسع قد تهدد كيان الدولة باسرها، وقد تنسف العملية السياسية وكل مخرجاتها الحالية ان لم تف الحكومة بالتزاماتها ووعودها التي قطعتها للمحتجين والمتظاهرين.

عرض مقالات: