من المبهج ان نسمع ان وزارة الثقافة والسياحة اخذت تنظر الى السياحة باهتمام محسوس  حيث اعلنت توجهها لانفاق 78 مليون دولار لإصلاح المواقع الاثرية التاريخية وتحسين ما حولها من البنى التحتية خصوصا ما يتعلق بمدينة بابل الاثرية بهدف جذب المزيد من السائحين، لكن هذا المبلغ على اهميته لا يغطي حاجة المرافق السياحية  الاخرى وهي كثيرة خاصة في المجالات الدينية ومناطق الاهوار التي كانت من متبنيات  اليونسكو، وكذلك المرافق السياحية كالفنادق والمطاعم وغيرها  الا ان انفاق هذا المبلغ على قلته يبقى في الاتجاه الصحيح.

وهذه الخطوة الداعمة لقطاع السياحة لم تكن المبادرة الاولى في تاريخ الصناعة السياحية فقد سبق للحكومة العراقية في عام 1967 ان اتخذت سلسلة من الاجراءات على طريق دعم هذا القطاع ومنها الغاء رسوم سمات الدخول واصدار سمات دخول خاصة بالسائحين عند الحدود للقادمين من بلدان لا توجد في العراق سفارات خاصة بها وكان عدد السائحين في ذلك العام قد بلغ 484192 الف سائح بزيادة قدرها 84 الف سائح عن عام 1965.

بيد ان العوامل الايجابية التي تتمتع بها البيئة العراقية الجاذبة للسياحة تواجهها تحديات ومخاطر عديدة تحد من امكانية الاستثمار الشامل لها وهي بمجملها تشكل عائقا امام عملية  التنمية في هذا البلد وامكانية تحوله الى منافس للبلدان السياحية في المنطقة وتتمظهر هذه التحديات  بالانفلات الامني الذي ساد الساحة العراقية سواء الحروب مع دول الجوار او عمليات الارهاب التي انشغلت بها الحكومات المتعاقبة مع انشغال القوى المحاصصاتية المتنفذة بتوزيع الثروة بينها عبر عمليات فساد  منظمة وتحويل الوزارات الى اقطاعيات  لتقاسم مشاريعها والاستحواذ على اموالها  فضلا عن تدهور القاعدة التحتية التي ظل مشروعها مؤجلا الى وقت مجهول وتدني الثقافة السياحية في اوساط اجتماعية واسعة.

كل هذه المعوقات اعطت نتائج عكسية في حركة السياحة واتجاهاتها فبدلا من جذب المزيد من السائحين الى العراق فان العراقيين وبسبب من حرارة الصيف القائض وضعف خدمات الكهرباء والخدمات الصحية والعلاجية في المؤسسات الحكومية وانتشارها في القطاع الخاص بتكاليف خيالية اتجهوا للسفر  الى خارج العراق فحسب هيئة السياحة فقد زاد عدد المسافرين  الى تركيا وايران الى اكثر من ثلاثة ملايين مسافر في عام 2016 ومائتي الف سائح الى لبنان فضلا عن ملايين اخرى اتجهت الى العديد من البلدان الأخرى، وبحسبة بسيطة فان العملة الصعبة الخارجة من العراق تزيد على ثلاث مليارات دولار سنويا وهذا الاندفاع قاد الى ارتفاع اعداد الشركات السياحية حتى وصلت الى 667 شركة في بغداد وحدها بينها 500 مكتب سياحي غير مجاز.

ومن اجل تطوير صناعة السياحة وتنشيط حركتها باتجاه جذب السياحة الى الداخل، يتعين على الحكومة العراقية ايلاء هذا القطاع ما ينبغي من الخطط والاجراءات ونقترح في هذا المجال ما يلي:

  1. تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص واصدار التشريعات الضرورية التي تنظم هذه العلاقة وتسهل اجراءاتها وتحمي المستثمرين في قطاع السياحة خصوصا وتطوير مهارات العاملين لسد حاجة مرافق هذا القطاع من الايدي العاملة.
  2. دعم الكليات والمعاهد السياحية وتشجيع الطلبة للانضمام الى هذه المؤسسات وتحفيز القطاع الخاص للنشاط في هذا المجال عبر تقديم التسهيلات المصرفية وتنشيط البحوث والدراسات المتعلقة بالسياحة وادخالها في المناهج التعليمية وتوسيع نطاق الروابط بين شركات السياحة وروابط اصحاب الفنادق والمطاعم السياحية.
  3. ايلاء اهتمام خاص بتحسين اوضاع الاهوار ووضع الخطط لإيجاد قاعدة تحتية سياحية خاصة ارتباطا بزيادة كميات المياه الواردة اليها في هذا العام والتنسيق مع اليونسكو لاستحصال الدعم المالي بعد وضع الاهوار على قائمة التراث العالمي.
  4. اعادة تصميم المدن الدينية بما يسهم في اعادة الذاكرة بالقصص والوقائع والقيم والمعاني التي تنقلها المرويات الثابتة التي ترسم معالم الحدث ومعانيه وقيمه التاريخية ونشرها اعلاميا وتنمية الصناعات الحرفية الشعبية التي تعتبر عاملا هاما في الصناعة السياحية.
عرض مقالات: