يعد الحزب الاشتراكي الهولندي قوة اليسار الجذري الأولى في هولندا، وقد حقق في العقدين الاخيرين سلسلة من النجاحات الانتخابية. لكنه يعاني منذ عامين من تراجعات، اكدتها خسارته لنصف مقاعده في انتخابات مجالس المحافظات التي جرت في 20 آذار الفائت. ولمواجهة هذا التطور انطلقت في الحزب مناقشات واسعة للبحث عن استراتيجية جديدة.

في مقابلة صحفية يتساءل دينيس دي يونغ عضو الكتلة البرلمانية للحزب في البرلمان الأوروبي منذ 10 سنوات: "ما هي خطتنا الكبيرة على المدى المتوسط؟" ويطالب بمراجعة وتجديد مكثف لبرنامج الحزب، ويؤكد ضعف الاهتمام بهذه القضية في الماضي، "لقد كنا مشغولين للغاية في القدرة على المشاركة في الحكم".

وفي اجتماع مجلس الحزب الذي عقد في نهاية آذار كانت اصوات المطالبين بانفتاح الحزب على الملفات الجديدة في الساحة السياسة مسموعة. وان الحزب الاشتراكي مطالب بالعودة الى مواقعه وشعاراته، التي استحوذ عليها شعبويا "منتدى الديمقراطية" اليميني المتطرف.

ويقول متابعون ان استياء القواعد لم يصل بعد كما يبدو لقيادة الحزب. فقد صرحت رئيسة الكتلة البرلمانية لليان ماراينسن وهي المرأة القوية الجديدة في الحزب، بعد الهزيمة الانتخابية مباشرة: "لم تكن هذه الانتخابات انتخاباتنا". وان الملف الذي هيمن على الحملات الانتخابية وحدد مسار التصويت كان ملف السياسات المتعلقة بالمناخ، ولم يكن ملفا تقليديا بالنسبة للاشتراكيين.

وبالنسبة للكثيرين من اعضاء الحزب، لا تزال المراجعة دون المستوى المطلوب. وقد طالب العديد من لجان الحزب المحلية القيادة بالبحث عن الاخطاء في ادائها.

وفي سياق الاعلان عن التذمر يشار الى ان اختيار موضوعات الحملة الانتخابية المركزية لم يكن، منذ زمن طويل، هو الأمثل. ولا شك في أن تأمين المعاشات التقاعدية والرعاية الصحية أمران مهمان، لكن يبدو أن هناك قضايا أخرى أكثر أهمية، ولذلك يُنظر بشكل متزايد الى أن الحزب يتجاهل العديد من الاسئلة المثارة في الساحة السياسية.

وبشأن انتخابات البرلمان الأوروبي التي ستجري في 26 ايار الحالي، يعِدُ رئيس الحزب رون ماير، بان الامر سيكون مختلفا، ولكن لا جديد في ما يقول:"ان منتدى الديمقراطية، وحزب الحرية بزعامة خيرت فيدرز، (وهما حزبا اليمين المتطرف) لا يقولان الحقيقة، قعندما يسمع الناس ان منتدى الديمقراطية يطالب بمزيد من آليات السوق في قطاع الصحة، وتخفيض الضرائب المفروضة على كبار الاثرياء، يصابون بالرعب".

لا شك ان رئيس الحزب يعلم ان ملف الهجرة يمثل حقل الغام بالنسبة للحزب، فهذا يعيش حالة من عدم التوافق بهذا الشأن، فمن جانب تأسست منذ الصيف الفائت "المجموعة" التي تطالب بمزيد من التضامن مع اللاجئين، والعمل على منح اللجوء لأسباب انسانية، ومن جانب آخر فان عدد الذين يتفقون مع المواد التي تحد من توافد اللاجئين الى هولندا ليس قليلا داخل الحزب، وخصوصا ما يسمى بترحيل لاجئي البلدان الآمنة. ومن المفيد الاشارة الى ان عدم وضوح موقف الحزب من ملف الهجرة لعب دورا محوريا في خسارته، في حين استفاد حزب اليسار الاخضر بتبنيه موقفا واضحا وصريحا بالتضامن مع اللاجئين، وبهذا ضاعف مقاعده على حساب الاشتراكيين.

وعلى هامش اجتماع مجلس الحزب تعرضت مرشحة الحزب الاولى لليان ماراينسن الى النقد، وهي التي تولت رئاسة الكتلة البرلمانية في كانون الأول 2017 ذلك ان هذه الشابة، البالغة من العمر33 عاما قادت الحملة الانتخابية بسيارة فراري حمراء! وقد اثار هذا النشاط الكثير من ردود الفعل السلبية. اذ كيف يمكن لحزب يمثل الفقراء، ان يستخدم سيارة رياضية باهظة الثمن في حملته الانتخابية؟ لقد بدا الامر متناقضا للكثير من الناخبين.

من جانبه رد رئيس الحزب على الانتقادات مذكّرا بمواقف الحزب المناهضة للرأسمالية.

ويبقى السؤال مفتوحا: هل يستطيع الحزب الاشتراكي تجاوز حالة عدم الوضوح التي يعاني منها، ويعود الى تحقيق نجاحات انتخابية جديدة؟  

عرض مقالات: