لاتزال امنيات المرأة العراقية تتأرجح بين المرتجى والمؤجل، ولم تحصد غير المزيد من المعاناة والانكسارات المتزايدة والمتلاحقة، رغم كفاحها المستمر.

 فمنذ الحكم الديكتاتوري سيء الصيت، مروراً بالسنوات المعتمة التي تلته، بقيت المرأة العراقية عرضة للقمع في البيت وخارجه، ضحية لغسل العار، خادمة دون اجر، تعاني من البطالة والعوز، وارملة دون معين، او ثكلى تتوحد مع الحزن والحداد، او ضحية لممارسات وظواهر متخلفة كالختان، وتعدد الزوجات، او الذبح لغسل العار، او يتيمة دون راع، او متسولة من اجل لقمة العيش، او اي شكل آخر من الاعتداءات المختلفة التي تخرق الحياء كالتحرش الجنسي وغيره، والتي كان امضها السبي المخزي الذي مارسه الدواعش بحق الاف النساء والشابات الايزيديات المختطفات، والذي يكاد النسيان ان يغطيه بغبار كثيف ويمحوه من الذاكرة، وكان ضمن اخر مظالم المرأة هو معاناتها النازفة بين خرائب البيوت المتهدمة وخيمات النزوح بعيداً عن كل ملامح الحياة الكريمة.

عانت المرأة العراقية من الفقر، من النظرة الدونية وقصر العقل. قبعت زمناً طويلاً تحت ظل الحكومات الشمولية والديكتاتورية الانفرادية، مكممة وخاضعة في عراق تتراكم فيه ملفات الفساد فوق بعضها، ويخاف فيه القضاء من مواجهة الحاكم.

شهدت التصفيات المريعة والتفجيرات المدمرة، شهدت الاختطافات والاعتداءات الجنسية، قبعت في زنزانات السجون وتعذبت تحت اقبيتها، خضعت للزيجات المبكرة بعمر الطفولة، والتي باركتها الفتوات الخائبة، فقدت الاب، فقدت الابن، فقدت الاخ والزوج والحبيب متحملة رياح الحروب المسمومة التي زج فيها عراقنا الحبيب، فوقعت على كاهلها مسؤوليات الحياة الاسرية....ناهيك عن القرارات الغريبة التي يبتدعها افراد تسلطوا ومسكوا زمام التحكم في مقدرات البلاد ومواطنيها، بدولة متهالكة على حافات الانهيار.

وبقي الرفض مستمراً من قبل المرأة، وبقيت المعانات تتزايد لاجهاض المظالم الاضافية التي فرضت وتفرض عليها على الرغم من توقيع الحكومات العراقية على الاتفاقات الدولية والعالمية المناهضة للعنف ضد المرأة، كتوقيع العراق على اتفاقية سيداو على سبيل المثال لا الحصر، ولاتزال المرأة تعاني من الاقصاء والتهميش الاجتماعي في اغلب مفاصل الحياة.

ولقد كان لصعود التيارات الاصولية في العراق تأثير شديد لإعاقة تطوير النظام السياسي، ووضع المرأة العراقية تحت عبودية جديدة تعرضت من خلالها لحملة سياسية وفكرية، اغتصب من خلالها كيان المرأة الانساني، وأوقفها في ظل اوضاع مزرية امام سيناريو اسود يلقي بضلاله على واقع المجتمع ككل، ولكنها تحملت الحصة الاكبر فيه عبر الاختطاف والارهاب الواسع النطاق، وفرض الحجاب عليها تحت ظل التهديد بالطرد من العمل والحرق والقتل، ثم شيوع ظاهرة المتاجرة بالأجساد، وصاحبتها حملة المجازر الصامتة وباسم الاعراف والتقاليد الاجتماعية المقدسة، ففرضت قولبة جديدة لحياة نساء العراق تطالب بها القوى والجماعات الدينية والقومية والعشائرية المتطرفة.

وهاهن نساء العراق في نينوى يعانين الان من اسوأ الظروف والتي تعرضت فيها الأُسر العراقية للتشريد والقتل والهجرة، واجبارها على ترك مناطق سكناها وبيوتها وعدم وجود ملاجيء او مساكن تأوي هذه الاعداد الهائلة من الأُسر، عانت المرأة بسببها من وقع مضاعف كونها ضمن افراد الاسرة اولاً وكونها مسؤولة كأم او زوجة ثانياً.

لقد اختزلت معاناة المرأة في نصوص وقرارات هزيلة تقفز بين حين وحين من هنا او هناك وتعيق تطورها وتمكنها من استرداد حقوقها ومنزلتها الحقيقية في المجتمع، ووحدة وجودها مع الرجل لتحقيق مبدأ الشراكة والالفة على الطريق السليم، لا ان تعتبر اداة لمتعة الرجل وماكنة لتفريخ الاطفال حسب.

ان للمرأة العراقية تاريخاً ودوراً، لها ماض وحاضر، لها فكر ووعي، ولها ممارسة ومعاناة، تحتم ابعادها عن النزعة التسلطية الاستبدادية واساليبها العنيفة، وابعادها عن الخوف والخنوع والسلبية التي تمسخ الشخصية الانسانية، وهذا يقتضي من الجميع عدم المرواحة بين المواجع، بل الصحو في فضاء صحي يعزز تأسيس حقيقي لحياة الشراكة الحقيقية مع المرأة، اذ لايمكن تصور عراق ديمقراطي بدون مساهمة فعلية من المرأة، وان تعنيفها و تهميشها واقصاءها عن ساحة الفعل اليومي الثقافي، يعطل البناء الاجتماعي ويسبب العجز في اداء الدور المطلوب، كما ان العمل على تغيير البنية الثقافية في المجتمع، من شانه ان يعيد تفحص الخلل في العلاقة التراتبية بينها وبين الرجل.

ان رد الاعتبار للمرأة العراقية، لايأتي من خلال عملية تغيير في تشريعات الدستور فقط، او وضع عدد قليل من عناصر نسائية في سدة الحكم ذراً للرماد في العيون، بل يجب ارساء دعائم جديدة في العمل التربوي والاسري، فتحرير المرأة العراقية يبدأ بإعادة النظر في جوهر المناهج التربوية المبنية اصلا على اسس ومفاهيم ذكورية لا تعترف للمرأة بحقوقها الانسانية، بل تضعها في الصف الاخير من المجتمع.

 علينا تفعيل طاقة اكثر من نصف المجتمع المعطلة بعد اخراجها من ادوارها الاولى، الى الاسهام في الشأن الاجتماعي والثقافي، وعلينا ان نحقق نهضتنا المنشودة بانتشال المرأة من حالة التهميش والتغييب والتعنيف والدونية، واختيار الكفاءات المتنورة لاصلاح ماخربه المفسدون، وعدم فسح المجال لإبقاء العناصر التي ساهمت في تهشيم كيان عراقنا الذي لايزال مجتمعه محكوماً عبر ازمة انتقاله الحالي، بفكر اسطوري ضارب الجذور.

ويدرك الجميع ان العراق يمر الان باخطر مرحلة تاريخية، كما يدرك مثقفوه اجندة استحقاقات التقاليد الاجتماعية لهذه المرحلة العصيبة التي تحتاج الى اعادة بناء المواطن العراقي حضاريا وخلق البيئة التي توفر له الثقة بنفسه وبمجتمعه ومستقبله، إضافة الى نظرة تنتقد وتستوعب وتحلل وتبتعد عن قدسية التقاليد والعادات المتخلفة. 

وليس من اليسير التخلي عن النظرة الرجولية التي تمتزج بالمخاوف التي عشعشت في العقول والتي سادت في الغالب على حساب العقلية المنطقية والقوانين الموضوعية، لذا من الصعوبة ان يتحرر الرجل اجتماعياً دون ان تخلق مؤسسات السلطة معطيات اجتماعية جديدة، لا ان يتوقف فيها التاريخ، فالزمن هو وسيلة لاعادة البناء والتغيير، وان تحرير الوعي عند الرجل يأتي اولاً، لكي يستوعب عملية بناء حرية المرأة.