تعتبر النساء في العالم أجمع، الإحتفال بعيد المرأة، رمزاً للتضامن ومناسبة لتصعيد النضال من أجل نيل حقوقهن المشروعة وحريتهن ومساواتهن الكاملة - غير المنقوصة مع الرجل، وفرصة للعمل من أجل ايجاد حلولا عملية للمشكلات التي تعاني منها المرأة. ولهذا يكتسب الإحتفال جمالاً بشكل عام، وتميزاً خاصا في العراق، جراء ما يعاني منه الوطن من ظروف استثنائية غاية في المأساوية والتعقيد وصراعات طائفية مقيتة وحرب ارهابية ظلامية ومن خراب وفقر وتشرد يعم ارجاء هذا العراق الجريح.  ويأتي هذا التميّز من شموخ العراقيات، وبقائهن بطلات يواجهن الموت بتحدي وكبرياء من اجل بناء عراق علماني مدني ديمقراطي موحد يسوده السلام والعدالة الاجتماعية ويضمن حقوق الانسان.

لقد أصاب أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، كبد الحقيقة حين قال بمناسبة يوم المرأة العالمي: " في اليوم الدولي للمرأة، فلنتعهد جميعا ببذل قصارى جهدنا للتغلب على التحيّز المترسخ، ودعم المشاركة والنشاط، وتعزيز المساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة". فمنذ عصر العبودية ، جرى ترسيخ فكرة دونية المرأة ، كنتاج للنظام البطرياركي في استغلال الانسان للانسان الاضعف (المرأة). وعمد "حكماء" عصر العبودية، واضعو الاسس الفكرية والدينية والاخلاقية والسياسية والاقتصادية لحضارة البشر على ترسيخ هذه الدونية. فهذا افلاطون في جمهوريته يقسم البشر الى طبقتين الروح والجسد، الروح المتمثلة بالفلاسفة والحكام  ذوي الطبيعة الروحانية ومالكي القدرة على التفكير والقيادة، والجسد الذي يشمل الجنود والعبيد والنساء ممن خلقوا للحرب والاعمال الخدمية فقط. وذاك ارسطو الذي إتهم المراة بنقص في العقل يسبب عجزا على  الفصل بين الخير والشر، مما يلزمها الطاعة لتحقيق الفضيلة  والصمت مجد لها والمرأة ليست إلا مُجرَّد (أرض) أو (وعاء) تتم فيها عملية الانجاب. ثم تبع هؤلاء العديد من الفلاسفة الذين أقتدوا بإطروحاتهم اللاإنسانية مثل جان جاك روسو وديكارت وكانت ونتشة وفرويد وحتى بعض الشعراء مثل ابو العلاء المعري، الذي وجد بأن المرأة  لاتجيد الا غزل الصوف وشؤون البيت رغم كل دعواته لمكافحة الجهل والتخلف في المجتمع.

وكما تبنت كل التشريعات البدائية، فكرة دونية المرأة ونقصان عقلها، تبنت جميع الأديان دونية المرأة وتبعيتها للرجل وحصرت مهمتها في الإنجاب وتربية الأطفال، وبالتالي سجنها في البيت، حتى وصل بهم الحال الى مناقشة انسانيتها. ففي  سنة 1586 م عقد في فرنسا اجتماع ليبحث شأن المرأة ، ما إذا كانت تُعدُّ إنساناً أم لا. وبعد النقاش قرر المجتمعون أن المرأة إنسان ولكنها مخلوقة لخدمة الرجل. اما الفتاوي فلا حصر لها مثل ماقاله عبد الرحمن النقيب نقيب اشراف بغداد وأول رئيس وزراء عراقي: " اما تعليم النساء القراءة والكتابة فأعوذ بالله منه، اذ لا أرى شيئا اضر منه بهن، فأنهن لما كن مجبولات على الغدر، كان حصولهن على هذه الملكة من أعظم وسائل الشر والفساد وأما الكتابة فأول ماتقدر المرأة على تأليف كلام بها فأنه يكون رسالة الى زيد ورقعة الى عمرو وشيئا آخر لرجل آخر، فمثل النساء والكتب والكتابة كمثل شرير سفيه تهدي اليه سيفا او سكير تعطيه زجاجة خمر، فاللبيب من الرجال هو من ترك زوجته في حالة من الجهل والعمى فهو اصلح".

ولهذا إرتبط كفاح النساء بمجرى كفاح البشر للتطور، لذا نرى ان المرأة قد نالت جزءً كبيرا من مكانتها وحقوقها في جميع المجتمعات التي نالت حريتها وبنت مجتمعات مدنية يسودها دستور عادل وتعتمد نظام المواطنة. ففي بلدان العالم المتقدم حصلت المرأة على 85-90% من حقوقها في مجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي تنظيم حياة الأسرة.  أما في مجتمعاتنا الغير متحررة، فقد برزت أنعكاسات الفكر المتشدد على واقعنا الحالي مما جعلنا وكأننا نعيش القرون الوسطى من المعاناة والحرمان حيث لم تتمتع المرأة بحريتها واستقلالها بل ترزح تحت العنف والظلم الاجتماعي، إبتداءً من التحرش ومرورا بكل اشكال  التمييز وإنتهاءً بالقتل بحجة غسل العار.

والى جانب المؤسسات الحكومية، يوجه المجتمع بتقاليده وفكره المتشدد عنفا موجها للمرأة، مما يجعلها منبوذة وغريبة وبؤرة الشيطان في الاغواء، ولهذا يجب إحكام السيطرة عليها وتكبيلها بخطة رمزية لامرئية عبر العادات والاعراف وبجملة من الموانع والمحرمات التي صنعها الفقهاء في صناعة ذكورية، البسوها برقع التقديس.

ان الخراب الفكري الذي اصاب مجتمعنا وعلى كل المستويات وبالأخص قضية المرأة، أوقع نسبة كبيرة من نسائنا في براثن اليأس والإستسلام لهيمنة الرجل والقبول بالتبعية له، حتى بتنا نرى وللاسف، نائبات برلمانيات يدافعن وبشدة عن مقترح تعديل (أقرأ تخريب) قانون الاحوال الشخصية رقم 88 لسنة 1959، ذلك التعديل الذي يمثل انتكاسة حقيقية وتراجعاً في ضمان حقوق الانسان فهو  يبيح زواج (إقرأ : اغتصاب) القاصرات ويحطم الهوية الوطنية ويمزق النسيج الاجتماعي، فيما تطالب أخريات بتعدد الزوجات.

 كما تعاني شرائح كبيرة واسعة من جماهير شعبنا من تردي هائل في الوضع المعيشي وتصل نسبة السكان الذين يعيشون اليوم تحت خط الفقر المحدد دولياً إلى 35 %، إضافة إلى أن هناك نسبة أخرى تقف عند خط الفقر. وتحتل المرأة موقعا متقدما بين هؤلاء المسحوقين، الذين يعانون أيضا من الأمية (تصل نسبتها في الريف والبادية إلى 75 % بين الرجال و98% بين النساء) ومن الجوع والمرض ناهيكم عن الأمية الحضارية الشاملة.

إن كل ذلك يدعو لتعزيز نضال المرأة العراقية في سبيل حقوقها المشروعة ومساواتها التامة ومن أجل حماية اطفالها وتأمين مستقبلهم. كمل تقع على عاتق المرأة مهمة دعم الحراك المدني الضامن لحقوقها، لاسيما عبر التصويت له في الإنتخابات القادمة.

تحية للمرأة في كل بقاع العالم بمناسبة الثامن من آذار، اليوم العالمي للمرأة . تحية لكل رائدات الحركة النسوية العراقية. تحية إجلال واحترام لشهيدات الحركة النسوية اللواتي سيبقيىن منارا ينير لنا الطريق. تحية للعاملة والفلاحة والمعلمة والطالبة  ولكل نساء بلادي، وليكن الثامن من آذار حافزاً ورمزاً نضالياً، على مدى التاريخ من أجل حرية وكرامة وحقوق المرأة في كل بلدان العالم.