كنت بمعية صحبة وانا اتجول في حدائق شارع ابي نواس، لحضور فعالية طريق الشعب الغراء، اقول كنت، في حين أنني كائن في هذه الإحتفالية منذ زمن بعيد، كما لو كنت كلمة لا تكتمل إلا بالحضور الدائم، كلمة أوعمودًا صحفيا، أو مادة يرفضها رئيس التحرير، فوجودي في الإحتفالية، لا يحدد بشكل معين، وجود ليس إلا صورة مستنسخة لكينونتي منذ بداية الستينيات وإلى اليوم، هذه الإحتفالية العلنية، وبكل ما فيها من زهو وحضور متميز، لاترقى بدلالتها إلى تلك الأحتفالات التي كنا نقيمها في بيوتنا وتحت اضواء خافتة بذكرى تأسيس الحزب الشيوعي أو بصدور الصحافة أو باستشهاد رفيق. وأنا اتجول، بجسد متعب، وبأفكار راودتني أن أقول بصوت عال، دام بهاؤك أيها الحزب العتيد، الحزب الذي يتجاوز عمره، مستندًا إلى قاعدة الفكر العريضة، وكنت ارغب ان اوجه كلامي للبعض الذين يبنون قناعات ناقصة على علاقاتهم الجزئية مع هذا الرفيق أو ذاك، وأذا اختلت العلاقات اصبح الحزب الشيوعي كله، بكوادره وتاريخه ومواقفه موضع شبه وإدانة وتساؤل.!!!
وانا اتجول في أروقة دماغي الملتبس ببقايا أفكار لا تجد فرصة للبوح المفصل فيها، أجد نفسي عاجزًا عن القول بأن ممارسات احتفالية مثل هذه تجدد ماهية الحضور الدائم في وعي الناس عامة، وكنت أمني النفس لو كان التنظيم أكثر دقة، وليس الخطابات والكلمات إلا صورة واحدة، فثمة خطابات كثيرة يمكنها أن تؤدي أغراضا مضاعفة لتبيان أن فعاليات الحزب الشيوعي ليست فعالية مقتصرة على المناسبات، بقدر ما هي تذكية لروح الشعب وهو يجد فيها فرصة لزيادة وعيه وحركته اليومية، كنت اتمنى لو ثمة رقصات شعبية، وموسيقى شعبية، وازياء تطوف، وأغان نضالية وحياتية عامة، وشباب بأزياء مختلفة، وجولات للقادة بين الحضور ،واستفتاء لما يريده الحزب في المرحلة المقبلة، وطرائق فنية للقول الثقافي تبعدنا عن المكرر والعادي والمستهلك، كنت امني نفسي أن أجد مطربًا يلامس صوته شغاف ذاكرتنا، ورسامًا ومعرضًا لصحافتنا يقدم بطريقة فنية. أخرى، وحضورًا فنيًا للمحافظات ولقواعد الحزب المختلفة، ولكن ليس في اليد أكثر مما ظهر في يومين ممتلئين بذاكرة مشحونة بالتفاؤل.
في مستوى آخر من الرؤية الشتوية إن السماء كات رحيمة مع الحضور، فقد حبست أمطارها وهواؤها البارد، وصخبها، وكأن الشارع، وهو يمتلئ بالحضور واحدًا من شرايين الحياة اليومية التي تصل بين اناس معظمهم من الحرس القديم وهم يجيئون محملين بالذكريات، ووسط هذا الجو المريح والاستثنائي، تقدم مني رفيق درب قديم، كنا معًا في قرية نتلمس حاجاتها في الماء والامن والكهرباء ، هو عبد الزهرة حسن: معلمًا ورفيقًا وصديقًا، فقد نظره، لكنه لم يفقد ذاكرته، جاءني بصحبة ابنائه وهو يحمل مخطوطة رواية،لأقرأها، وفي صخب داخلي مفعم بأيام مدينة القرنة، نزلت دموعي، حسنا، ماذا لو كان الاحتفال في أكثر من مدينة عراقية، وأغنى حضورا بكل شرائح الحزب، خاصة من اجيالنا القديمة، لوجدنا أن ما كنا نفعله ونحن نحتفي متخفين من جراد السلطة قد حضرا بكامل هيبته هنا، وفي شارع يطل على دجلة، وعين منا تبصر الضفة الأخرى للنهر، الضفة التي تشكل معادلًا للحرية الملتبسة بزمننا هذا.

عرض مقالات: