بادرت مجموعة من المسرحيين في مدينة البصرة، خلال الفترة الاخيرة، إلى تأسيس فرقة جديدة كمحاولة لإعادة الحياة إلى الحركة المسرحية في المدينة التي هُمشت ركائزها الثقافية شأن بقية مدن العراق، نتيجة ضعف الاهتمام الحكومي في الجوانب الثقافية، وسيطرة الفئات العشائرية والجماعات المتطرفة التي تحارب الفن ومختلف فروع الجمال.

وتمر البصرة بفترة جفاف ثقافي على صعيد المسرح، وهناك انحباس حقيقي في مجال تنشيط الثقافة.. هكذا يجد الفنان المسرحي محمود أبو العباس مدينته التي عاد إليها بعد غياب لسنوات ليعمل على تأسيس فرقته المسرحية.

 يقول أبو العباس في حديث صحفي، ان "هذه الظروف كانت حافزا لفكرة إنشاء الفرقة المسرحية، التي حاولنا من خلالها أن نكسر نمطية المؤسسات التعليمية المعنية بهذا المجال، ونحتضن طاقات شبابية من غير المتعلمين، ومن الذين يمتلكون الموهبة".

تحديات حقيقية

وتسعى الفرقة المسرحية التي أسسها أبو العباس منتصف العام الجاري، إلى "إعادة وجه البصرة الموسيقي" من خلال الأعمال التي تقدمها، لكن تلك التطلعات تصطدم أحيانا مع مظاهر "التشدد الديني"، التي عرضت فناني الفرقة لهجمات شخصية.

ويشير أبو العباس إلى ان المظاهر الدينية والسياسية المتطرفة في البصرة، شكلت تحديا حقيقيا أمام الفرقة، التي تعرضت لأكثر من هجوم شخصي خلال فترات التدريب في مقر قصر الثقافة والفنون في المحافظة، بسبب تقديمها مقاطع غنائية.

وشكلت الفرقة فرصة حقيقية لأعضائها لتعليم أساسيات التمثيل المسرحي. إذ يقول الممثل في زين اليوسف "كانت معرفتنا بالعمل المسرحي تقوم على التمثيل على خشبة المسرح فقط، في حين تم تدريبنا وتعليمنا أساسيات التمثيل المسرحي بعد التحاقنا بالفرقة".

وفي المقابل يرى الكاتب المسرحي فائز الكنعاني أن "كلية الفنون الجميلة ومعهد الفنون في المحافظة، عجزا عن إضافة فنانين جدد إلى المدينة، ولم يخرجا لنا سوى موظفين حكوميين!".

ويلفت إلى أن الفرق المسرحية ستضخ دماء جديدة إلى المسرح في البصرة، وسيكون لها الدور في توفير جيل مسرحي جديد يتقن الفنون المسرحية.

تاريخ عريق

وعرفت البصرة المسرح منذ منتصف القرن التاسع عشر. إذ يوجد نص مسرحي اكتشف في وقت سابق، عنوانه "الشيخ البصري والفتى العصري" يعود إلى العام 1862، وهو محفوظ في "مكتبة باشا عيان" البصرية.

ويستعرض الباحث المسرحي طارق العذاري تاريخ المسرح في البصرة قائلا: "تمتلك المدينة تاريخا مشرقا في هذا المجال، وكان المسرح يقدم أعمالا سياسية خلال فترة الاحتلال البريطاني للعراق، واستمر هذا النشاط في العهد الملكي، بعدها دخل الفكر اليساري إلى المسرح وقدمت في البصرة أعمال واقعية ذات نفس اشتراكي".

وفي فترة السبعينيات - يضيف العذاري - تشكلت دائرة السينما والمسرح والفرقة القومية للتمثيل في البصرة، وقدمت أعمالا ممتازة ومتكاملة. كما تأسست فرق مسرحية عدة، مشيرا إلى أن البصرة كانت محطة مهمة للفرق المسرحية العربية الشهيرة، منها فرق "جورج أبيض" و"يوسف وهبي" و"فاطمة رشدي".

ومنذ العام 2003 شهدت البصرة انحسارا في قاعات العرض المسرحي، بعد أن كانت تضم خمس قاعات بمواصفات جيدة.

يقول مدير قصر الثقافة والفنون عبد الحق المظفر، إن غياب النشاط المسرحي في البصرة، يعود إلى افتقار المحافظة لوجود بنية تحتية تحتضن هذا النشاط. وفيما يشير إلى وجود أسباب فنية عرقلت إكمال مشروع "مسرح البصرة الوطني" الذي يعد من أكبر المنشآت الثقافية في المدينة، يجد الكثيرون من مواطني البصرة أن الحكومات المحلية تتعمد إهمال وتغييب الجانب الثقافي للمدينة، التي كانت من أهم الحواضر الثقافية.