تغيرت الحياة الثقافية في العراق خلال السنوات الماضية، ولم يعد الفضاء الثقافي - الفني حكرا على بغداد ومسارحها. هذا ما لاحظه الكثيرون من المهتمين في الثقافة والفن ومختلف الجوانب الإبداعية.

ولعل تحويل الشوارع المطلة على نهري دجلة والفرات في المحافظات الجنوبية إلى منصات لعرض الأعمال الفنية بأنواعها المتعددة، بعد أن كانت مهملة وخالية من الحياة، خير مثال على ذلك.
وكان المثقفون ومحبو الفن، هم وراء هذه المبادرات. إذ حولوا بعض الشوارع الرئيسة في المحافظات الجنوبية، إلى أماكن لاحتضان الثقافة والفن والأدب، تستقبل روادها عصر كل جمعة أو سبت، ليشاهدوا عروضا مسرحية أو معارض فنية متنوعة تقام في الهواء الطلق، وتجسد واقع الحياة التي عاشها ويعيشها العراقيون.
الحراك الثقافي لم يقتصر على محافظة جنوبية واحدة، بل امتد إلى جميع محافظات الجنوب. فمن الصعب على الإنسان أن يرى غيره يبدع، ولا يبادر إلى خلق فضاء للإبداع، لذلك انتشرت شوارع الثقافة في جميع المحافظات الجنوبية، وأصبح لها تأثير كبير ومهم في المجتمع – بحسب الشاعر عبد الزهرة زكي، الذي يلفت في حديث صحفي إلى انه، ورغم قلة الدعم، استطاع المثقفون افتتاح تلك الشوارع، وان الحافز المغذي لتلك المبادرات هو الجمهور الذي يجد في الثقافة عاملا مهما لتحريك كل شيء قد يغير ويتغير في المجتمع.
ويوضح زكي ان تلك الطرقات تحولت إلى تجمعات ثقافية، تعرض فيها اللوحات الفنية والمنحوتات والصور الفوتوغرافية، فضلا عن الأعمال المسرحية، ما أصبحت فضاء مهما للتنافس بين الفنان والهاوي، من أجل اكتساب الخبرة.
الشوارع تتشابه والنتاجات تختلف
الفكرة نفسها في محافظات البصرة وذي قار وميسان والمثنى وواسط وغيرها، من حيث تحويل الشوارع إلى متنفس ثقافي، لكن النشاطات الثقافية تختلف. وبهذا الصدد يشير الفنان ماجد العتابي، إلى ان تعدد المدارس الفنية والتنويع يجعلان المشروع يتجدد باستمرار، موضحا أن هناك تواصلا بين الفنانين في هذه المحافظات لمعرفة ما يطرح مثلا في ميسان من أعمال فنية، من أجل عرض شيء مغاير في الناصرية.
ويعتبر العتابي أن تنوع المدارس الفنية هو ما يجعل فناني الشوارع يجدون الحرية الكافية في طرح أعمال فنية مغايرة.

ورغم الإمكانات المحدودة وافتقار المحافظات الجنوبية إلى المسارح، واستيلاء بعض الجهات النافذة على الأماكن الثقافية وتحويلها إلى مقرات تابعة لها، فإن ذلك لم يوقف الإبداع - بحسب الكاتب الشاب مصطفى السعيدي، الذي يذكر في حديث صحفي ان هناك طاقات مسرحية واعدة في مدينة الناصرية، تسعى إلى تقديم نتاجاتها رغم قلة الدعم المادي والمعنوي وغياب القاعات الفنية الخاصة بتدريب الفرق المسرحية، مؤكدا أن "هذا التحدي لم يكن عائقا أمامنا، فقد أصبحنا نتمرن في البيوت ثم نعرض مسرحياتنا في الشارع الثقافي بمساعدة فنانين آخرين يمتلكون خبرة كبيرة في هذا الشأن".
جمهور واسع
المشروع كبر والجمهور توسع ليشمل أعمارا مختلفة.. إذ يشير المخرج غازي رهيف في حديث صحفي، إلى ان المثقفين يأتون من مختلف الأقضية والنواحي إلى مراكز المحافظات لمشاهدة الأعمال والإبداعات الفنية، وهو دليل إيجابي على كسر الحواجز بين الفنان والمتلقي، مضيفا ان المخرجين المسرحيين باتوا يخاطبون جميع الأذواق، فيلقى المنتج الفني المتوازن رواجا كبيرا رغم حساسية المجتمع في جنوب العراق وطابعه المحافظ.
ويلفت رهيف إلى أنهم "يعملون دون أن يسيئوا إلى أحد أو يخدشوا الحياء. فمن الصعب أن تقدم عملا فنيا دون إقناع وعرض متوازن، وهو ما ساعدنا في الوصول والنجاح".