في مشهد غريب يصارع فيه الجمالُ العنف والتطرف، وتفرض الحياة وجودها على ثقافة الموت، تشق الموسيقى طريقها وسط الظلام في تجدد وتطور مستمرين، متسللة إلى أرواح العراقيين وقلوبهم، لتغذيها برحيق الحياة، رغم المنغصات المتفاقمة في محيطهم.
اهتمام العراقيين الكبير بالموسيقى العربية، ومتابعة فئة الشباب للعالمية منها، أثمرا جيلا موسيقيا حداثيا، جاء كرد فعل على ثقافة العنف والتطرف، ليوصل رسائل المحبة والتعايش السلمي.
ولعل من أبرز نتاجات هذا الجيل، الفرق الموسيقية الشبابية التي عادت إلى المشهد الفني بشكل معاصر وحديث، بعد انقطاع لسنوات طويلة.

تطور الأغنية

فرقة "درابين" التي اتخذت عنوانها من كلمة بغدادية قديمة تعني الأزقة الشعبية الصغيرة، تقدم الأغنيات بأسلوب عصري، إذ يتشارك أعضاؤها الحلم ببث الحياة والجمال في مجتمعهم، وهم يجدون في موسيقاهم التطور الطبيعي للأغنية العراقية، ويؤكدون استمرارهم بالتقدم وإنتاج الأعمال الفنية، عن طريق منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما حقق لهم انتشارا واسعا، ومنحهم إعجاب فئة لا بأس بها من الشباب.
يقول مغني الفرقة زيدون حسين في حديث صحفي، أنهم يسعون إلى إقامة الحفلات الموسيقية "الحيّة" أمام الجمهور، لكن جهات الإنتاج تفضل الأغنيات التجارية ولا تهتم برفع ذائقة الجمهور أو تقديم الأغنيات ذات المضمون والفكرة العميقين، والتي ترتبط بالثقافة والإرث التراثي العراقي – على حد قوله.
ويضيف حسين ان فرقته، وعلى الرغم من ذلك لا تزال تطمح إلى تحقيق أهدافها، مشيرا إلى ان الفرقة ستنتج أغنيات جديدة، بينها أغنية بعنوان "بغداد"، سيتم تصويرها قريبا على طريقة "الفيديو كليب" بتمويل ذاتي.

بين الماضي والمستقبل

فرقة "بروجيكت 904" التي تميل أكثر للموسيقى الغربية، بدأت مع إعادة إنتاج أغنيات عراقية تعود إلى حقبتي الخمسينيات والستينيات، بشكل وتوزيع حديثين ولحن جديد، وبلون الفرقة الخاص الذي يلائم الأذن الشابة، ويحرص على عدم تخييب آمال متذوقي الموسيقى القديمة والكلاسيكية.
أعضاء الفرقة أكدوا في حديث صحفي، أنهم حريصون على عدم نسيان الأجيال الجديدة الأغنيات القديمة ذات المستوى الفني العالي، مشيرين إلى انهم في الوقت ذاته، يعملون على تأليف وتلحين وتوزيع أغنياتهم الخاصة، بالعربية والإنجليزية، ويطمحون إلى تطوير الموسيقى العراقية دون أن تفقد هويتها الأساسية، كما يحرصون على إدخال الآلات الموسيقية الغربية في أغنياتهم الخاصة، أو الأغنيات التي يعيدون إحياءها.
ضرورة المحافظة على التراث
المخرج الاستعراضي والخبير في الفنون الشعبية فؤاد ذنون، أشاد بالفرق الموسيقية الشبابية، واعتبرها امتدادا للأجيال السابقة، لكنه شدد على أهمية استمرار تلك الفرق في تطوير أعمالها الفنية دون نسيان الهوية التراثية العراقية.
ويرى ذنون أن من جماليات هذا التطور هو المزيج الموسيقي المتناغم للآلات الشرقية والغربية، مؤكدا حاجة الفرق الشبابية إلى دعم إعلامي قوي، وإلى إقامة حفلات موسيقية حية أكثر.

الموسيقى تقاوم التطرف

انتشار هذه الفرق أشبه بتدفق الماء على أرض حاول الظلاميون والإرهابيون تحويلها إلى يباب، كما انه يمثل ردا على فشل المؤسسة الرسمية في الاهتمام بالفن - بحسب الصحفي والناشط علي السومري، الذي أشار في حديث صحفي إلى أن هذه الفرق منتشرة بشكل واسع في أنحاء العراق، ولا يمكن تخيل هذا البلد دون موسيقى، وهو الذي خرجت منه مقامات موسيقية عديدة، مضيفا أن انتشار الموسيقى والفرق الشبابية يعتبر من سمات الدول المدنية التي تقاوم التطرف.

جذب اهتمام الشباب

شبان وشابات ذكروا انهم صاروا يتابعون هذه الفرق الموسيقية بشكل مستمر، بعد أن رأوا فيها موسيقى عصرية تقدَّم بشكل مفهوم ومحترف، مؤكدين ان ما تقدمه تلك الفرق ساهم في تعريفهم بأغنيات قديمة لم يعرفوها في السابق، عن طريق إعادة إحيائها باسلوب عصري.
ويلفت الشباب إلى ان الأغنيات التي تقدمها تلك الفرق تناسب أذواقهم، خاصة التي تتضمن مزيجا من أنغام الآلات الموسيقية الشرقية والغربية.