يبدو استنادا الى تصريحات عدد من المتنفذين، ان التظاهرات والاحتجاجات تقض مضاجع البعض وتؤرقه، وهي التي فضحت وعرّت فشله وفساده تماما واسقطت ورقة التوت عن عوراته والهالة التي احاط بها نفسه، فلم يجد بدا من الانحناء امام الموجة والتظاهر بقبول الاحتجاج ومطالب المحتجين. فيما هو في الواقع يمني النفس ليل نهار، بان لا تقوم للاحتجاج والمشاركين فيه قائمة. وقد سرّه كما يبدو ان يرى مع الجميع كيف جرت مساعي اغراقها بالدماء، وآخرها ما حصل لآخر شهيد في البصرة، المدينة المنكوبة التي حالها مثل حال الجمل: يحمل على ظهره ذهبا ولا يجد ما يسد جوعه والعطش .
هذا ليس افتراء على احد ، ولا مبالغة او من نسج الخيال. فقد أظهره عدد من اللقاءات التلفزيونية بوضوح واكده بالصوت والصورة . حيث ظهر هذا البعض محتجا ورافضا وممتعضا من فكرة ان تمارس الكتل السياسية المعارضة معارضتها خارج البرلمان، ومطالبا بان تقصر ذلك على قاعة البرلمان. وجاء هذا خصوصا بعد تأكيدات ممثلي الحزب الشيوعي العراقي وسائرون، بانهم ان لم ينجحوا مع آخرين في تشكيل الحكومة على وفق برنامج اصلاحي حقيقي قابل للتنفيذ وذي معايير للقياس وسقوف زمنية، ويستجيب لمطالب المواطنين والحركة الاحتجاجية والرغبة الشعبية العارمة، التي تكاد تكون شاملة في المطالبة بالتغيير الجدي واشاعة التجديد في البرنامج والأداء والشخوص ، فانهم سوف يمارسون النشاط السلمي الجماهيري الدستوري المعارض ، داخل البرلمان وخارجه.
هذا البعض مرتعب من ذلك، ومن حركة الناس واحتجاجاتهم، ولا ريب في خوفه من فقدان مواقعه ومصالحه. لذلك نرى كل هذه الاجراءات المفرطة في العنف والقسوة في التعامل مع المتظاهرين. حتى ليبدو انه كمن يتجرع السم في كل يوم وكل ساعة يرى فيها مواطنا في الساحة او في الشارع محتجا او معتصما. فيما الامر، وفقا للدستور وما ينص عليه من ضمان حق " التعبير عن الرأي بكل الوسائل " وحق " التظاهر السلمي " ، هو حق مطلق في كل الاحوال ، سواء كان الكيان السياسي مشاركا في البرلمان والحكومة ام لا ! فلا يوجد دستوريا ما يقيد دعم التظاهرات والمشاركة فيها ، سواء كان هناك تمثيل في البرلمان ام لا.
ان ما يدعو له البعض من اجراءات قبل تشكيل الحكومة الجديدة، يحضنا على التنبيه مبكرا الى الوجهة التي سيتعامل بها وأمثاله مع حركة الاحتجاج، إن اتيحت له الفرصة، واية تقييدات سوف يفرضها، وهو الذي يبق ان جُرّب في موقع السلطة والقرار، وكيف تعامل مع تظاهرات شباط 2011 وما تلاها من حراك جماهيري.
ان هذا وحده يكفي ربما لجعلنا نتوجس من القادم على يد هذا البعض، إن هو تولى زمام الامور من جديد. وهذا ينسف بالطبع كل ما يدعيه من رغبة في المراجعة والتدقيق، ومن انه استخلص الدروس ويريد بدء صفحة جديدة، ويكاد حتى يزاود في ذلك على دعاة التغيير والاصلاح الحقيقيين. وهناك الكثير مما يمكن ايراده في هذا السياق، وما يجعلنا نستبعد حدوث تغيير جدي ان استمر المنهج ونمط التفكير ذاتهما، والعقلية نفسها التي اديرت بها الدولة حتى الآن. وهو ما اوصلنا الى هذه الحالة التي لا يحسدنا عليها احد من شعوب الارض. فيقينا اننا لن نرى النور في نهاية النفق على يد الفاسدين والفاشلين إياهم، الامر الذي يفرض على قوى الاعتدال والتغيير والاصلاح، ان تتضامن وتتكاتف لاخراج البلد من المأزق المتعصي. فنحن اليوم في لحظة زمنية فريدة تتوفر فيها امكانية حقيقية يتوجب الا تضيع.

عرض مقالات: