يشكل الاختلال في سوق العمل العراقية احد اهم ملامح اخفاق السياسة الاقتصادية الحكومية في عملية التنمية المستدامة والفشل في تنفيذ الاستراتيجيات المعلنة وهدر الطاقات البشرية ارتباطا بهدر الموارد المالية الوفيرة التي دخلت الى الخزينة بعد عام 2003 .
ومن الطبيعي ان يكون الاختلال في توازن سوق العمل هو العامل غير المنظور للجميع في تفاقم الازمات الاجتماعية وانتفاضات الشباب العراقي منذ سبعة اعوام نتيجة لازدياد حجم البطالة على الرغم من الوفرة المالية الكبيرة المتحققة قبل عام 2014 وانفاق ما يزيد عن 700 مليار دولار طيلة تلك الفترة والتي عجزت الحكومات المتتالية ما بعد العام المذكور بسبب انشطة الفاسدين ، عن توظيفها بصورة عقلانية في عملية التنمية الاقتصادية وتوسيع قطاعات الانتاج افقيا وعموديا لتستوعب الايدي العاملة الفائضة في سوق العمل .
واذ تشير الاحصائيات المتوافرة الى ان نسبة البطالة حاليا تزيد عن 30 في المائة من حجم السكان من الجنسين وتتجلى حاليا في الصناعة والزراعة فيما تتركز العمالة حاليا في قطاع الخدمات وقطاع البناء والتشييد ، وكذلك من اجهزة الدولة المدنية والعسكرية وان عدد العاطلين المسجلين في مكاتب التشغيل التابعة الى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية يبلغ مليون ومائتين وخمسين الف عاطل طلبا للعمل ولا شك ان هناك اضعافا مضاعفة من هذا الرقم خارج سجلات هذه المكاتب ، فان هذه المعطيات تنبئنا بان المجتمع معرض الى المزيد من الاهتزازات التي قد تعرض السلم الاهلي الى مخاطر كبيرة .
وان ما يجعل سوق العمل في مواجهة تحد خطير هو تخرج الاف الطلبة من الجامعات العراقية المنتشرة في معظم المحافظات سنويا ولكن دون مهارات محددة مما يكون قطاع الدولة هو الاكثر ملائمة لتشغيل هذه الاعداد ولكن كيف يكون هذا التشغيل ممكنا في وقت تتضخم هذه الاجهزة لدرجة انها تمتص سنويا نصف الاموال المخصصة في الموازنات السنوية كما ان ضعف الطلب على قوة العمل يعو د الى عدة اسباب ابرزها ضعف نشاط القطاعات الاقتصادية بما فيها قطاع الخدمات الذي توقف في سنوات ما بعد عام 2014 وضعف قطاع الاستثمار كما ان القطاع المصرفي مازال مؤهلا لاستقبال المعروض في سوق العمل الا ان الاشكالية تكمن في عدم توفر المهارات التي يحتاجها هذا القطاع ومن بينها الترجمة باللغات الاجنبية التي تتطلبها تعاملات هذا القطاع زد على ذلك توقف اكثر من 35 الف مشروع صغير ومتوسط عن العمل بسبب تعرضها الى خسائر كبيرة نتيجة لتفاقم الكلف . وفي هذا المجال يحسن ان نشير الى خطوة حكومية غير موفقة حيث قامت في الفترة الاخيرة بزيادة اسعار النفط الاسود المجهز لمعامل السمنت والطابوق بنسبة 50 في المائة من سعر اللتر فاصبح سعر اللتر الواحد 150 دينار مما ترتب على هذا الاجراء غير المبرر تسريح الالاف من الايدي العاملة وكأننا نستورد النفط الاسود من اليابان
لهذه الاسباب مجتمعة اصبح لزاما على الحكومة ان توفرت لديها الارادة الكافية لمراجعة سياساتها التشغيلية لاتخاذ مجموعة من الاجراءات الضرورية لمعالجة الاختلال في سوق العمل نذكر من بينها ما يلي :
دعم الجامعات العراقية لسوق العمل بالتحكم بالمناهج التدريسية ونوعية الاختصاصات التي تتماهى مع سوق الانتاج وخطط التنمية الاقتصادية والتنظيم والادارة وعدد الطلبة والتأكيد خصوصا على المناهج المرتبطة بالمهارات التكنولوجية .
تحسين مناخ الاستثمار ومعالجة تحدياته التي تحرم الاقتصاد من ميزات ما يوفره قطاع الاستثمار من فرص العمل للخريجين واصحاب الخبرة من الجنسين واشتراط الحكومة على تشغيل ما يزيد على 50 في المائة من العراقيين في عقود الاستثمار .
اعداد برنامج وطني فاعل للتشغيل من خلال التنسيق بين وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة التخطيط ووزارات الدولة الاخرى ذات العلاقة لأجل تنظيم سوق العمل وتوفير الاحصاءات الدقيقة عن عدد العاملين بالفعل والعاطلين وتشجيعهم للتسجيل في مكتب التشغيل للاستفادة من فرص العمل في القطاعين العام والخاص .

عرض مقالات: