لا يخفى على أحد أن الحياة السياسية في العراق معقدة وغريبة إلى حد الخيال في الكثير من معطياتها، ولا تجد أمامك أحياناً شيئاً أسمه سياسة بالمعنى المعروف ولا نقول بالمعنى العملي للكلمة، وإنما هي ممارسة هجينة تتقاسمها مفاهيم السير بين الجثث، وامتلاء الذات بالخواء، وانزياح الرؤية الجمعية لصالح الأنا المتورمة، والمبتلية بكل ما هو شائن وعقيم. ولهذا يقال أن الإناء ينضح بما فيه، فممارسة من هذا النوع لا يمكن أن تنتج غير الفشل، والفساد، وتهديم أخر أسوار العفة والشرف والضمير.
فهل يستطيع حاملو هذا الفايروس، أو المصابون به، إصلاح ذواتهم والتصدي له بنجاح، وبالتالي التخلص من نتائجه الكارثية؟ أم أن نقص المناعة، سيجعلهم أسرى أزليين لهيمنته على صعيد الفرد والجماعة؟ بصرف النظر عن أن جميع هؤلاء المرضى يعلنون على رؤوس الإشهاد وعلى مدار الساعة، أنهم بصدد القضاء عليه مرة واحدة وإلى الأبد.
لكن آفة النسيان ينبغي أن لا تلتهم ما تبقى من ذاكرة العراقيين، فالهوة بين الادعاء والتنفيذ بلغت من العمق حداً يستحيل ردمها بالأساليب القديمة، المتهرئة، التي لا تقنع حتى المنادين بها. و هو ما عكسه هذا الإصرار المرضي والتشبث اللامعقول بالسلطة، والرغبة العارمة في العودة إلى مقاعد البرلمان والحكومة من قبل أناس لم يقدموا شيئاً ذا فائدة ولو بنسبة ضئيلة إلى ناخبيهم، وعموم الشعب العراقي، بل لم يتمكنوا من الاحتفاظ بسمات الإنسان السوي القادر على العيش بكرامة ومراعاة حقوق الآخرين.
إن هؤلاء الخاسرين، الذين عاقبهم الشعب، بعدم انتخابهم، لأنهم أذاقوه الأمرين، حاولوا ويحاولون الان وبكل الطرق والوسائل الشرعية منها وغير الشرعية، العودة من الشباك، بعد أن طردوا من الباب، متعكزين على عمليات التزوير الواسعة التي مارسوها هم قبل غيرهم، ولم يحققوا فيها ما أرادوا، لان مستوى الوعي الجماهيري بدأ يطل برأسه من الحفرة التي دفنوه فيها طيلة السنوات الماضية، وهالوا عليه أطناناً من تراب الدجل والخداع والطائفية وسواها من الأمراض الاجتماعية .
أن التزوير مهما كان محدوداً، مرفوض جملة وتفصيلاً، ويجب معاقبة الذين مارسوه سوية مع مشتري الذمم، ومستغلي مؤسسات الدولة لصالحهم، ومؤججي الفتن وزارعي بذور التفرقة بين أبناء الشعب الواحد.
لقد كان قرار المحكمة الاتحادية واضحا وضوح الليل والنهار بعدم إلغاء نتائج الكوتا والخارج وتصويت النازحين والتصويت الخاص في كردستان، وكذلك تأييدها لانتداب قضاة لإشغال مهمة مفوضية الانتخابات، والاهم من كل هذا عدم دستورية المادة (3) من قانون التعديل الثالث للانتخابات وإلغائها، وان المحكمة الدستورية كما ورد على لسان رئيسها القاضي مدحت المحمود تقرر عدم المساس بأصوات المقترعين التي تحصلت بشكل سليم ولم ترد بها شكاوى.
فهل ينصاع الخاسرون؟ أم أن في جعبتهم، المزيد من عمليات الالتفاف، والتشويش وإشاعة الفوضى في العملية السياسية المعوقة أصلا، وإطالة أمد تشكيل الحكومة التي يعدها العراقيون حاجة ماسة، لعلها تكون عوناً لهم في مداواة بعض من جروحهم الكثيرة.

عرض مقالات: